"أكنجي" عين تركيا.. في سماء إيران

2024.05.24 | 06:28 دمشق

آخر تحديث: 24.05.2024 | 06:28 دمشق

2588888888888887
+A
حجم الخط
-A

أسهل السيناريوهات لإغلاق ملف سقوط مروحية الرئيس الإيراني هو رمي الكرة في ملعب تقلبات الطقس التي فاجأت الجميع، حيث نجحت مروحيتان من أصل سرب يضم 3 طائرات في الهبوط الاضطراري ، في حين سقطت مروحية رئيسي وسط غابات ورزقان بتبريز.

السيناريوهات الأخرى التي قد تفاجئنا بها نتائج التحقيقات لن تكون مقنعة كثيرا. مثل تحميل يريفان المسؤولية انتقاما من التقارب الأخير بين طهران وباكو والانفتاح السياسي والاقتصادي الجديد على حساب أرمينيا وإسرائيل. أو رمي الكرة في ملعب تل أبيب التي نفذت عملية الرد على الرد في المواجهة المفتوحة بينهما بهذه الطريقة.

التباعد الإيراني الأذربيجاني خلال حرب "قره باغ" ورفض طهران لمشروع ممر زنغزور التجاري ودعوتها باكو لإبعاد قواعد تجسس الموساد عن حدودها معها، تبعه انفتاح إيراني أذربيجاني فهل من المحتمل أن يكون ذلك أغضب تل أبيب وأقلقها؟ وهل من ترابط بين سيناريو من هذا النوع وبين الاتصالات الأخيرة التي أجراها أردوغان على خط طهران – باكو؟

وسط هذه السيناريوهات والنقاشات التي لم تحمل الأجوبة بعد بانتظار ما سيقوله التحقيق في طهران، كان اللافت هو الأنباء التي رصدناها على خط تركيا وإيران بعدما أرسلت أنقرة مسيّرتها الحديثة "أكنجي" للمشاركة في عمليات البحث عن حطام المروحية الإيرانية بناء على طلب إيراني. وزارة الدفاع التركية أعلنت أنها أرسلت إلى جانب ذلك مروحية مزودة بخاصية الرؤية الليلية.

بعد ما يزيد على 7 ساعات من عمل المسيرة التركية في سماء إيران وجهود مكثفة في ظروف طبيعية صعبة، نجحت "أكنجي" في العثور على موقع تحطم مروحية الرئيس الإيراني ومسؤولين آخرين بينهم وزير الخارجية. طهران نادمة ربما بعدما تنبهت إلى وجود المسيّرة التركية في أجواء تبريز، وتتبع 3 ملايين مشاهد سير تحركها وهي تبحث عن أنقاض المروحية الإيرانية، ثم لتعلن أنقرة في ساعة متأخرة أن مسيّرتها رصدت "مصدر حرارة" يعتقد أنه حطام المروحية، وشاركت الإحداثيات مع سلطات طهران، قبل أن تعود الطائرة التركية أدراجها إلى قاعدتها في جنوب البلاد وهي ترسم في سماء مدينة باطمان النجم والهلال رمز العلم التركي.

الانزعاج الإيراني المصحوب بعبارات الشكر والامتنان جاء على أكثر من لسان، وكالة "مهر" تنقل عن قائد بالحرس الثوري الإيراني قوله، إن طائرات مسيرة إيرانية هي التي توصلت إلى موقع حطام طائرة الرئيس إبراهيم رئيسي. ونسبت الوكالة إلى قائد "فيلق عاشوراء" في محافظة أذربيجان الشرقية العميد أصغر عباسقلي زاده، قوله "تلقينا مساعدة من الطائرات المسيرة التركية، وأنها كشفت نقطة سوداء، لكن عندما وصلت قواتنا إلى هناك، أصبح من الواضح أن ما رصدته الطائرة التركية لم يكن المروحية".

ثم هناك ثانياً ما جاء على لسان رئيس جمعية الهلال الأحمر الإيراني أن "موقع المروحية عُثر عليه بجهود إيرانية بحتة من دون تلقي أي مساعدة من الخارج".

تريد إيران الخروج من ورطة المساهمة التركية وجهود أنقرة التي تحركت سريعا للتعامل مع طلب المساعدة وهو من حقها ربما، لكن محاولة الالتفاف على ما قدمته تركيا عبر الطعن في قدرات المسيرة التركية.

إلى جانب ما ردده مراسل القناة الإيرانية للشؤون الدفاعية، أن موقع الحطام كان يبعد 10 كيلومترات عن الموقع الذي أبلغت عنه المسيرة التركية.

هناك في إيران من وجّه انتقادات للحكومة الإيرانية بسبب سماح السلطات للطائرة التركية مسح بعض المناطق الاستراتيجية والعسكرية في إيران.

وهناك ما سمعناه على لسان بعضهم ليت المسيّرة التركية "أكنجي" وصلت باكرا إلى المنطقة التي حددت فيها تصاعد الدخان، للمساعدة في جهود العثور على مروحية الرئيس الإيراني، لأن إمام جمعة تبريز كان على قيد الحياة لمدة بعد سقوط المروحية".

من حق طهران أن تندم على طلب المساعدة التركية. عندها مسيراتها التي تريد أن تنافس أنقرة وغيرها من الدول في مسألة قدراتها وكفاءاتها، وحيث تقول إنها وضعتها في خدمة أكثر من لاعب وشريك، لكنها ترتكب خطأ طلب دعم المسيرة التركية "أكنجي" لتحديد موقع سقوط مروحية رئيسي.

تريد الخروج من ورطة المساهمة التركية وجهود أنقرة التي تحركت سريعا للتعامل مع طلب المساعدة وهو من حقها ربما، لكن محاولة الالتفاف على ما قدمته تركيا عبر الطعن في قدرات المسيرة التركية والقول إنها فشلت في مهمتها، أغضب كثيرين وكان عليهم المسارعة للرد بشكل مباشر وغير مباشر بالصور والخرائط وتحت عنوان عندما تكون هناك حاجة يكون هناك "أكنجي".

سلجوق بيرقدار، رئيس مجلس إدارة "بايكار"، الشركة المنتجة يقول أولا إنه "تم الوصول إلى الحطام على بعد نحو 200 كم من الحدود بسرعة كبيرة وفي وقت قصير" مشيراً إلى أن طائرة "أكنجي" أدت مهمتها في ظروف قاسية لا يمكن لأي مركبة جوية أخرى في العالم أن تطير فيها، ونشر التفاصيل الدقيقة حول تمشيط نحو 400 كلم من الجغرافيا الإيرانية بحثا عن المروحية في ظروف جوية صعبة.

ثم حديث وزير النقل والبنية التحتية التركي عبد القادر أورال أوغلو حول أن "إيران تقع ضمن منطقة مسؤوليتنا للبحث والإنقاذ البحري والجوي، كما أننا نتابع إشارات جميع المركبات الجوية والبحرية، في اللحظات الأولى، قمنا برصد ما إذا كانت المروحية قد أعطت إشارة أم لا، ولكن لم يتم رصد أي إشارة على الإطلاق، مما يدل على أن نظام الإشارة إما كان لا يعمل أو لم يكن قيد التشغيل وقت تحطم المروحية.

لا يمكن هنا تجاهل توقيت تصريحات الرئيس التركي أردوغان وهو يردد إن "الصناعات الدفاعية هي بلا شك إحدى المجالات التي صنعت فيها تركيا تاريخا مشرفا. ففي الوقت الذي كنا نعتمد فيه على الخارج بنسبة 80% في عام 2002، نلبي اليوم كل احتياجاتنا الدفاعية تقريبا من خلال الموارد المحلية والوطنية.

أردوغان ذهب أبعد من ذلك وهو يتحدث عن ارتفاع "قيمة صادراتنا الدفاعية التي كانت تبلغ 1.2 مليار دولار قبل 10 سنوات، بمقدار 4.5 أضعاف لتصل إلى 5.5 مليارات دولار في عام 2023".

ما أنجزته "أكنجي" بنجاح أظهر قدرات وإمكانات هذه الطائرة، لكنه كشف أيضا عن نقاط ضعف المسيرات الإيرانية.

من حق طهران أن تندم وتغضب. فهي بدعوة المسيرة التركية تكون قد تركت مسيراتها أمام أكثر من تساؤل وحققت لأكنجي ما لم تكن تحلم به من دعاية عالمية.

ما أنجزته "أكنجي" بنجاح أظهر قدرات وإمكانات هذه الطائرة، لكنه كشف أيضا عن نقاط ضعف المسيرات الإيرانية.

نقاشات من عثر على المروحية ستتراجع حتما لصالح نقاشات داخلية وخارجية تنتظر إيران في المرحلة المقبلة. يردد إحسان أكتاش أحد الوجوه الإعلامية التركية "المعروف أن نسبة المشاركة في الانتخابات الأخيرة في إيران انخفضت إلى 40٪، وأن هذه النسبة أقل بكثير في طهران، قلب السياسة الإيرانية.

من هذا المنظور تواجه إيران، التي تكافح للتعامل مع العديد من المشكلات في السياسة الخارجية، مشكلات عميقة في مجال الشرعية الاجتماعية". مفتاح بوابة الطريق الجديدة التي على القيادة الإيرانية أن تختارها قد يبدأ من هنا.