حسن صوفان وأزمة الرموز

2020.10.21 | 00:03 دمشق

028fdcb9-dd42-4edb-80f7-dff70e5125b8.jpg
+A
حجم الخط
-A

دخلت حركة أحرار الشام بعد مقتل قادتها في دوامة البحث عن رمز يلتف حوله جنود الحركة ومن بقي من القادة، فبدأت محاولات إقناع هاشم الشيخ باستلام قيادة الحركة بعد أن رفض تسلّمها عضو مجلس الشورى، وأحد مؤسسيها الشيخ خالد أبو أنس بعد التّصويت عليه.

قامت الحركة بعد ذلك بزيارةٍ إلى أبي صالح طحان لإقناعه بضرورة العودة إلى الحركة؛ كونه كان قد اعتزلها سابقاً بسبب تبنيها لميثاق الشرف الثوري الذي أصدرته عدة فصائل على رأسها الجبهة الإسلامية، ولانحراف قيادة الحركة ممثلة بأبي عبد الله الحموي والشيخ أبي عبد الملك عن ثوابتها على حدّ زعم الطحّان وقوله، حيث كان يرى في الميثاق تقديماً لتنازلاتٍ خطيرة، وتخلياً عن الثوابت الثوريّة.

نجحت المحاولتان، وأعلن تعيين هاشم الشيخ قائداً جديداً للحركة، وبدأت القطاعات، والألوية تجدّد الطاعة له وللحركة، وعيّن الطحان مسؤولاً للجناح العسكري.

وهنا بدأت مرحلة التصدع في الحركة، وبدأت تتكشف معها الرموز الكرتونية والشخصيات الحزبية، وبدأت تتعزز فكرة اللوبيات على أساس فكري ومناطقي

شكَّل استشهاد الشيخ أبي عبد الملك - تقبّله الله- فراغاً كبيراً من الناحية الشرعية والمرجعية الدينية للأحرار الذين بدؤوا بالبحث عن شخصية تسدّ مكانه، وخاصة أنّ أبا عبد الملك كان يعتبر عند غالبية الذين يعرفونه من قادةٍ وجنودٍ الشيخَ المجاهدَ، والعابد الزاهد، و بعد رفض الشيخ أبي العباس الشامي استلام المكتب الشرعي للأحرار، عُرِض على هاشم الشيخ أن يطلب من الشيخ ماهر علوش أن يكون الشرعيَّ العام للحركة، لكنَّ هذا الطلب قوبل بالرفض من أحد القيادات، وهدّد بترك الحركة إن تمّ ذلك، ممّا حدا بهاشم الشيخ التّواصل مع المدعو نضال الحسن المعروف باسم (أبو محمد الصادق)، وطُلب منه أن يكون الشرعيَّ العام للأحرار متجاوزين أهل السّبق والتنظيم الحركيّ والجهاد، وبالفعل تم تعيينه.

وهنا بدأت مرحلة التصدع في الحركة، وبدأت تتكشف معها الرموز الكرتونية والشخصيات الحزبية، وبدأت تتعزز فكرة اللوبيات على أساس فكري ومناطقي، الأمر الذي كان مضبوطاً لدرجة كبيرة أيام القادة الشهداء -رحمهم الله-.

فشل هاشم الشيخ فشلاً ذريعاً بقيادة الحركة وقويت في عهده شوكة تيار الغلاة الذي يقوده أبو محمد الصادق شرعياً، والطحان عسكرياً ومعهم رجل الظل أبو خزيمة الأمني، ولقد زادت شوكتهم قوةً بعد عزل هاشم الشيخ من قيادة الحركة.

 تمّ اختيار مهند المصري (أبو يحيى الحموي) قائداً للحركة، وهو القائد الذي عرف بتردده باتخاذ القرارات الحاسمة، وضعف الشخصية وخاصة أمام تيار الغلاة، وهنا بدأ أول انشقاق في الحركة على يد ما يسمّى بجيش الأحرار الذي يقوده الطحان في العلن، وهاشم الشيخ في السرّ، وأبو الصّادق في السرّ والعلن.

جاءت هنا فترة استلام أبي عمار العمر للحركة الرجلُ الذي برأيي لم يستطع أن يأخذ فرصته بالنهوض بالحركة لعدة أسباب، أهمّها: خروج كتلة جيش الأحرار، وبداية المعارك التي خاضتها جبهة فتح الشام ضد فصائل الشمال ومن ثمّ الإعلان عن تشكيل هيئة تحرير الشام وتعيين هاشم الشيخ قائداً صورياً لها، والتحاق جيش الأحرار بهم، وكذلك قسمٌ كبير من الأحرار، وذلك بعد تواصلات عديدة من المشايخ الذين أعلنوا التحاقهم بالهيئة وأصدروا الفتاوى بوجوب الالتحاق بالهيئة كونها أصبحت المشروع السني الأكبر في الساحة على حدّ زعمهم.

عُرض على الأحرار الدخول في التّشكيل الجديد وإلا لن يكون أمامهم إلا القتال حتى لا يكونوا العقبة أمام خطة الهيئة للسيطرة على المحرر.

تُعدّ الفترة بين قيادة أبي يحيى الحموي وأبي عمار العمر للحركة فترة (فراغ وإفراغ الرموز)، وهنا بدأ يُذكر اسم "حسن صوفان" المعتقل في سجون نظام الأسد، والمحكوم مؤبد، وكنت في تلك الفترة مسؤولاً لمكتب شؤون الأسرى في الحركة، وقد طلب مني حينها أن أضع اسمه على قوائم التبادل، وحاولت ذلك أكثر من مرة لكن في كل مرة كان نظام الأسد يرفض إخراجه.

والحقيقة أن الحركة كانت بحاجة لشخص قويّ كأبي عبد الله الحموي القائد ذي الشخصية الفذّة التي استطاعت أن تضبط جميع التيارات في الحركة.

قبل تهجيرنا من حلب استطعت أن أصل لاتفاق مع مفاوض النظام على إخراج حسن صوفان، وبدأت بمفاوضات طويلة لإخراجه بأقل عدد ممكن من الأسرى؛ لأن النظام بعد إبداء الموافقة على وضعه ضمن قائمة التبادل كان قد طلب مقابل إخراجه 50 أسيراً من جنوده وضباطه الذين أسروا في المعارك.

في أثناء المفاوضات، وفي مرحلة التخبط التي تعيشه الحركة، وفقدان القائد الرمز الذي بإمكانه أن يعيد للحركة هيبتها، تردد على مسامعي كثيراً أن هذا الرجل بإمكانه أن يقود الحركة إلى برّ الأمان، وأنّ الشيخ أبي عبد الله الحموي قال عنه: "لو أنه بيننا لبايعته قائداً"، وبدؤوا يتحدثون عن رحلة المفاوضات التي قادها "حسن صوفان" مع نظام الأسد في سجن صيدنايا فترة الاستعصاء، ونجاحه بإعادة الهدوء للسجن.

بعد تهجيرنا من حلب تكللت المفاوضات مع نظام الأسد بالنجاح، وبالفعل تمّ إطلاق حسن صوفان مع ناشطة من حماة كان نظام الأسد اعتقلها قبل ثلاث سنوات من السجن.

استلمتُ صوفان، والناشطة من معبر الراشدين وأوصلته لمعبر باب الهوى المعقل الرئيسي للأحرار، وبعد أن انتهى من استراحته بعد اعتقال اثنتي عشر سنة بدأ ينشط ببعض الأعمال داخل الحركة كالمحاضرات والجلسات مع قيادة الحركة.

تزامن هذا مع التحشدات التي بدأت تحشدها جبهة النصرة ضد قطاعات الأحرار، وخاصة باب الهوى المعقل الرئيس للحركة، وبعد أن فشلت محاولات الجولاني بإقناع الأحرار الدخول في مشروع الهيئة بدأت النصرة حربها لاستئصال الأحرار، والاستيلاء على مقارّهم وبعد سقوط باب الهوى، وانكسار الأحرار بالمعركة اتفق مجلس شوراها على تعيين قائد جديد للحركة ليعيد لها بعض هيبتها، وبما أن الثقة مهزوزة في القادة الموجودين، ولا تتواجد في أحدهم كاريزما الرمز والقيادة الذي يمكنه أن يستوعب جميع الأطراف، وقع الاختيار على حسن صوفان الرجل الذي زكاه حسان عبود وبعض القادة الشهداء.

استطاع حسن صوفان أن يقوم باتفاق أشبه ما يكون باتفاق وقف إطلاق نار بين النصرة والأحرار، وبعد خروج الزنكي من الهيئة عمل صوفان على التقارب معهم

استطاع حسن صوفان أن يقوم باتفاق أشبه ما يكون باتفاق وقف إطلاق نار بين النصرة والأحرار، وبعد خروج الزنكي من الهيئة عمل صوفان على التقارب معهم، وهنا بدأت فتنة صوفان بالقيادة حيث بدأ بإقصاء كل شخصية يمكن أن تتمثّل فيها صفة القائد الذي تجتمع الناس حوله، وبدأ بتهميش مجلس الشورى بحجة أنه معطِّل، وأخذ يقيّد عمله، فنزل مجلس الشورى عند رغبته، وشكلوا له مجلس قيادة يتابع معه سير عمل الحركة، فقيّد صوفان عمله أيضاً، وبدأ بالتفرد باتخاذ القرارات متجاهلاً مجلس القيادة، ومجلس الشورى.

لم يكن صوفان -في يومٍ من الأيام- مقتنعاً بقتال الجولاني كما روّج له الكثير، وأنّه هو من واجه الجولاني، بل فُرِض القرار عليه من قبل مجلس الشورى، وخاصة بمرحلة تشكيل جبهة تحرير سوريا.

كان صوفان معجباً بطريقة قيادة الجولاني للنصرة، وأراد تطبيق هذه الطريقة على الأحرار، لكنه اصطدم ببعض القيادات الفاعلة داخل الأحرار، وعمل على إقصائهم، كما فعل عند استلامه القيادة مع الكثير من كوادر الحركة العسكريين والشرعيين والإداريين والإعلاميين، لكنّه باء بالفشل.

عُزِل حسن صوفان من قيادة الحركة، وعين بدلاً عنه جابر علي باشا، فبدأ صوفان بمرحلة الجولات على قطاعات الحركة، وخاصة قطاع الساحل، وشكّل أشبه ما يكون بحلف ضرار مع بعض العسكريين والميدانيين لفرضِ أمرٍ واقعٍ على قيادة الحركة، وللإيحاء بأن القطاعات والكتائب لا ترى في القيادة الجديدة الجدارة بالاستمرار، وأن صوفان وحلفه أولى منهم بالقيادة، وهذا ما أثبتته الأحداث الأخيرة في الساحل، وعصيان أوامر القيادة، والاتفاق مع النصرة ضد الحركة.

مع هذه التصرفات غير المسؤولة يكون صوفان قد سقط من أعين الكثير ممّن كان يعتبره الرمز المخلّص، وأنه بإمكانه أن يسدّ فراغ القادة الشهداء، ولعل سقوطه هذا يكون درساً لنا، ولقادة الفصائل في أن نبحث عن الرموز بيننا.

فما أكثر الذين ضحوا وبذلوا وقدموا في سبيل دينهم وثورتهم، وما أكثر الرجال الذين يمتلكون كاريزما القيادة، لكن النظرة الفكرية والمنهجية الضيقة هي التي حجبتهم عنا، وأن أهم صفة في رمزية القائد هي تضحيته وثوريته وتاريخه المشرف في الثورة السورية لا في غيرها.