حين يكون الإحساس باليتم منطلقاً للتفكير

2022.07.22 | 06:04 دمشق

طهران
+A
حجم الخط
-A

قمتان دوليتان تابع وقائعهما السوريون بمزيد من الترقب والاهتمام، الأولى هي قمة جدّة في السادس عشر من تموز الجاري، وقد ضمت دول مجلس التعاون الخليجي بالإضافة إلى مصر والعراق والأردن من جهة، والولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى، وقد جاء هذا اللقاء العربي الأميركي في سياق جولة الرئيس الأميركي جوبايدن إلى الشرق الأوسط، وعلى الرغم من غياب أي حضور سوري في تلك القمة، إلّا أن معظم السوريين يميلون إلى الاعتقاد بأن أي لقاء دولي يكون فيه الموضوع الإيراني حاضراً، فإنه بلا شك سيطول الشأن السوري، لقناعة الجميع بأن القضية السورية – بالنسبة إلى واشنطن – باتت ، بل ربما هي في الأصل، من ملحقات الملف الإيراني، ولكن النتائج المعلن عنها لقمة جدّة ربما جعلت الكثير من السوريين يتجرّدون من حماس الوتيرة العالية للترقّب وما تتضمنه من حشد للعواطف، ويعيدون التفكير من منظار الوقائع وليس الرغبات، ذلك أن ما يشغل الأطراف المجتمعة في جدّة يختلف كثيراً عن شواغل السوريين، ولئن كانت إيران هي بالفعل مصدر قلق عربي، بل خليجي على وجه الخصوص، إلّا أن التعاطي مع مصدر القلق بالتأكيد سوف يكون مختلفاً، فما هو معلوم تماماً أن دول الخليج العربي حتى الآن لا تبحث عن سبل مواجهة مباشرة مع إيران، بل ما تزال تعمل على تعزيز سبل احتواء الخطر الإيراني، سواء من خلال التنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية، أو من خلال إقامة علاقات وتفاهمات مباشرة مع طهران، بل هي ترفض الذهاب إلى أبعد من ذلك لقناعتها بأن المواجهة بين طهران وخصومها (أميركا وإسرائيل) لا تحكمها معايير ثابتة من جهة، كما أنها ليست قائمة على خلافٍ قيمي من جهة أخرى، وإنما هي خاضعة لمعايير المصالح الخاضعة دوماً لمبدأ التغيير والتحولات، ولعل تمسّك الإدارة الأميركية بعملية التفاوض مع إيران بخصوص ملفها النووي – على الرغم من كل الصعوبات التي حفل بها مسار التفاوض -  خير دليل على ذلك، وربما هذه القناعة الخليجية هي -  أيضاً – ما حالت دون رغبة الرئيس الأميركي في التأسيس لتحالف عربي إسرائيلي في مواجهة إيران، ووفقاً لهذه السيرورة فقد ظل حضور القضية السورية في قمة جدة حضوراً لا يتجاوز الطابع الروتيني لحضور قراري مجلس الأمن ( 242 – 338 ) في أي محفل دولي، ذلك أن كلام الرئيس بايدن عن ضرورة تطبيق القرار الأممي ( 2254 ) بات شبيهاً جدّاً بكلام أي رئيس أميركي على ضرورة إيجاد حل سياسي للقضية الفلسطينية.

لم ينتظر السوريون سوى ثلاثة أيام ليوجهوا الأنظار والاهتمام مجدَّداً إلى قمة طهران في التاسع عشر من تموز الجاري، والتي جمعت الدول الثلاث الراعية لمسار أستانا (روسيا – تركيا – إيران)، ولعل ما زاد من اهتمام السوريين بقمة طهران هو تزامنها مع حديث ساخن عن عملية عسكرية تركية مُرتقبة في الشمال السوري، إلّا أن وقائع لقاء طهران تؤكد للسوريين ما يدركونه في قرارة تفكيرهم ولكن تتجاهله عواطفهم ورغباتهم، وهو أن مسار أستانا لم يعد ينحصر اهتمامه بحيثيات القضية السورية فحسب، بل بات مساراً ضرورياً وإطاراً بحثياً لمصالح الدول الثلاث الراعية والمُؤسِّسة له، ولعل عدم الوقوف بدقة عند هذه السمة لمسار أستانا قد دفع الكثير من السوريين لوصف قمة طهران بالفاشلة، ولا ندري بالضبط ما هي عوامل نجاحها؟ وما الذي كان متوقعاً منها ولم يحصل؟ اللهمّ إلّا إذا كان البعض يعتقد أن قتلة الشعب السوري من الروس والإيرانيين سوف يهبط عليهم غمام الرحمة على حين غرّة، لتأخذهم الشفقة على دماء السوريين وشقاءاتهم بعد أحد عشر عاماً من العدوان المشترك ( أسدي روسي إيراني) على حياة السوريين، بل ربما ما بدا لبعض السوريين على أنه فشل، بدا نجاحاً في أعين أصحابه، ذلك أن ما تحقق في تلك القمة من منجز إقتصادي وتجاري بين أطرافها الثلاثة هو أهم بكثير – بالنسبة إليهم – من أي شأن سوري، ولا يضير هذا المُنجز أن تبقى الخلافات السياسية قائمة بين الأطراف، ذلك أن تلك الخلافات بمجملها هي قابلة للتأجيل، بل يمكن اختزالها ببند صغير يؤكّد اتفاق الأطراف الثلاثة على أن تبقى هدنة وقف إطلاق النار قائمة، وانتهى الأمر.

لعله من الثابت أن ما وراء خيبة السوريين من تلك القمتين لا يعود إلى سوء التقديرات أو الحسابات السياسية، أو ظهور مستجدات مباغتة سواء أكانت ميدانية أم سياسية، أي لا يمكن إرجاعه إلى أسباب ذات صلة مباشرة بما يجري من وقائع، بقدر ما يعود إلى شعور طاغٍ في النفوس، بات يقطع الطريق على أية محاكمة عقلية

لعله من الثابت أن ما وراء خيبة السوريين من تلك القمتين لا يعود إلى سوء التقديرات أو الحسابات السياسية، أو ظهور مستجدات مباغتة سواء أكانت ميدانية أم سياسية، أي لا يمكن إرجاعه إلى أسباب ذات صلة مباشرة بما يجري من وقائع، بقدر ما يعود إلى شعور طاغٍ في النفوس، بات يقطع الطريق على أية محاكمة عقلية، وأعني الإحساس الشديد باليُتم، إذ إن فداحة المأساة السورية – في جزء كبير منها – باتت تتجسّد بيتمها، أي غياب من يتحدث بوجعها، إذ لقد غاب السوريون غياباً مطلقاً عن قمتي جدة وطهران، وبغيابهم بات حضور قضيتهم حضوراً خادماً أو مُلحقاً بأجندات أخرى ليست سورية، ولعل القضية السورية – فيما آلت إليه – مثلها مثل معظم الثورات في التاريخ، لا تحتمل التوكيل، وليس ثمة محام في العالم يمكن أن يعبر عن مكنوناتها وتطلعاتها وأوجاعها، فقضايا الشعوب وتحررها لا ينهض بالوكالة، بل بحاجة إلى فاعلين أصلاء. وفيما ينكفئ كثير من السوريين في مداراة خيباتهم، ينشغل مَنْ صادر شأنهم وقرارهم بتماهيهم والتزامهم التام بأداء دورهم الوظيفي الذي – على الرغم شناعته – لم يعد يستفز السوريين كثيراً، كونه أفلح باحتواء ردّة الفعل، ومن ثم بات أمراً مُستَمرءًا، إلّا أن الطريف في الأمر هو الفصل المسرحي الذي يمكن أن يندرج في عملية الإنعاش الكاذب، والذي جسّدته تهديدات الرئيس الجديد لهيئة التفاوض بعزمه إحالة قرار مجلس الأمن 2254 إلى التنفيذ تحت البند السابع، وبعيداً عما ينطوي عليه هذا التهديد من سذاجة واستخفاف بالعقول، يمكن ترديد المثل القائل: الله وإيدك، ما الذي تنتظره؟.