البريكس والرومانس…و"المهدي الاقتصادي" المنتظر!"

2023.09.07 | 06:26 دمشق

البريكس والرومانس…و"المهدي الاقتصادي" المنتظر!"
+A
حجم الخط
-A

طبيعة النفس البشرية تلجأ للأحلام الرومانسية عندما تصطدم بالواقع القاسي الذي يجافي تطلعاتها ويتنافى وقدراتها، والدول تحاول ممارسة "الرومانسية السياسية" عن طريق تركيب نموذج اقتصادي وهمي خارج إمكانياتها لكنه يحاكي أحلامها أو ما أسميه "الرومانس الاقتصادي"، ولعل تجمع دول البريكس بقيادة روسيا مع الصين والهند وجنوب إفريقيا والبرازيل يعد مثالا صارخا على ذلك.

مؤخرا وبسبب الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2023، والعقوبات الاقتصادية العالمية، انخفضت العملة الروسية ما بين أغسطس/ أب 2022 وأغسطس/أب 2023 من 62 إلى 102 روبل للدولار، وهو رقم لا يعكس بشكل حقيقي واقع الاقتصاد الروسي السيئ للغاية، ولو ترك الروبل للتعويم قد يصل لـ 200 روبل للدولار.

يعترف صندوق النقد الدولي  (IMF)وهو الهيئة المسؤولة عن مراقبة النظام النقدي الدولي، على ثماني عملات احتياطية رئيسية: الدولار الأسترالي، والجنيه الإسترليني البريطاني، والدولار الكندي، واليوان الصيني، واليورو، والين الياباني، والفرنك السويسري، والدولار الأميركي. الدولار الأميركي هو الأكثر شيوعًا، حيث يشكل 59 في المئة من احتياطيات النقد الأجنبي العالمية. رغم حضور المنتجات الصينية في الأسواق العالمية، ومشروعها الكوني "الحزام والطريق" لا تشكل العملة الصينية إلا 2،7٪؜ من الاحتياطيات العالمية وهي تقريبا نفس حصة الدولار الكندي. الهند وهي دولة من "البريكس" تعد من حلفاء الولايات المتحدة الأميركية في "الإطار الاقتصادي للازدهار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ".

The Indo-Pacific Economic Framework for Prosperity (IPEF)، وهي مبادرة لـ١٤ دولة أطلقها الرئيس الأميركي جو بايدن، في أيار/مايو، والتي تعهدّت فيه الولايات المتحدة والهند وأستراليا وبروناي وفيجي وإندونيسيا واليابان وكوريا الجنوبية وماليزيا ونيوزيلندا والفلبين وسنغافورة وتايلاند وفيتنام، التعاون في 4 مجالات هي التجارة (خصوصاً الاقتصاد الرقمي) وسلاسل الإمداد (التي تضررت من جراء جائحة كورونا) والطاقة النظيفة (المراعية للبيئة) ومكافحة الفساد. والهدف من هذه الاتفاقية هي محاصرة الصين التي هي عضو في ما يسمى "البريكس"، بمعنى أن الهند تحاصر الصين وكليهما في تجمع البريكس الرومانسي!

هل ستضحي الهند بعلاقتها مع الولايات المتحدة وهي مدعوة للانضمام لحلف الناتو إرضاء لطموحات روسيا الرومانسية؟

هذه ليست الشراكة الوحيدة مع الولايات المتحدة بل هناك كثير منها آخرها مجموعة I2U2 هي مجموعة من الهند وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة تم تأسيسها في 14 يوليو/ تموز 2022، وتهدف إلى التعاون في "استثمارات مشتركة ومبادرات جديدة في مجالات المياه والطاقة والنقل والفضاء والصحة والأمن الغذائي.

فهل ستضحي الهند بعلاقتها مع الولايات المتحدة وهي مدعوة للانضمام لحلف الناتو إرضاء لطموحات روسيا الرومانسية؟

البرازيل وهي من دول "البريكس" مدينة للولايات المتحدة وخسرت آخر عشر سنوات نحو تريليون دولار من ناتج دخلها القومي وهي تتوسل لدول العالم لدخول الاستثمارات الأجنبية، وفي عام 2021، بلغ الاستثمار الأجنبي المباشر من الولايات المتحدة في البرازيل 34 في المئة، فكيف لدولة معتمدة هذا الاعتماد على الولايات المتحدة وتحاول النهوض من عثرتها الاقتصادية على يد الرئيس البرازيلي القديم الذي عاد عام 2023 لويس دي سيلفا (لولا) الذي يتفرغ للنهوض بالاقتصاد البرازيلي ومحاربة الفساد الذي خلفه الرئيس السابق وأن يدخل في معركة مع أكبر الحلفاء من أجل عيون "روسيا"! وخاصة أن ديون البرازيل وصلت 575 مليار دولار.

لعل "لولا" يخشى من مصير جارته فنزويلا التي أزالت ستة أصفار من عملتها بسبب العقوبات الأميركية!

جنوب إفريقيا وهي من دول "البريكس" عليها ديون تقدر بـ 162 مليار دولار أكثر من ثلثها للولايات المتحدة! كذلك انخفض ناتج دخلها القومي آخر عشر سنين أكثر من ٤٠٠ مليار دولار!

بالمناسبة الصين والهند كليهما في مجموعة البريكس لكن لديهما مشكلات حدودية منذ 1959 وكانت هناك حرب صينية هندية 1962 وما زالت هناك مشكلات لطالما كانت الحدود المشتركة البالغة 2100 ميل (3379 كيلومترًا) مصدر الاحتكاك بين الهند والصين، حيث لا يتفق البلدان على موقعه الدقيق ويتهم كلاهما الآخر بانتظام بتجاوزه أو السعي لتوسيع أراضيهما، وآخر صراع دامي بينهما في 15 ديسمبر 2022!

لا يبدو أن العالم جاهز بعد لقطب آخر فضلا عن أن الصين نفسها ليست بأرحم بالعالم من أميركا وقد أوقعت دولا فقيرة في فخ الديون واستولت على أصولها السيادية

تقوم روسيا بحملة إعلامية نفسية تبرر غزوها لأوكرانيا من خلال بث الكراهية لأميركا والغرب عموما، وتبيع حلمها الرومانسي بإقامة نظام مالي عالمي جديد صعب التحقق في ظل ظروف دول البريكس وخاصة إذا علمنا أن ناتج الدخل المحلي لولاية كاليفورنيا يعادل أكثر من ضعفي ناتج الدخل القومي الروسي قبل حربها على أوكرانيا فضلا عن أن ناتج الدخل المحلي لولاية تكساس وحدها ولولاية نيويورك وحدها أكبر من ناتج الدخل القومي الروسي!

صحيح أن هناك دولا تسعى للخلاص من نظام القطب الواحد ولكن لا يبدو أن العالم جاهز بعد لقطب آخر فضلا عن أن الصين نفسها ليست بأرحم بالعالم من أميركا وقد أوقعت دولا فقيرة في فخ الديون واستولت على أصولها السيادية.

في عام 2018 وحده، استحوذت الصين على أكثر من 20 مطارا ومرفأ من دول العالم النامي (سريلانكا، جيبوتي، جزر المالديف، لاوس، فيجي، باكستان وغيرهم) عن طريق إقراض تلك الدول مبالغ ضخمة من المال لا يمكنها سدادها أبدًا، وبذلك انتزعت الصين "القطب الرحيم!" الأصول السيادية منهم مستغلة فقرهم وعززت وجودها العسكري.

يسميها البعض "دبلوماسية فخ الديون" أو "استعمار الديون" - تقديم قروض مغرية للبلدان غير القادرة على السداد، ثم المطالبة بتنازلات عندما تتخلف عن السداد.

الغريب هو ذلك الحماس "الرومانسي" لبعض الدول المغلوب على أمرها التي تحسب أن " البريكس" في ظل دول شمولية يحكمها الحزب الشيوعي كالصين هو عبارة عن "المهدي الاقتصادي" المنتظر والمخلص من عذابات "الإمبريالية"!