الشطرنج الأفغاني

2021.07.18 | 06:17 دمشق

1049466565_0_0_2946_1594_1000x541_80_0_0_173eedede954297b5c250ae5cc788127.jpg
+A
حجم الخط
-A

تعهدت إدارة ترامب بناء على اتفاقية الدوحة المعتمدة في العام المنصرم بسحب جنودها من أفغانستان قبل شهر أيار 2021. الرئيس بايدن جدد تمسكه بالاتفاقية لكنه مدد فترة المغادرة إلى أيلول المقبل، ليفاجئنا بانسحابات خاطفة وسريعة حركت الساحتين السياسية والعسكرية في أفغانستان. المشكلة بالنسبة للكثيرين ليست تنفيذ واشنطن تعهداتها بل معرفة خبايا ما تعد له من خلال استراتيجية تحرك مقلقة على هذا النحو؟

على من انتصرت واشنطن في أفغانستان كي يعلن بايدن أن بلاده هزمت الإرهاب هناك؟ وما الذي يعنيه أميركيا عودة طالبان لبسط نفوها على 85 في المئة من الأراضي؟ أين هو النظام السياسي الذي أقامته وكل التقديرات وتحليلات الموقف تتحدث عن السيناريو الأسوأ في البلاد.

أميركا تدرك جيدا أن انسحابها سيترك فراغا. وتدرك أيضا أن حركة "طالبان" ستعمل على ملء هذا الفراغ والأهم من كل ذلك هي إدراكها بأن أفغانستان ستتحوّل إلى أرض مفتوحة لصراعات محلية وإقليمية فما الذي تريده وتبحث عنه تركيا التي أعلنت أنها على استعداد لتوفير حماية مطار كابول إذا ما تمت التفاهمات المحلية والدولية حول ذلك؟

أفغانستان هي قلب الآسيوية الجديدة بمعالمها الاقتصادية والتجارية وواشنطن تعرف ذلك من خلال التحرك الروسي الصيني الواسع في هذه البقعة الجغرافية فلماذا تريد إفساح الطريق أمام خصومها ومنافسيها بهذه البساطة ولماذا تقرر المغادرة بعد إنفاق أكثر من ترليوني دولار على مشروع بناء أفغانستان أميركية؟ هل هي ستفعل ذلك حقا؟ أم أن مشروعها هو أكبر وأهم من ذلك: فتح أبواب الجحيم الإقليمي بدلا من أبواب المصالحة الأفغانية؟

لماذا تتورط تركيا في ساحة مواجهات مجهولة المعالم وهل ينهي إنقاذها لمطار كابول الخلافات الأفغانية الأفغانية ويقطع الطريق على التدخلات الإقليمية؟

كانت أميركا تدعم الجماعات الإسلامية المقربة من القاعدة وطالبان في حربها مع الروس قبل 4 عقود. روسيا تستعد لقبول طالبان التي أعلنت هزيمة القوات الأميركية في أفغانستان قبل عام. بدأ وزير الخارجية الصيني وانغ لي تحركا آسيويا باتجاه دول الجوار الأفغاني لتأكيد عدم رغبة بلاده بالتفريط في مصالحها الاستراتيجية هناك. بكين بنت في العامين الأخيرين منظومة من العلاقات الأمنية مع طالبان في مواجهة النفوذ الأميركي الغربي وهي تواصل حوارا سياسيا مع باكستان بعيدا عن الأضواء، هذا إلى جانب كونها تملك أكثر من ورقة تأثير داخل أكثر من تكتل ومنظومة علاقات بنتها في الأعوام الأخيرة مثل منظمة شنغهاي والتحالف الاستراتيجي مع روسيا وخط الحرير الجديد وإعلانها أنها لن تتهاون في محاولات تحريك ملف الأقلية الأيغورية ضدها على الحدود الصينية الأفغانية. فلماذا تتورط تركيا في ساحة مواجهات مجهولة المعالم وهل ينهي إنقاذها لمطار كابول الخلافات الأفغانية الأفغانية ويقطع الطريق على التدخلات الإقليمية؟

دخول تركيا المفاجىء على الخط عبر اقتراح إدارة شؤون مطار كابول جزئية بسيطة في الحل لم تعجب طالبان ولم تقنع الكثير من دول الجوار الأفغاني. بعض وسائل الإعلام المنزعجة من التحرك التركي بدأت تشن حملاتها ضد أنقرة وتتحدث عن نقل المرتزقة السوريين من ليبيا وشمال سوريا إلى أفغانستان وتذكر تركيا بضرورة مراعاة التوازنات الإقليمية هناك. أية خطوة تركية غير محسوبة ستعني حتما التفريط بكل ما بني في العقود الأخيرة من علاقات متوازنة ومدروسة مع الأفغانيين، لكنها ستعني أيضا تعريض مصالحها للخطر ودفعها نحو فقدان ما جعلها مميزة عن بقية دول التحالف الدولي في التعامل مع الملف الأفغاني.

تركيا في أفغانستان منذ قرن عبر اتفاقية التعاون والصداقة وسفارتها هي الأضخم والأكبر 45 دونما من الأراضي هدية من الملك أمان الله. عشرات الاتفاقيات والعقود رغم بعد المسافات يقربها التاريخ والدين والثقافة. وواشنطن تريد زرع القنابل الموقوتة الجاهزة للانفجار بين دول الجوار الأفغاني طالما أنها عاجزة عن مواجهة نفوذ هذه الدول واصطفافاتها وحساباتها هناك.

طرحنا قبل أعوام سؤالا حول أسباب الانسحاب الأميركي السريع والمفاجىء من العراق فاكتشفنا أن الهدف هو إشعال هذا البلد وتوتير العلاقات بين دول الجوار العراقي ودفع ملف الأزمة نحو الفتنة الأكبر والتقسيم. السيناريو الأقرب الذي يفسر قرار واشنطن الانسحاب المفاجئ والسريع من أفغانستان قد يكون فتح الطريق أمام تكرار المشهد العراقي: انفجار أمني أفغاني يقود البلاد نحو الحرب الأهلية والتقسيم الذي يشعل جنوب آسيا بأكملها في السنوات المقبلة.

أميركا التي أعلنت أنها تدخل أفغانستان قبل عقدين بهدف محاربة الإرهاب ومساعدة الأفغانيين على بناء دولة ديمقراطية عصرية تنسحب تاركة طالبان تتصدر الساحة الأفغانية فلماذا تعلن دعمها للاقتراح التركي بتولي حماية مطار كرزاي وسط كل هذه التراشقات؟

 لن تشارك تركيا في خطة إدارة شؤون مطار كابول دون اكتمال التنسيق المباشر وتقاسم المسؤوليات الميدانية مع باكستان وبدعم أممي وتمويل دولي وموافقة اللاعبين الإقليميين المعنيين بالملف. أنقرة تنتظر نتائج التحرك القطري الحالي الهادف لإيجاد صيغة تفاهمات تحول دون الانفجار الأمني الكبير لتحسم على ضوء ذلك موقفها وقرارها النهائي. العقبة الحقيقية هي ليست رفض طالبان للمقترح التركي بتوفير حماية مطار كرزاي بل وقوف موسكو وطهران وبكين إلى جانب طالبان في موقفها هذا وتشجيعها على مواصلته.

لا يمكن لتركيا الحصول على ما تريده في أفغانستان من خلال الاكتفاء بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية ودون الأخذ بعين الاعتبار النفوذ الروسي والصيني المتزايد في المنطقة

تتقاطع الكثير من التحليلات وتقديرات الموقف المتعلقة بالشأن الأفغاني عند حقيقة أن أميركا دخلت أفغانستان قبل 20 عاما لتأجيج الخلافات العرقية والسياسية أكثر من هدف محاربة الإرهاب الذي استهدفها في نيويورك. مغادرة القوات الأميركية بالنسبة للاعبين إقليميين يتابعون الملف مثل باكستان وروسيا والصين تعني حصولهم على الفرصة الاستراتيجية لملء هذا الفراغ وهذه الدول لن تقبل بدور تركي استراتيجي يعرقل خططها ومشاريعها هناك. تحتاج تركيا إلى تفعيل دورها الإقليمي في ملفات عديدة مرتبطة بالملف الأفغاني لكنها تحتاج إلى التنسيق والتفاهم مع بقية اللاعبين المؤثرين في جنوب شرقي آسيا. لا يمكن لتركيا الحصول على ما تريده في أفغانستان من خلال الاكتفاء بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية ودون الأخذ بعين الاعتبار النفوذ الروسي والصيني المتزايد في المنطقة. تنسق أنقرة مع واشنطن في موضوع تولي حماية مطار كابول لكنها لن تقرر إبقاء قواتها هناك دون تنسيق وتحضير مدروس مع موسكو وإيران بقدر ما تفعل ذلك مع أميركا.

رحبت طالبان بقرار الانسحاب الأميركي من أفغانستان وأبدت السلطة السياسية الحاكمة تخوفها من ارتدادات مثل هذه الخطوة دون تحضير سياسي أمني لوجستي يكون جزءا من خارطة تفاهمات وطنية وإقليمية وغير ذلك يعني التورط في مستنقع يعرف الروس والأميركان الكثير عنه أفغانستان بلاد اصطياد المتورطين من الخارج في شؤونهم الداخلية.