زيارة عبداللهيان للمنطقة.. تحضير الحلفاء لاحتمالات كارثية

2024.02.14 | 06:19 دمشق

زيارة عبد اللهيان للمنطقة.. تحضير الحلفاء لاحتمالات كارثية
+A
حجم الخط
-A

تتسابق التطورات الساخنة في المنطقة مع محاولات خلق اتفاق على هدنة طويلة في قطاع غزة وجنوب لبنان، فحركة الموفدين تدلل على صعوبة التوصل لحلول سريعة قبيل شهر رمضان واستنفار المسلمين حول العالم، وتوقعات حدوث صدامات في القدس مع اقتراب رمضان والصلوات المسائية.

لذا بدا أن قيام وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بقطع زيارته لإسرائيل كإشارة تؤكد فشل المفاوضات وظهور حالة قصوى من التباين الحاد بين واشنطن وتل أبيب حول استمرار الحرب ومحاولات توسيعها باتجاه مدينة رفح، حيث كثافة النازحين من الشمال والوسط الغزاوي، وكذلك ما تعنيه من إحراج داخلي لمصر التي ترزح تحت انهيارات اقتصادية تشبه لبنان.

وكان لافتاً ما حرصت صحيفة "هآرتس" على تسريبه حيال وجود خلاف كبير نشب بين نتنياهو ووزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن في أثناء زيارته الأخيرة لإسرائيل، فالمسؤول الأميركي شدد على تحذيراته من شن إسرائيل ضربة للبنان لمخاطرها المؤكدة على أمن المنطقة، لكن نتنياهو رفض ذلك وأكد على فكرة أن حزب الله يجب ردعه عسكرياً وبكل الوسائل المتاحة لإعادة سكان المستوطنات النازحة.

وعلى أثر مغادرة بلينكن للمنطقة، حط في المنطقة وزير خارجية إيران حسين أمير عبداللهيان إلى بيروت ودمشق، ومنها سيكمل إلى الدوحة للقاء إسماعيل هنية والمسؤولين القطريين، ويبدو في سياقات الزيارات المكوكية أنها حصلت دون تحضيرات مسبقة وظهر أن التطورات الميدانية فرضت نفسها على الواقع السياسي الإقليمي.

وثمة اعتقاد أن حضور الوزير الإيراني المتزايد في المنطقة، ينطوي على محاولات طهران المستمرة لإثبات حضورها في المرحلة التي ستلي حرب غزة، مع المساعي المبذولة لوقف النار في القطاع المنهك، والتهدئة في الجنوب اللبناني، والنشاط المصري والقطري المتصاعد لإنهاء المعارك والبدء بمراحل الحلول الطويلة والتي ستشهد تبادل للأسرى وإدخال مساعدات وإعمار وتشكيل واقع سياسي قد يفضي لإدخال حماس لمنظمة التحرير وتشكيل قيادة سياسية أكثر براغماتية داخلها.

سعى عبداللهيان خلال لقائه المسؤولين في بيروت على إظهار قدرات بلاده في صناعة التسوية، وأبلغ ميقاتي وبري على ضرورة استغلال اللحظة الإقليمية الفارقة لمنع التصعيد والحرب

ومع الحراك الأميركي مع قطر وفرنسا، وهذه الزيارة تأتي عقب تصريحات سفراء السعودية ومصر في بيروت عن أهمية مشاركة إيران ضمن الدول الساعية إلى الحل وأن العمل معها قائم وأساسي لاستقرار الشرق الأوسط.

وسعى عبد اللهيان خلال لقائه المسؤولين في بيروت على إظهار قدرات بلاده في صناعة التسوية، وأبلغ ميقاتي وبري على ضرورة استغلال اللحظة الإقليمية الفارقة لمنع التصعيد والحرب، معللاً هذا الموقف الهادئ أنه في إطار اتصالاته اليومية مع نظرائه الأتراك والقطريين والسعوديين والتنسيق معهم على تفاصيل المشهد الإقليمي عن كثب.

وحاول الزائر الإيراني ترديد متلازمة سياسية تقول إن طهران تلقت عرضاً من واشنطن بتسوية شاملة في المنطقة يكون من ضمنها حل الدولتين وانسحاب إسرائيل من كل غزة وبعض المناطق في شمالي إسرائيل، لكن رد بلاده اقتصر وفق ما أشاع الرجل أنه انحصر في إطار واحد: "لا حديث في أي تسوية قبل وقف إطلاق النار وأنها لن تفاوض على مصالح الحلفاء في حماس وحزب الله".

لذا فكل الخطاب الذي سمع في لبنان من الوزير الإيراني كان في إطار تأكيد ضرورة التهدئة وعدم التصعيد، وأن الرهان هو على وقف العمليات العسكرية وعلى الحلول السياسية. هذا يعني بالعمق السياسي أن إيران كقوة نفوذ تسيطر على قرارات مجموعة من دول المنطقة، لا تريد الحرب على الرغم من تلقيها ضربات موجعة استهدفت قياديين عسكريين في سوريا والعراق، إضافة لمسؤولي النخبة في حزب الله وباقي الميليشيات الطائفية، والحرب التي أعلنت على الحوثيين في اليمن.

ويبدو أن إيران تتعامل مع كل الاحداث من منطلق أنها قوة رئيسية تتجاوز الضربات ببراغماتية وتذهب بعيداً ضمن شعار "الصبر الاستراتيجي"، وهي تعبر عن نفسها أنها حاجة للتوازن الإقليمي أولاً على المستوى السياسي وثانياً على المستوى المذهبي في ظل أغلبية سنية ساحقة في المحيط، وهي بذلك تريد الحفاظ على دورها وموقعها ونفوذها التاريخي بالصمت عن الخروقات والاغتيالات.

وقبيل الزيارة سعى حزب الله لترويج سردية تبرر ذهابه لتسوية مع إسرائيل برعاية أميركية وإقليمية، عبر تسريب لقاء نصرالله بوفد رفيع من حماس ونقاشه معهم حول ملفي غزة ولبنان، وبدا جلياً أن حزب الله بدأ بضخ معلومات تشير إلى أن حماس أعطت الحزب موافقة مبدئية على أن يقوم حزب الله بإيجاد مخارج للصراع مع إسرائيل لمنع انزلاق لبنان في حرب أكبر من قدرته على الصمود.

وهذا المسار لا يعني حصول التسوية في القريب العاجل، نظراً لصعوبة الأمور وعناد نتنياهو وفريقه الحريص على تمديد المعارك حتى نهاية العام الحالي، لجعل الأمور والمعركة الحاصلة ناخباً رئيسياً في انتخابات الولايات المتحدة وانتخابات الدول الأوروبية التي ستجري هذا العام، والاستفادة من حالة الكباش والاستقطاب الحاصل بين اليمين واليسار حول العالم.

إعادة خلط الأوراق من جديد سيحدث مزيداً من التصعيد الإسرائيلي وخاصة أن الحلول السياسية تعني تسريع أي انقلاب سياسي محتمل في إسرائيل

لذا فإن المفاوضات الجدية حول قطاع غزة والتي تشهدها باريس والقاهرة ويشارك فيها رؤساء أجهزة المخابرات في الولايات المتحدة وفرنسا ومصر وقطر وحركة حماس، والتي لم تنضج بعد، يريد الإيراني أن يكون حاضراً ضمنها ولو بطريقة غير مباشرة، ولأجل ذلك تم تأجيل المشروع الجزائري المقدم إلى مجلس الأمن لوقف إطلاق النار إلى أن تتم بلورة صيغة الاتفاق حول إطلاق الأسرى الذي يجري التفاوض بشأنه بين مسؤولي الاستخبارات في هذه الدول، وخاصة أن حماس طلبت رعاة كروسيا وتركيا والأمم المتحدة.

وعليه فإن إعادة خلط الأوراق من جديد سيحدث مزيداً من التصعيد الإسرائيلي وخاصة أن الحلول السياسية تعني تسريع أي انقلاب سياسي محتمل في إسرائيل، ولذا هدفت زيارة عبداللهيان لتنسيق بنود مرحلة ما بعد فشل المفاوضات والتصعيد لتحسين شروط التفاوض والحل.

ويعتقد متابعون في عمق المفاوضات أن الواقع الحالي هو في غاية الخطورة وأي من صانعي السياسات والحل في واشنطن والدوحة وباريس والقاهرة، غير قادر على تحديد الاتجاه نحو الحرب أو التسوية المتوقعة، باعتبار أننا أمام مشهد كارثي بالغ التعقيد يريد كل فريق في الصراع توظيفه لتحسين شروطه التفاوضية في اتفاق يجد الطرفين نفسيهما مجبرين على تقديم تنازلات لإنهاء حرب منهكة للجميع.