بين مجزرة بوتشا الأوكرانية ومجازر روسيا في سوريا

2022.04.07 | 06:05 دمشق

thumbs_b_c_cebdcacfcecfe71ca56d8c79fdf8ac92.jpg
+A
حجم الخط
-A

استفاق العالم على مناظر مروعة لجثث وأشلاء تناثرت في طرقات مدينة بوتشا الأوكرانية بعد انسحاب القوات الروسية منها، كما أظهرت التقارير الواردة من هناك صورا لمقابر جماعية وخنادق تمتد لعشرات الأمتار تم رصدها عبر الأقمار الصناعية.

وتعالت نتيجة ذلك الأصوات المنددة بهذه الجرائم، فقد عبّرت الولايات المتحدة الأميركية على لسان وزير خارجيتها عن صدمتها بالمشاهد التي وصفها بالمؤلمة، وتوالت بيانات الشجب لكثير من دول العالم ومؤسساته مستنكرة المجازر المرتكبة هناك واعتبر بعضهم أنها ترتقي لمستوى الإبادة الجماعية، وهي لا شك مواقف واقعية لكل متابع منصف، لكنها مع الأسف غير منصفة لمثيلاتها في جغرافيات أخرى وفي مقدمتها المجازر الفظيعة التي ارتكبها الروس في المدن السورية على مدار سبع سنوات خلت وما زالت مستمرة؟!

وها هو العالم يقف على قدم واحدة مستنفراً لمحاسبة روسيا ويدعو إلى توثيق أدق تفاصيل الانتهاكات المرتكبة ضد حقوق الإنسان في أوكرانيا، ويندد بها على أعلى المستويات، ويعِد الشعب الأوكراني بأنها لن تمر دون عقاب وستكون على رأس أجندة المحاكم الدولية.

تركزت الغارات الروسية على المناطق المأهولة بالسكان، ومنازل المدنيين، والمراكز الصحية والخدمية والمنشآت الصناعية، بهدف تدمير الحياة في المناطق الخارجة عن سيطرة حليفها بشار الأسد

ولكنه مع الأسف وفي الوقت ذاته لا يكاد يحرك ساكناً أمام مئات المجازر وآلاف الضحايا في سوريا والتي تم توثيقها ورصدها عبر مؤسسات حقوقية محلية ودولية بالأرقام والأدلة والبراهين القطعية.

فمنذ التدخل الروسي في 30 من أيلول 2015 شنت الطائرات الروسية أولى غاراتها في سوريا مستهدفة مدينة جسر الشغور بريف إدلب، وواصلت منذ ذلك التاريخ شن الضربات الجوية التي استهدفت المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد، لتحولها إلى مناطق شبه مدمرة.

وقد تركزت الغارات الروسية على المناطق المأهولة بالسكان، ومنازل المدنيين، والمراكز الصحية والخدمية والمنشآت الصناعية، بهدف تدمير الحياة في المناطق الخارجة عن سيطرة حليفها بشار الأسد، وجعلها مستحيلة، لدفع أهلها إلى النزوح، وهو ما تجلى بوضوح في أحياء حلب الشرقية، التي دُمرت واضطر من بقي من سكانها على قيد الحياة إلى القبول بالتهجير الجماعي، في أواخر العام 2016.

بعد أحياء حلب الشرقية، وجهت روسيا آلة قتلها نحو ضواحي دمشق، ومناطق في الجنوب السوري (الغوطة الشرقية، القلمون، مخيم اليرموك، درعا)، واستطاعت بفعل الأسلحة الفتاكة والصواريخ الفراغية والارتجاجية، وغيرها من الأسلحة المحرمة دولياً، تكرار تجربة أحياء حلب الشرقية، في عام 2018.

ومن الجنوب انتقلت نحو إدلب وأرياف حماة وارتكبت هناك عشرات المجازر، واليوم تهدد روسيا بمواصلة هجماتها في إدلب، وتشن طائراتها غارات على المناطق الآهلة بالسكان، وترتكب المجازر، دون أي رادع.

وعليه فقد تسببت روسيا بمقتل وجرح أكثر من 12 ألف مدني في سوريا في الفترة الممتدة من 30 أيلول 2015، وحتى 20 أيلول 2021، وفق أرقام نشرتها منظمة "الدفاع المدني السوري" وأضافت المنظمة أنها وثقت وحدها 5586 هجوماً روسياً في هذه الفترة، مؤكدة أن هذا الرقم لا يشمل كل الهجمات، إنما فقط ما استجابت له الفرق التابعة لها، مشيرة إلى وجود عدد كبير من الهجمات التي لم تتمكن الفرق من الاستجابة لها، كما أنها لا تشمل الهجمات المشتركة بين نظام الأسد وروسيا.

بدورها، وثقت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، مقتل 6910 مدنيين بينهم 2030 طفلاً و 974 سيدة، على يد القوات الروسية منذ تدخلها العسكري في سوريا، وأكدت في إحصائية لها أنها أحصت ما لا يقل عن 357 مجزرة ارتكبتها القوات الروسية، مبينة أن العام الأول لتدخلها شهد الحصيلة الأعلى من المجازر.

وكان وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، قد أكد في تصريح له أن قوات بلاده جربت أكثر من 320 نوعاً لأسلحة مختلفة خلال عملياته في سوريا، وأضاف في كلمة له في شركة "روست فيرتول" الروسية لصناعة المروحيات، أن الأخيرة طورت إحدى مروحياتها نتيجة العمليات العسكرية في سوريا.

وبعد التدخل العسكري لصالح النظام، استخدمت روسيا حق النقض “الفيتو”، 16 مرة، كان آخرها التصويت ضد تمديد التفويض لآلية إدخال المساعدات العابرة للحدود، ساعية للاقتصار على معبر واحد.

كما صوتت ضد تمديد عمل اللجنة الدولية في سوريا، وضد قرارات مجلس حقوق الإنسان، وضد إنشاء آلية التحقيق المحايدة المستقلة، وضد لجنة نزع الأسلحة الكيميائية.

هذه الأرقام هي غيض من فيض الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها روسيا في سوريا على مدار سبع سنوات وما تزال ترتكبها حتى الآن! والأسئلة المطروحة أمامها أين هو العالم الحر منها؟! ولماذا الكيل بمكيالين في تعاطيه مع غيرها كما يجري اليوم في أوكرانيا؟! وإلى متى هذه الازدواجية في المعايير؟! أمام هذا العالم فرصة كبيرة أن يكون منصفاً وعادلاً وأن يعبر بنجاح اختبار الصدقيَّة في طروحاته التي تدافع عن حقوق الإنسان وتكفلها وإلا فإنه السقوط المدوي الذي سيسجله التاريخ بأحرف من عار.

إذا كانت هذه الدول ما زالت تزعم بأنها صديقة للشعب السوري فليس أقل من أن تحاسب الأطراف التي ارتكبت جرائم بحقه وفي مقدمتها روسيا

لقد أظهرت الحرب الروسية الأوكرانية بوضوح حجم التباين والتناقض في طريقة تعاطي الدول التي كانت تدعي صداقتها للشعب السوري عبر أسلوب وآليات دعمها للشعب للأوكراني عسكرياً ولوجستياً، فما كان ممنوعاً على ثورة الشعب السوري قدمته هذه الدول على طبق من ذهب للشعب الأوكراني ما انعكس على صموده وتصديه للغزو الروسي وما شكّل فارقاً في نتيجة المعركة الدائرة حتى الآن لصالح الأوكران، وإذا كانت هذه الدول ما زالت تزعم بأنها صديقة للشعب السوري فليس أقل من أن تحاسب الأطراف التي ارتكبت جرائم بحقه وفي مقدمتها روسيا لا سيما أن البيئة مؤاتية لذلك في ظل ما اقترفه الروس من جرائم وانتهاكات في أوكرانيا، رغم أن المطلوب منها أكثر من ذلك فهي بوسعها أن تستثمر في حالة الانشغال الروسي في أوكرانيا وتعيد ترتيب أوراقها في سوريا، فتضغط هناك لتحصيل مكاسب على الأرض لصالح الثورة السورية فهذا يصبّ استراتيجياً في وقف تمدّد المشروع الروسي في منطقة الشرق الأوسط، ويعيد التوازن الذي فُقِد هناك بفعل التدخل والتوغل الروسي في سوريا.