خطة أميركية بلا ملامح

2021.12.28 | 05:05 دمشق

ttttal.jpg
+A
حجم الخط
-A

خلال حملته الانتخابية التي أطلقها عام 2019 وعد الرئيس الأميركي جو بايدن أن تقوم القيادة الأميركية بحل الأزمة السورية، وفي نهاية الحملة عام 2020 وقبل استلامه سلطة البيت الأبيض أعاد التأكيد على هذه الإرادة الأميركية، وتمت مناقشة الأخطاء التي حصلت في عهد الرئيس أوباما وأدت إلى التدخل الروسي العسكري في سوريا عام 2015، وكان هناك تعهّد من فريق بايدن بأن هذه الأخطاء لن تتكرر.

لكن الذي حصل على أرض الواقع منذ عام - تاريخ دخول بايدن البيت الأبيض - ساهم في زيادة غموض السياسة الأميركية تجاه الملف السوري، وأصبحت سياسة الإدارة الأميركية متناقضة ومرتبكة أكثر، ولم يشعر السوريون قط باستخفاف من قبل الولايات المتحدة بقضيتهم كما باتوا يشعرون الآن.

تتبدد آمال السوريين تدريجياً بأن يكون للإدارة الأميركية دور حقيقي وقوي وحازم في ملف مأساتهم وحربهم

استمرت السياسة الأميركية لإدارة جو بايدن تجاه الملف السوري غير واضحة المعالم والاتجاهات، ولم يسمع السوريون إلا تصريحات أميركية صوتية بأهمية وضرورة ووحدانية الحل السياسي، تصريحات لم يرافقها فعل أو شبه فعل، ووضحت الصورة أكثر بأن المصالح القومية الأميركية والقضايا الداخلية تطغى بشكل واضح وجليّ على السياسة الخارجية الأميركية كلها، بل حتى إن العقوبات الأميركية التي تُفرض على شخصيات ومؤسسات وقطاعات، في سوريا أو إيران أو روسيا، تُفرض لأنها تضر بالمصالح الأميركية، وليس بالضرورة لأنها تُساعد النظام السوري ومرتكبي جرائم الحرب في سوريا.

تتبدد آمال السوريين تدريجياً بأن يكون للإدارة الأميركية دور حقيقي وقوي وحازم في ملف مأساتهم وحربهم، بدءاً من احتمال استخدام الولايات المتحدة لقوتها الضاغطة لإرغام النظام السوري على المضي بالحل السياسي وإشراك الشعب بالحكم والسلطة والإدارة، وصولاً إلى تبدد الآمال بإمكانية استخدام الولايات المتحدة لقوتها الضاغطة لتنشيط دبلوماسية الأمم المتحدة التي تتبنى الحل السياسي وفق قرارات أممية واضحة ومحددة ومتّفق عليها، كالقرار 2254 وما بُني عليه.

خلال الأشهر القليلة الماضية، زادت الشكوك بأن الولايات المتحدة منحت الضوء الأخضر سرّاً لبعض شركائها العرب الذين أبدوا رغبة في التطبيع مع النظام السوري، والشكوك بأنها فعلت الأمر نفسه لمشروع خط الغاز المصري - اللبناني رغم أنه يتعارض مع القانون الأميركي وقانون قيصر على وجه الخصوص، ومع وجود بدائل لمساعدة لبنان، وكذلك الشكوك بعد أن استمرت الإدارة الأميركية في سلبيتها وعدم اكتراثها باستفراد روسيا وتعطيل النظام السوري لمسار اللجنة الدستورية ولأي مسار سياسي آخر يمكن أن يوصل إلى تطبيق القرارات الأممية.

تُحاول المعارضة السورية مواساة النفس والتعلق بأي أمل، وتعتقد أن هناك انقساماً داخل الإدارة الأميركية تجاه الملف السوري، وأن هناك من "يُحارب" من أجل السوريين، لكن وزارة الخارجية الأميركية ومجلس الأمن القومي، كلاهما ينفي وجود أي انقسام في السياسة الأميركية فيما يتعلق بسوريا، وإن نظرنا للأمر من منطلقات تعدد الأحزاب والتيارات الأميركية، قد نستنتج أن الخلاف قد يكون بالكم لا بالنوع، وأن أحداً لا يكترث بدفع النظام السوري للتفاوض على الحل السياسي لإنهاء الحرب ووقف كوارثها وفق القرارات الأممية.

تفرض الواقعية السياسية أن تنظر المعارضة السورية إلى إدارة الرئيس الأميركي بأنها مضطرة إلى مراعاة الجمهوريين كما تُراعي الديمقراطيين، وأنه يهمها الملفات الداخلية أكثر بكثير من الملفات الخارجية

بايدن ليس بريئاً ولا حيادياً، ويتحمل جزءاً من الفشل والمعوقات التي واجهها الحل السياسي في سوريا، أولاً لأنه كان جزءاً من إدارة باراك أوباما الرخوة تجاه الملف السوري، ويعتبر امتداداً لسياسة أوباما في سوريا، ولأنه لطالما تحدث عن "إصلاح" سلوك النظام السوري ولم يتحدث قط عن تغييره، ولأن اسمه ارتبط بشدّة بملف "قوات سوريا الديمقراطية" الذي لم ينتج عنه سوى المزيد من الانقسامات والتوترات بين السوريين، ولأنه أخيراً روّج لسياسة الخطوة مقابل خطوة والتي لا تصلح عملياً مع نظام لا يأبه بشيء.

تفرض الواقعية السياسية أن تنظر المعارضة السورية إلى إدارة الرئيس الأميركي بأنها مضطرة إلى مراعاة الجمهوريين كما تُراعي الديمقراطيين، وأنه يهمها الملفات الداخلية أكثر بكثير من الملفات الخارجية، لأنها ستؤثر على الانتخابات المقبلة، وتضع نصب أعينها الملف النووي الإيراني والعلاقة مع روسيا والتحالف مع أوروبا، بتفاصيل هذه الملفات وخفاياها، أكثر بكثير مما تهمها حرّية السوريين وكرامتهم.

تفرض الواقعية السياسية كذلك أن تعمل المعارضة السورية وفق برنامج عمل واضح وجدّي ومسؤول بخصوص الحل السياسي، لدفع الولايات المتحدة لتبنّي أي مسار يوصل إلى هذا الحل السياسي، أي مسار يمكن أن يحقق خطوات ملموسة ولا يبقى حبراً على ورق، يؤدي إلى أن تتحول سوريا إلى دولة المواطنة، قبل أن يتراخى الموقف الأميركي أكثر ويتفاجأ السوريون بصفقة رخوة تضيع حقوقهم وكرامتهم إلى الأبد.