اجتماع موسكو الرباعي وهدايا بوتين لأردوغان

2023.05.13 | 05:59 دمشق

اجتماع موسكو الرباعي وهدايا بوتين لأردوغان
+A
حجم الخط
-A

في الوقت الذي تستعد فيه تركيا لانتخابات رئاسية وبرلمانية مصيرية نهاية هذا الأسبوع وقد تكون لنتائجها آثار كبيرة على البلاد وسياساتها الخارجية، كانت موسكو تستضيف اجتماعاً رباعياً لوزراء خارجية تركيا والنظام السوري وروسيا وإيران في مسعى لدفع عملية الحوار بين أنقرة ودمشق. حقيقة أن موسكو تبدو قلقة بشدة من احتمال أن تؤدي الانتخابات التركية إلى خسارة الرئيس رجب طيب أردوغان وفوز المعارضة، التي تعد بإعادة تشكيل العلاقات مع روسيا على أسس مختلفة والتأكيد على هوية تركيا كجزء من حلف شمال الأطلسي، ما يضفي بُعداً آخر مُهماً على اجتماع موسكو غير ذلك المرتبط بمسار العلاقات الجديدة بين أنقرة ودمشق ويتمثل برغبة روسيا في منح الرئيس رجب طيب أردوغان أوراق قوة يُمكن أن تُساعده في تعزيز فرص إعادة انتخابه. بهذا المعنى، يُدرج توقيت عقد الاجتماع الرباعي في إطار الهدايا الانتخابية التي يُقدمها بوتين لأردوغان. لا يعني ذلك التقليل من أهمية عقد الاجتماع على صعيد الحوار بين تركيا والنظام لأنه نقله بالفعل إلى مستوى سياسي رفيع وأثمر توافقاً على وضع خارطة طريق له في الفترة المقبلة.

يواجه أردوغان منافسة غير مسبوقة مع معارضة استطاعت إلى حد كبير توظيف السخط الشعبي التركي المتزايد على وجود اللاجئين السوريين من أجل توسيع قاعدة التأييد لها في الانتخابات. منذ انطلاق الحوار بين أنقرة والنظام برعاية روسية نهاية العام الماضي، راهن أردوغان على هذا الحوار لمساعدته في إقناع الناخب التركي، الذي يُريد معالجة لملف اللاجئين، بأنّه يعمل بالفعل على هذه المعالجة، وأيضاً لتقليص قدرة المعارضة على الاستفادة من قضية اللاجئين في الانتخابات. لا يُقلل ذلك من شأن العوامل الأخرى الأكثر أهمية في التقارب بين أنقرة ودمشق والتي تتعلق بشكل أساسي في محاولة تركيا خلق هوامش أخرى لتعزيز موقفها في صراعها مع "وحدات حماية الشعب" الكردية وممارسة مزيد من الضغط على الولايات المتحدة الأميركية للتخلي عن علاقتها بالوحدات والانسحاب من سوريا، لكنّ حقيقة أن هذه الانتخابات تُشكل اختباراً وجودياً لأردوغان وللشراكة الجيوسياسية الواسعة التي بناها مع روسيا بعد النصف الثاني من العقد الماضي، فإن جانباً أساسياً من جوانب التموضع التركي الجديد في سوريا يرتكز أيضاً على مقاربة كل من موسكو وأنقرة للحوار التركي السوري من منظور داخلي تركي.

ظهر النظام حتى وقت قريب أنه لا يهتم كثيراً بهذا الحوار وسعى إلى عرقلته من بوابة طرح شرط الانسحاب التركي من سوريا أولاً كمقدمة للتفاوض على أي مصالحة لأنّه يُراهن على أن فوزاً محتملاً للمعارضة

في المنافسة الانتخابية التركية، تحضر السياسة التركية في سوريا بقوة في الخطاب الانتخابي لأردوغان وبدرجة أكبر المعارضة. ملف اللاجئين السوريين على وجه الخصوص إحدى القضايا الضاغطة على أردوغان الذي سعى إلى وضع تحوله السوري في إطار المعالجات التي يسعى إليها لهذه القضية. مع ذلك، بدا أن جانباً ضئيلاً جداً من الفوائد التي يتطلع إليها أردوغان في الحوار مع النظام السوري في هذه القضية قد تحقق. أظهر النظام حتى وقت قريب أنه لا يهتم كثيراً بهذا الحوار وسعى إلى عرقلته من بوابة طرح شرط الانسحاب التركي من سوريا أولاً كمقدمة للتفاوض على أي مصالحة لأنّه يُراهن على أن فوزاً محتملاً للمعارضة التركية في الانتخابات سيجعل موقفه أقوى في أي تسوية مستقبلية مع تركيا. يبدو هذا الرهان صحيحاً جزئياً لناحية أن المعارضة تعد بإعادة فورية للعلاقات مع النظام ولم تُعط إشارات واضحة على تمسّكها ببقاء القوات التركية في سوريا. مع ذلك، يُظهر تراجع النظام عن رفض المشاركة في الاجتماع الرباعي الذي عُقد في الآونة الأخيرة على مستوى نواب وزراء الخارجية، ثم عقد اجتماع رباعي بعد ذلك على مستوى وزراء الدفاع وقادة أجهزة الاستخبارات، وصولاً إلى الاجتماع الأخير على مستوى وزراء الخارجية، حدود مقاومته للضغط الروسي.

لا يعكس هذا التحول في موقف النظام تغيراً في قناعته تجاه أردوغان بقدر ما يُشير إلى أنه بدا عاجزاً عن مقاومة الدفع الروسي للحوار

من المفارقات اللافتة للنظر في اجتماع وزراء الخارجية أن النظام، الذي قاوم لأشهر فكرة تطوير الحوار مع تركيا لاعتقاده بأنه سيخدم أردوغان انتخابياً، أن وزير خارجيته فيصل المقداد يُصافح مع ابتسامة نظيره التركي مولود جاوش أوغلو ويقف إلى جانبه خلال التقاء الصورة التذكارية للوزراء ويتحدث بإيجابية عن أهمية فتح صفحة جديدة في العلاقات التركية السورية. لا يعكس هذا التحول في موقف النظام تغيراً في قناعته تجاه أردوغان بقدر ما يُشير إلى أنه بدا عاجزاً عن مقاومة الدفع الروسي للحوار. في الشراكة الاستراتيجية مع روسيا، فإن لتركيا أهمية كبيرة للرئيس فلاديمير بوتين تتجاوز الجغرافيا السورية. إن احتمال انهيار هذه الشراكة، إذا ما وصلت المعارضة التركية إلى السلطة، لن تنحصر تداعياته على الشراكة الثنائية في سوريا فحسب، بل ستمتد لتشمل مختلف جوانبها من الاقتصاد وتجارة الطاقة إلى التنسيق الجيوسياسي بين البلدين في القضايا الإقليمية والدولية التي تنخرطان فيها. تُدرك روسيا أن تركيا في ظل حكم المعارضة ستُدير ظهرها لها وستُصبح تحدياً جيوسياسياً جديداً لها.

مع أن منافس أردوغان على الرئاسة كمال كليجدار أوغلو يعد بإعادة فورية للعلاقات مع النظام إذا ما وصلت المعارضة إلى السلطة، إلآّ أن روسيا تنظر إلى مخاطر ما هو أبعد من فوائد تحول تركي في سوريا لن يتعارض بالضرورة مع أهدافها واستراتيجيتها السورية. لذلك، لا تتردد موسكو في منح أردوغان أوراقاً يُمكن الاستفادة منها لتعزيز وضعه الانتخابي. على مدى الأشهر الماضية، بدا أن خطوات روسيا مع تركيا تدفع بهذا الاتجاه. بعد الحرب الروسية الأوكرانية، دخل جزء من مليارات الدولارات الروسية إلى القطاع المصرفي التركي الذي وجد فيه متنفساً للهرب من العقوبات الغربية، بينما كان الجزء الآخر عبارة عن مواصلة التزام روسيا بتمويل بناء محطة "أكويو" النووية التي تم تدشينها الشهر الماضي. ومؤخراً، وافق البلدان على تأجيل تركيا دفع 600 مليون دولار من فواتير الغاز الطبيعي لروسيا حتى عام 2024، وينص الاتفاق أيضا على إمكانية تأجيل مدفوعات الطاقة بقيمة تصل إلى 4 مليارات دولار حتى العام المقبل. كل هذه الخطوات ساعدت إلى حد كبير حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان في تدفق النقد الأجنبي من الخارج للحفاظ على استقرار الليرة قبل الانتخابات.