بعد كليتشدار أوغلو هل يقول أردوغان "باي باي" للطاولة السداسية؟

2023.05.30 | 07:01 دمشق

آخر تحديث: 30.05.2023 | 13:13 دمشق

تحالف الستة (الطاولة السداسية)
+A
حجم الخط
-A

انتهت خمسة أشهر عاشتها تركيا وكأنها سنوات، بدأت بجدل تبكير موعد الانتخابات، ثم الزلزال المدمر الذي قلب الأمور رأساً على عقب، ثم تسمية مرشح الطاولة السداسية الذي لم يكن مرغوباً لدى كثيرين، وخلافات تلك الطاولة، ثم حسم الجدل وإعلان الانتخابات في 14 أيار/مايو وبدء الحملة الانتخابية والهجمات المضادة وإخراج البطاقات وانسحاب إنجة وجولة رئاسية غير محسومة ومفاجأة سنان أوغان، وأخيراً إعلان فوز أردوغان في جولة الإعادة يوم 28 أيار/مايو.

هذا كله وأكثر جرى في غضون أشهر قليلة كانت الأيام الأخيرة منها حيناً من الدهر سنظل نذكره ونتذكره.

كانت نتيجة الجولة الثانية متوقعة، وذكرت ذلك عقب الجولة الأولى في مقال هنا نظراً لأنّ فرص أردوغان أكبر فالنسبة التي أحرزها كانت 49.5%، وتحالفه حصل على أكثرية مقاعد البرلمان، لكن في المقابل لم يحرز كليتشدار أوغلو سوى 44.9% رغم كل الأطراف التي جمعها حوله وتحالف معها، والخسارة الأكبر كانت في تفريطه بـ38 مقعداً في البرلمان لصالح أحزاب صغيرة لا تبلغ مجتمعة 3% بالكاد.

خسارة كلتيشدار أوغلو هي أيضاً ليست مفاجأة في نهاية المطاف بحكم خساراته المتكررة منذ استلامه رئاسة حزبه الشعب الجمهوري، عام 2010، لكن رهاناته هذه المرة كانت كبيرة الحجم وبالتالي باهظة الثمن، وسيكون بقاؤه على رأس الحزب أمراً شبه مستحيل..

خسارة كليتشدار أوغلو هي أيضاً ليست مفاجئة في نهاية المطاف بحكم خساراته المتكررة منذ تسلمه رئاسة حزبه الشعب الجمهوري، عام 2010، لكن رهاناته هذه المرة كانت كبيرة الحجم وبالتالي باهظة الثمن، وسيكون بقاؤه على رأس الحزب أمراً شبه مستحيل، لا سيما مع اقتراب موعد المؤتمر الحزبي الاعتيادي في تشرين الثاني/نوفمبر، هذا في حال لم تحصل مطالبات بعقد مؤتمر استثنائي.

أخفق كليتشدار أوغلو في حساباته، وتبيّن أن جمع الأضداد والنقائض على طاولة واحدة لا يعدّ استراتيجية صحيحة، وتبيّن أن دعم الشعوب الديمقراطي وحده ليس طوق نجاة لأحد، على العكس أظهرت النتائج أن الشريحة اليمينية صلبة وأن شريحة الشباب أصلب، وبالتالي لا يمكن لمرشح التفريط بأي منها على حساب إرضاء أخرى.

  • مستقبل كليتشدار أوغلو

بناء على الحسابات الخاطئة، أو كما يعبر أردوغان ساخراً "خبير الحسابات" يقصد كليتشدار أوغلو، فإن الأخير استنفد جميع المحاولات بشكل مبالغ فيه، وكانت هناك مطالبات منذ وقت مبكر في 2014 و2015 تدعوه للاستقالة من رئاسة الحزب، على رأسهم محرم إنجة المرشح السابق عن الحزب في 2018، والذي انتهى به المطاف خارج الحزب بعدما يئس من محاولة الوصول إلى كرسي رئاسة الحزب.

خطاب كليتشدار أوغلو عشية يوم انتخابات الجولة الثانية، كان مفاجئاً في الحقيقة رغم أن الخسارة كانت متوقعة. كان الخطاب خالياً من أي عبارات اعتذار أو ندم أو تأنيب أو إشارة لمحاسبة داخلية، فضلاً عن الإقرار بالخسارة وتقديم التهئنة للطرف الفائز.

كان خطاب كليتشدار أوغلو تحدياً جديداً، وتحدث فيه عن مواصلة "الطريق"، لدرجة أن أنصار الحزب على تويتر لم يمنعهم السخط من إطلاق أوسمة تطالب باستقالة كليتشدار أوغلو وفسح المجال لغيره كي يقود حزب أتاتورك الذي بات عاجزاً عن الوصول إلى السلطة منذ ربع قرن، يحاول دون جدوى.

هذا الخطاب وما يحمله من عناد في غير محله أعتقد أنه سيزيد الطين بلة إن صح التعبير، وسيرفع من صوت طلبات الاستقالة، لا سيما أن تركيا متجهة نحو انتخابات بلديات بعد أقل من عام في 2024، وهناك شعور بأهمية تولي قائد آخر زمام الأمور.

  • مصير الطاولة السداسية

في عشية انتخابات الجولة الأولى، خرج زعماء الطاولة السداسية معاً أمام الجمهور وتحدثوا عن خطتهم واستعدادهم لجولة الإعادة، لكن في عشية الجولة الثانية، خرج كليتشدار أوغلو وحيداً، وحليفته الخصم والحكم ميرال أكشنار زعيمة حزب الجيد في مؤتمر صحفي وحدها، أما الآخرون فغردوا عبر تويتر.

كان المشهد المختلف عما جرى قبل أسبوعين فقط مثيراً للانتباه، وهو يوحي بطريقة أو بأخرى أن الأمر بلغ نصابه وأن لا فائدة من الظهور الجماعي على مسرح الخسارة، فما الفائدة من ذلك؟

بالطبع جرى هناك اجتماع بعيداً عن عدسات الكاميرات بين زعماء الطاولة السداسية، لمناقشة نتائج الانتخابات، فما الذي نوقش وماذا يمكن أن يحدث؟

باعتقادي أن الأزمة الرئيسية هي بين كليتشدار أوغلو وميرال أكشنار بالدرجة الأولى، لأن الأخيرة كانت أول من اعترض على ترشيح كليتشدار أوغلو وهمّت بمغادرة الطاولة قبل ضغوط جعلتها ترجع على مضض، كما جعلت تلك الضغوط نفسها محرم إنجة ينسحب من السباق الرئاسي قبل يومين أو ثلاثة.

أكشنار كانت تدرك خسارة حليفها الخصم كليتشدار أوغلو، وذكرت ذلك هنا في أواخر مارس/آذار الماضي، على الرغم من عودتها للطاولة ودعمها كليتشدار أوغلو في الظاهر، لكن منذ ذلك الحين كانت حملتها الانتخابية وتركيزها على إبراز اسمَي منصور ياواش رئيس بلدية أنقرة، وأكرم إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول، أن لديها حسابات وأوراقاً أخرى.

أكثر المستفيدين من الطاولة السداسية هم هذه الأحزاب الصغيرة، أو ربما بتعبير أدق هم أكثر المستفيدين من كليتشدار أوغلو.

ما يمكن فهمه من أكشنار منذ عودتها للطاولة أنها فعلت كل ما طُلب منها على أكمل وجه حتى لا يلقي عليها أحد اللوم حال خسر كليتشدار أوغلو، بل هي الجديرة بالعتاب واللوم وقول: ألم أقل لكم؟ ألم أحذركم؟ ألم أدعُ إلى ترشيح ياواش أو إمام أوغلو؟

لذلك كله، لا أعتقد إلى حد كبير أن أكشنار مستعدة للبقاء على الطاولة في حال ظل كليتشدار أوغلو يقود الشعب الجمهوري، بل ستسعى أكشنار لترسيخ سلطتها في حزبها من دون استقالة، لكنها ستحاول جلب إمام أوغلو إلى رئاسة الشعب الجمهوري، أو ربما منصور ياواش. أما مع بقاء كليتشدار أوغلو في المشهد فتحالف أكشنار يبدو صعباً.

في الجانب الآخر، الأحزاب الصغيرة في الطاولة لا يتوقع أن يكون لديها أي اعتراض على كليتشدار أوغلو، على العكس فهو أسدى لهم خدمة العمر، ومنحهم نحو 40 مقعداً مقابل لا شيء.

أكثر المستفيدين من الطاولة السداسية هم هذه الأحزاب الصغيرة، أو ربما بتعبير أدق هم أكثر المستفيدين من كليتشدار أوغلو.