التطبيع مع نظام الأسد - ما البديل؟

2023.03.09 | 06:44 دمشق

التطبيع مع نظام الأسد - ما البديل؟
+A
حجم الخط
-A

تسبب الزلزال الذي ضرب تركيا في مقتل أكثر من 45 ألف شخص في تركيا، لكنه أيضا ضرب سوريا، حيث فقد حوالي 6 آلاف شخص حياتهم. لقد ضاعف الحدث المأساوي حجم الكارثة الإنسانية الموجودة أصلا في سوريا وزاد من حدتها. لكن نظام الأسد هو من يكسب رأس المال السياسي والدبلوماسي المتدفق عقب الزلزال. خطوة بخطوة ينتقل نظام الأسد من العزلة الخارجية إلى الشعبية التي بدأت تلوح في الأفق إثر السعي للتواصل معه وإن بتردد.

هل يستحيل وقف هذه العملية؟ إذا كان الأمر كذلك، فما هو البديل الذي يجب اتباعه؟

على الرغم من أن الكارثة ضربت المناطق المحررة في سوريا وأن أكثر من 75٪ من ضحاياها موجودون في مناطق سيطرة المعارضة السورية، إلا أن الاستجابة الدولية تركز بشكل مثير للاستغراب على مناطق سيطرة النظام في حين تم إيصال معظم المساعدات العالمية لسوريا إليها. ولم يصل إلا النزر اليسير من المساعدات إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية. ناهيك عن أن وصول الإسعافات الأولية إلى مناطق النظام على الفور قابله وصول الإسعافات الأولية إلى المناطق المحررة بعد ثلاثة أيام من الزلزال.

تعد الزيارة الرسمية الأولى لوزراء الخارجية الأردنيين والإماراتيين والمصريين إلى دمشق وكذلك الزيارة الرسمية لبشار الأسد إلى عمان تطورات أساسية لافتة

منذ النشاط الزلزالي، شهدنا عدة أنشطة دبلوماسية رفيعة المستوى لنظام الأسد. وتعد الزيارة الرسمية الأولى لوزراء الخارجية الأردنيين والإماراتيين والمصريين إلى دمشق وكذلك الزيارة الرسمية لبشار الأسد إلى عمان تطورات أساسية لافتة. كما تحدث بشار الأسد عبر الهاتف لأول مرة مع ملك البحرين حمد والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. تشير هذه التطورات إلى أن التطبيع الجاري مع نظام الأسد سوف يتسارع ويتقدم.

حتى الآن، رأينا ثلاث ديناميكيات منعت أو أبطأت التطبيع مع نظام الأسد. كانت الديناميكية الأولى هي العقوبات الغربية بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، نجحت هذه العقوبات في إعاقة التطبيع مع نظام الأسد. ولكن الآن ومع وقوع الزلزال، أصبحت تلك العقوبات موضع تساؤل أكثر من أي وقت مضى.

الديناميكية الثانية: هي الموقف القوي لقطر والسعودية من التطبيع مع سوريا. تعد السعودية - من بين هاتين الدولتين - أكثر أهمية من حيث تأثيرها على التطبيع مع نظام الأسد. عقب الزلزال، أصر وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود في مؤتمر ميونخ للأمن على أن "الوضع الراهن غير عملي" وأنه يجب على العالم التعامل مع دمشق "في مرحلة ما" بشأن قضايا مثل اللاجئين والمساعدات الإنسانية. كما أرسلت المملكة العربية السعودية مساعدات إنسانية إلى المناطق التي يسيطر عليها الأسد في سوريا وذلك باستخدام المطارات التي يسيطر عليها. يبدو أن المعارضة للسعودية قد تتضاءل ببطء ولكن بثبات. لا شك أن انضمام نظام الأسد إلى جامعة الدول العربية سيكون انتصارا دبلوماسيا قويا له.

الديناميكية الثالثة: هي حماية تركيا للمعارضة السورية ووجودها العسكري داخل سوريا. من المرجح أن تلعب تركيا دورها إلا أن المحادثات بين دمشق وأنقرة ستصب في صالح التطبيع مع بشار الأسد أضف إلى ذلك أن فوز المعارضة التركية في الانتخابات التركية المقبلة إن حصل سيحقق عزمها الذي تم بالإجماع وهو التطبيع مع الأسد وتعيين سفير في دمشق.

باختصار: إن ضعف الديناميكيات الأساسية الثلاث التي تمنع التطبيع مع نظام الأسد بعد الزلزال. ومع مرور الوقت واستمرار الوضع الراهن في سوريا -وهو الاحتمال المرجح- سيكسب نظام الأسد المزيد من الشرعية السياسية والدبلوماسية.

يتعين على صناع القرار في واشنطن وأنقرة تغيير الوضع الراهن في سوريا من صراع ثلاثي المحاور إلى صراع ثنائي المحاور

البديل الوحيد القابل للتطبيق لمنع التطبيع مع نظام الأسد هو تغيير الوضع الراهن في سوريا، إذ لا يمكن تحقيق حل سياسي لسوريا إلا إذا اجتمع نظام الأسد والمعارضة السورية كطرفين راغبين في التفاوض على حل ما. لكن نظام الأسد لا يبدو مستعدا للتنازل، حتى لو كان مستعدا للتنازل لن يقود ذلك حل سياسي، فالصراع السوري في حقيقته هو صراع بين ثلاثة أطراف. تتخذ قوات سوريا الديمقراطية التي تهيمن عليها وحدات حماية الشعب طريقا ثالثا في سوريا وهي ليست جزءا من عملية الأمم المتحدة بين نظام الأسد والمعارضة السورية.

يتعين على صناع القرار في واشنطن وأنقرة تغيير الوضع الراهن في سوريا من صراع ثلاثي المحاور إلى صراع ثنائي المحاور. حتى لو افترضنا أن هيئة تحرير الشام جهة فاعلة منفصلة وكان لدينا بذلك صراع من أربعة محاور، يمكنني على أي حال اقتراح خارطة طريق مفصلة من معهد هدسون لتحقيق ذلك.

الفكرة العامة لخارطة الطريق بسيطة:

  1. إحلال الشراكة الأميركية مع الأكراد السوريين في المجلس الوطني الكردي والعرب من قبائل دير الزور محل الشراكة مع وحدات حماية الشعب.
  2.  توحيد مناطق النفوذ التركية والأميركية في سوريا.
  3.  دمج هيئة تحرير الشام في الجيش الوطني السوري والقضاء على التوجهات المعارضة للاندماج.
  4.  تغيير الحكومة السورية المؤقتة.
  5.  قطع خط الإمداد الإيراني عبر السيطرة على البوكمال.

إذا طبق صانعو القرار الأفكار المماثلة التي تمكنت من الجمع بين تركيا والولايات المتحدة على الأرض، عندها فقط يمكن إنشاء بيئة مناسبة لجميع الجهات الفاعلة الخارجية لتستثمر فيها بغية حل سياسي بدلا من التطبيع مع نظام الأسد.