مع تصاعد التهديدات التركية بشن عملية عسكرية ضد "حزب العمال الكردستاني-PKK" في شمالي العراق، الصيف المقبل، تتجه الأنظار إلى تداعيات هذه الخطوة المحتملة على مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية-قسد" في شمال شرقي سوريا.
وتُعدّ المنطقة الشمالية في العراق مكاناً حيوياً ومتنفساً رئيسياً لـ قوات "حزب العمال" الموجودة في شمال شرقي سوريا، التي تعتبرها أنقرة فرعاً لـ"حزب العمال" المُصنف إرهابياً، كونها تقع على خط جغرافي واحد.
وبينما يرى محللون سياسيون وعسكريون لـ موقع تلفزيون سوريا، أنّ أي تحركات عسكرية في الخاصرة الشرقية لـ "قسد" والتي تمثل "عمقاً استراتيجياً" لها، سيكون "كارثياً عليها"، يرى آخرون أن التأثير سيكون محدوداً.
"أم العمليات"
في الخامس من آذار الفائت، أطلق الرئيس التركي تهديداً مباشراً بشأن "إتمام الطوق" الذي سيؤمن الحدود التركية مع العراق، مؤكداً: "خلال الصيف القادم سنكون قد قمنا بحل هذه المسألة بشكل دائم".
وليست المرة الأولى التي تهدّد بها أنقرة بشن العملية العسكرية، فقد نفّذ الجيش التركي عمليات جوية سابقة، ضد مواقع تابعة لـ"حزب العمال" في إقليم كردستان ومنطقة سنجار الجبلية، ابتداء من "عملية المخلب1"، في عام 2019، وصولاً إلى "قفل المخلب"، في العام 2022.
لكن تصاعد نبرة التهديد الحالية، تزامنت مع تطورات سياسية قد يجعلها أكثر جدية من أي وقت مضى، أوّل هذه التطورات كان تكثيف الزيارات رفيعة المستوى بين مسؤولي البلدين، نتج عنها انعقاد "القمة الأمنية"، منتصف آذار الفائت، بحضور وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، ورئيس الاستخبارات إبراهيم كالن، ووزير الدفاع يشار غولر.
وتمخّضت القمة عن إنشاء لجان دائمة مشتركة في عدة مجالات، منها المجال الأمني، والاتفاق على أن "حزب العمال" تهديد مباشر لكلا البلدين، أعقبه تصنيف العراق للحزب بأنّه "منظمة محظورة" في البلاد.
أما التطور الأبرز تمثّل بزيارة أردوغان إلى العراق وأربيل، الأسبوع الفائت، لأوّل مرة منذ 13 عاماً، نتج عنها توقيع 26 اتفاقية، أبرزها: "مذكرة تفاهم بشأن الإطار الإستراتيجي".
- اقرأ أيضاً.. أردوغان يلتقي نجيرفان ومسرور بارزاني في أربيل
وأكّد أردوغان على إمكانية القيام بخطوات مشتركة لإنهاء "حزب العمال الكردستاني"، قائلاً: إنّ "مستنقع الإرهاب، في العراق وسوريا، وخاصة في سوريا، سوف يجف ليس فقط بجهودنا، ولكن أيضاً بالجهود المشتركة لحكومتي الدولتين".
وسبق زيارة أردوغان، التي وصفت بـ"التاريخة"، تسريب وسائل إعلام تركية عن مخطط العملية التركية في الشمال العراقي، والتي وصفتها صحيفة "حرييت" بأنها "أم العمليات"، مشيرة إلى أن هدفها "إنشاء خط آمن بطول 40 كيلومتراً وعمق 40 كيلومتراً على الحدود العراقية- التركية".
وأفادت الصحيفة، نقلاً عن مصادر مطلعة، بأنّه "عند بدء العملية، ستتم السيطرة على الحدود العراقية-السورية في وقت واحد، وبالتالي، سيتم منع حزب العمال الكردستاني من نقل قيادته من العراق إلى سوريا".
وأكّدت الصحيفة أنّه "من المقرّر أن تتولى الحكومة المركزية في بغداد والحشد الشعبي هذه المهمة، وستقدم تركيا الدعم على مستوى تقني"، كما توقّعت صحيفة "صباح" المقربة من الحكومة التركية، أن يتم تأمين الحدود بين العراق وسوريا لمنع تنقلات عناصر "حزب العمال".
"الصيف الساخن"
كل المؤشرات تدل على أن تركيا حصلت على ضوء أخضر عراقي لتنفيذ العملية العسكرية في حين بات يعرف بـ"الصيف الساخن"، بحسب المحلل السياسي، علي تمي.
وفي إطار هذا السياق، أعلن وزير الدفاع التركي، يشار غولر، قبل أيام، عن تفاهمات استراتيجية بين تركيا والعراق لمحاربة "حزب العمال"، واتخاذ قرار بإنشاء مركز عمليات مشتركة.
ويرى تمي، خلال حديثه لـ موقع تلفزيون سوريا، أنّ الاتفاق مع الحكومة العراقية يتضمن دخول الجيش التركي بعمق 30 كيلومتراً إلى داخل الأراضي العراقية بالتفاهم مع حكومة بغداد وبموافقة أربيل.
ومن بين المناطق المقصودة بالعملية المحتملة، يُشير "تمي" إلى سنجار ومعبر سيمالكا الحدودي بين مناطق "قوات سوريا الديمقراطية" وإقليم كردستان العراق.
ومن المتوقّع ألا تكون "قسد" في شرقي سوريا بمعزل عما سيحدث في شمالي العراق، إذ ستتأثر بشكل مباشر بالآثار المحتملة للعملية التركية المرتقبة، خاصة أن تركيا تسعى لقطع شريان إمداد "قسد" من الشرق، بحسب تمي.
وأكّد أن طريق سنجار، من مناطق "قسد" إلى السليمانية في إقليم كردستان وصولاً إلى إيران، يُعتبر طريقاً استراتيجياً لـ"قسد" في عملية نقل الأسلحة بمختلف أنواعها من وإلى سوريا، وإغلاقه يعني محاصرتها بشكل شبه كامل.
بدوره اعتبر المحلل السياسي التركي عبد المطلب إربا، أنّ أي تحرك تركي سيكون له تأثير واضح على شرقي سوريا، لأنّ "ميليشيات حزب العمال في سوريا تتغذى من شمالي العراق عسكرياً".
وقال إربا لـ موقع تلفزيون سوريا، إنّ "ميليشيات حزب العمال غير مدربة ومؤهلة عسكرياً، وتشرف قيادات PKK على تدريبها وإدارتها"، إضافة إلى نقل العناصر والأسلحة بين المنطقتين.
لكن في رأي آخر، يقلّل الباحث في الفلسفة السياسية رامي الخليفة العلي، من حجم تأثير التحرك التركي، قائلاً لـ موقع تلفزيون سوريا إنّ "إغلاق الحدود سيؤثر على قسد، باعتبار أن شمالي العراق وحكومته تمثل عمقاً استراتيجياً بالنسبة لها، وكثير من الموارد والدعم اللوجستي يأتي عبر هذه المنطقة، وبالتالي سيكون هناك تأثير، لكن حجمه وقوته وفعاليته لا يجب أن نبالغ فيه كثيراً".
ويتوافق العلي مع رأي الخبير العسكري والاستراتيجي العقيد ركن حاتم كريم الفلاحي، الذي يرى أنّ "قطع التواصل بين شرقي سوريا والعراق سيؤثر بشكل بسيط، لأنّ مَن يسيطر على الحدود ليست الحكومة المركزية وإنما الميليشيات الإيرانية بشكل كامل، ولا شك لديهم كثير من الممرات التي هي خارج السيطرة الحكومية والتي يمكن التواصل من خلالها".
"سنجار.. صلة الوصل"
على الرغم من أن منطقة "غارا" شمالي العراق ستكون محور العملية التركية، بحسب وسائل إعلام تركية، إلا أن الأعين التركية ستتجه إلى سنجار التي تعتبر إحدى معاقل "حزب العمال الكردستاني".
وتعود سيطرة "حزب العمال" على قضاء سنجار، إلى العام 2014، عندما شكّل "قوة حماية شنكال" (سنجار)، لطرد تنظيم الدولة (داعش) من المنطقة، ليعزّز وجوده في المنطقة عقب ذلك ويعقد تحالفاً مع "الحشد الشعبي".
وتشكّل سنجار صلة الوصل بين مناطق سيطرة "حزب العمال" في العراق ومناطق "قسد" شرقي سوريا، بحسب الباحث السياسي علي تمي، وبالتالي "يتم استخدام هذا الشريان لنقل الكوادر وعناصر إلى السليمانية بالعراق لتدريبهم وإعادتهم إلى مناطق قسد".
ووصف الخبير العسكري حاتم الفلاحي سنجار بأنها "المقر البديل لقوات PKK التي توجد في قنديل، وهي تعتبر مركزاً إدارياً لوجودها في هذه المنطقة".
وفي ظل التهديدات والمخططات التركية، إلا أنّ الوضع سيكون معقّداً سواء في العراق أو سوريا، بحسب ما وصفه الفلاحي، لأنّ "حزب العمال الكردستاني لا يوجد في سنجار فقط، وإنما لديهم كثير من المواقع في السليمانية وكركوك ومناطق أخرى في كردستان العراق وقنديل".
وأكد الفلاحي أنّ "سنجار هو أحد المواقع التابعة لحزب العمال وتتمركز فيه بشكل رسمي، بالتوافق مع ميليشيات الحشد الشعبي في تلك المنطقة، ما يعني أن الوجود في هذه المناطق نستطيع أن نقول عليه بأنه رسمي، من خلال التوافق والتفاهم".
من جانبه يرى رامي الخليفة العلي أن "السيطرة على سنجار سيؤدي إلى فصل أكراد سوريا عن العراق، وهذا له تداعيات ليس فقط على الدعم اللوجستي، وأيضاً على المشروع الكردي التي تتحرك قسد وفقاً لتصوراته"، معتبراً أنّ "المسألة ليست أمنية وإنما جيوستراتيجية بالنسبة لتركيا وقسد، لذلك هناك رغبة في محاولة حصارها من الشرق".
وبحسب تصريحات وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، فإنّ أنقرة ستعتمد على قوات "الحشد الشعبي" فيما يخص السيطرة على منطقة سنجار، حيث قال فيدان في لقاء تلفزيوني، الشهر الفائت، هناك "مباحثات مكثفة" مع هيئة "الحشد" فيما يخص منطقة سنجار شمال غربي العراق.
وأفادت صحيفة "الشرق الأوسط"، بأنّ هاكان فيدان اجتمع خلال زيارته إلى العراق، في 13 آذار الفائت، مع رئيس هيئة "الحشد الشعبي" فالح فياض.
ولم يصدر أي تصريح من قبل مسؤولي "قسد" حول التهديدات التركية وآثارها، إلا أنه خلال الاشتباكات التي شهدتها سنجار، عام 2022، بين الجيش العراقي وعناصر من "وحدات حماية سنجار"، صرح مسؤولون عن أهمية المنطقة بالنسبة لهم.
وقال عضو هيئة الرئاسة المشتركة لـ"حزب الاتحاد الديمقراطي-PYD" (الذراع السياسي لوحدات حماية الشعب-YPG)، ألدار خليل، إنّ "تركيا وعبر التوغل الأخير في إقليم كردستان تهدف إلى التقدم باتجاه الموصل وكركوك ما قد يمكّنها من السيطرة على سنجار، وبالتالي إطباق الحصار على مناطق الإدارة الذاتية في سوريا".
هل توافق طهران؟
في ظل التطورات الحالية، لا يمكن إغفال اللاعبين الآخرين في المنطقة وأبرزهم إيران التي تتحكم بعشرات الميليشيات في العراق وتسيطر على الحدود مع سوريا، إضافة إلى الولايات المتحدة الأميركية الداعم الأبرز لقوات "قسد" في سوريا.
ولم يصدر أي موقف رسمي من قبل طهران حول التصريحات التركية، في حين نقلت صحيفة "الشرق الأوسط" عن مصادر بأنّ اجتماع "فياض" مع المسؤولين الأتراك يعكس "ضوءا أخضر من إيران" وموافقتها على إنهاء "حزب العمال" في العراق، مقابل "صفقة تشمل وساطة تركية مع الأميركيين على التهدئة مع طهران في العراق، وضمان دور إيراني أكبر في التجارة الإقليمية بضمانة تركية".
وبحسب المحلل التركي عبد المطلب إربا، فإنّ واشنطن أعطت إشارات بترك المنطقة، لكنها لا ترغب في ترك المنطقة من دون رقيب، لذا فإنّ هناك تفاهماً بين الولايات المتحدة وتركيا والعراق لملء هذا الفراغ.
أمّا إيران فهي "منزعجة من الاتفاق"، وفق إربا، وستحاول إفشاله لكن تدهور اقتصادها قد لا يسمح لها بالتحرك بشكل كبير خاصة في ظل الضوء الأخضر الأميركي للعملية.
ويؤكّد الخليفة العلي أنه لا يمكن لتركيا أن تخوض في غمار العملية من دون الحصول على الضوء الأخضر الأميركي، على أن تكون العملية وفق المتفق عليه وفي حال تجاوزها سيكون لواشنطن ردة فعل.
أمّا إيران، اعتبر العلي أن تأثيرها سيكون "محدوداً للغاية" لأنها "غير معنية بالدخول في مواجهة أو حتى الاشتراك في هذه العملية، كونها تريد أن تترك المجال للصراع الكردي-التركي الموجود في المنطقة، وربما تستفيد منه لاحقاً، لأن الوجود الكردي الذي يمثل قلقاً بالنسبة لتركيا، أيضا يمثل قلقاً بالنسبة لإيران".
من جانبه يرى الفلاحي أن طهران لن توافق على مثل هذه العملة االعسكرية، خاصّة أن لديها هي وأتباعها تفاهمات مع "حزب العمال" في العراق، وبالتالي يجب أخذ هذه التفاهمات بعين الاعتبار، لأن هذه القضية قد تؤثر على تواجدها في سوريا بشكل كبير.
واعتبر الفلاحي أن الحكومة العراقية ليس لديها القدرة على إغلاق الحدود مع سوريا، بسبب وجود الميليشيات التي تمسك هذه المناطق بصورة دقيقة جداً وقوية، ما يعني أن كلمة الفصل هناك للميليشيات المدعومة إيرانياً وليست للقوات الحكومية.
كذلك، فإنّ طهران لديها علم بوجود قوات "حزب العمال الكردستاني" في المنطقة، وهي تدعم هذا البقاء وتمنع أي عملية عسكرية ضده، طوال الفترة الماضية.