أزمة الحكم اللبناني.. غبار "فيينا" يؤجل الحلول إلى الشتاء

2022.09.19 | 06:33 دمشق

أزمة الحكم اللبناني.. غبار "فيينا" يؤجل الحلول إلى الشتاء
+A
حجم الخط
-A

لطالما توالت التحذيرات السياسية والاجتماعية في لبنان من الوصول إلى لحظة تفلّت الأمور من عقالها، ويدفع اللبناني استرجاع حقوقه بيده، وخاصة أن لا خطة حقيقية لإعادة الحقوق للناس والحكومة لم تقدم على أي حراك فعلي سوى حراك حماية المصارف، فيما المودعون والذين تعالت أصواتهم ومناشداتهم إلى كل المستويات السياسية والمالية والمصرفية، لم يجدوا من يستجيب لهم، بل قوبلوا بتجاهل وقح، وصلافة وتهديد لا مثيل له من قِبل عصابات المصارف، الذين تعاطوا مع المودعين كمتسولين على أبوابهم، ودفعوا بالمودع إلى أن يصبح في حل من أي ضوابط واعتبارات، ولم يتركوا له سوى أي طريقة يسترد من خلالها أمواله، حتى ولو كانت خلافًا للقانون، وهذا الأداء له ما بعده في دولة حزب الله وجبران باسيل.

هذا التسارع الميداني يقابله أزمة حكم في لبنان مع مواقف يطلقها الرئيس ميشال عون وتلويحه المستمر بعدم الخروج من القصر إذا ما بقيت الحكومة الحالية لتصريف الأعمال، ما يفتح الباب على سيناريوهات كثيرة يجري ترويجها في الإعلام والمنصات، ما يفتح الباب هذه المرة على صدام مسيحي-مسيحي إذا ما أصر عون على التمركز في القصر وعدم تسليم البلاد للحكومة في ظل رفضه الإمضاء على مرسوم تشكيل حكومة جديدة، أو أقدم على خطوة أخرى غير محسوبة من قبل خصومه كتسليم البلاد للمجلس الدستوري أو تشكيل حكومة عسكرية، تتزامن مع نزول مناصري تياره إلى الشارع واستجلاب حقبة 1990 الشهيرة، ما يستدعي خطوات مقابلة لقوى مسيحية أخرى كالقوات والكتائب أو لخصومه التاريخيين نبيه بري ووليد جنبلاط.

هناك حلول يجري إعادة صياغتها وتحضيرها في عواصم عالمية وعربية حيال الملف اللبناني، والتي ترتكز على اتفاق الطائف وعدم المس بجوهره

والأداء العوني سبب في حالة التعاطي السلبي معه من قبل قادة المنطقة والعالم وتجلى ذلك عبر الإخفاق في تأمين مواعيد للرئيس على هامش الجمعية العمومية للأمم المتحدة ما أدى إلى إلغاء سفره إلى نيويورك، لأن الخط الفاصل الذي رسمته الدول المتابعة للملف اللبناني وتحديداً واشنطن وباريس والرياض والدوحة، ينطلق من ثابتة رئيسية وهي الحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار الداخلي الأمني والاجتماعي، وإبقاء الهيكل الأساسي لمنظومة الدولة اللبنانية. وبالتالي، فإنّ أي تجاوز لهذا الخط الأحمر الذي يهدد به عون وباسيل لفرض أمر واقع جديد على مستوى البنية والعقد الاجتماعي، سيُقرأ في إطار مشروع سياسي يتم فرضه على الجميع وليس في إطار التنافس الداخلي، لكن وفي المقابل هناك حلول يجري إعادة صياغتها وتحضيرها في عواصم عالمية وعربية حيال الملف اللبناني، والتي ترتكز على اتفاق الطائف وعدم المس بجوهره لكن إذا لزم الأمر لابد من إجراء بعض التعديلات الطفيفة عليه في ظل التحولات الإقليمية التي تقتضي ذلك وتحديداً في ظل مسارات مرتبطة بالاتفاق النووي والحرب الروسية في أوكرانيا والصراع المحتدم على الطاقة في المتوسط والعالم.

وعلى المستوى المحلي يجري النقاش حول سيناريوهات أخرى من الانهيارات التي ستتفاقم أكثر على وقع أحداث وأزمات مالية متعددة في المرحلة المقبلة واقتحامات المصارف إحداها، بالإضافة إلى حالة التداعي الحاصل على مستوى المؤسسات العامة وغياب الموظفين عن مراكز عملهم، وهناك من يتحدث عن تفلت اجتماعي وأحداث متنقلة، وكل هذه السيناريوهات ستلقي بثقلها على الأجهزة الأمنية والعسكرية، وبالتحديد الجيش اللبناني الذي تريد بعض القوى حشره وإضعافه لحسابات انتخابية.

وما بات مؤكداً أن الفراغ حاصل في الرئاسة وربما في الحكومة طالما أن عون متشبث بشكل الحكومة التي يريد فرضها على خصومه، وهذا الفراغ هو من سيجبر الجميع في لحظة ما للجلوس على طاولة نقاش برعاية دولية أو إقليمية للبحث عن تسوية، للاتفاق على مواصفات الرئيس واسمه وعناوين المرحلة التي ستأتي مستقبلاً مع الاتفاق النووي. فيما الحظوظ الأوفر ستكون ماتزال من نصيب قائد الجيش جوزيف عون، لا سيما أنه في حالة الفراغ لن يكون قائد الجيش بحاجة إلى تعديل دستوري، والجميع بات يدرك أن جوزيف عون اسم أكثر قدرة على جمع التناقض، فلا الحزب يجاهره العداء وينسق معه في ملفات متشابكة، والقوات اللبنانية حاضرة للذهاب نحو الخيار نفسه، فيما السعودية تدرك أنه خيار أنسب وهي أبلغت الفرنسيين أنه المرشح الذي في حال استعصت الحلول المدنية فلا بد من الذهاب نحوه.

وحزب الله وبكونه درة تاج إيران في المنطقة هو اللاعب الرئيسي في استحقاقات البلاد بات يعي جيداً التحديات والتحولات الإقليمية المتسارعة وعدم قدرته على التفرد بالحكم طالما أنه لا قدرة لإيران بضخ مليارات في الاقتصاد وهذا الأمر ليس جزءاً من أدبياتها، لذا فقد بات يعد حساباته على أساس هذا المبدأ، وهذه الحسابات تتجسد اليوم بعدم إعلانه عن مرشحه للرئاسة على الرغم من مساعيه لترويج سليمان فرنجية كمرشح وسطي، ومن هنا أيضا يمكن تفسير موقف رئيس التيار العوني جبران باسيل برفض السير بفرنجية والاستحصال على ثلث معطل في الحكومة التي يأسرها عون، وهذا الموقف بات يحرج حزب الله نفسه الذي يدرك أن الأزمات الاجتماعية والمالية والمعيشية باتت تشكل خطرا كبيراً وباتت تصيب كل مكونات الشعب اللبناني على رأسها البيئة الشيعية التي يحتكر تمثيلها مع الرئيس بري.

لبنان في حاجة إلى إنقاذ اقتصادي مصدره الوحيد ثلاثي عربي سعودي-قطري-كويتي.، والحزب يدرك أن هناك خلية ثلاثية خليجية تضم تلك الدول وهي تحضر دفتر شروطها للبدء في أي عملية إنقاذ مالي

 وكل ما حاول ترويجه عن بيئة شيعية متماسكة مالياً بات سراباً أمام الانفجارات الاقتصادية، حيث تنمو الفوضى ويرتفع منسوبها، وباتت عامل تهديد جدي للواقع الذي يمثله، ما يعني أنّ لبنان في حاجة إلى إنقاذ اقتصادي مصدره الوحيد ثلاثي عربي سعودي-قطري-كويتي.، والحزب يدرك أن هناك خلية ثلاثية خليجية تضم تلك الدول وهي تحضر دفتر شروطها للبدء في أي عملية إنقاذ مالي ومن هذه الزاوية يحلل البعض عملية التأخير في ملف الترسيم البحري مع إسرائيل.

لذا فإن كل هذه العوامل في حال لم يتنازل الحزب ستؤدي إلى تكثيف عوامل الضغط عليه، لا سيما أن نصر الله كان قد حذّر قبل فترة بأن حزبه يفضل الذهاب إلى خيار الحرب أفضل من الإذلال الذي يتعرض له اللبنانيون على أبواب الأفران أو المصارف أو محطات المحروقات. وخيار الحرب مع العدو أفضل من مشاهد الفوضى الاجتماعية الداخلية والاقتتال الداخلي، وعليه تبدو عوامل الضغط الداخلي بفعل الوقائع الاجتماعية أكثر إرباكاً لحزب الله، بالتزامن مع الضغوطات الجارية عليه لإنجاز الملفات العالقة.

وحزب الله والذي بات يخاف من الفوضى والاقتتال حريص على إبقاء القسمة المذهبية كما هي دون تعديلات في الوقت الحالي، لأن ذلك سيؤدي إلى انفلات أمني لن يكون أحد قادراً على ضبطه ولا على إيقافه بسرعة، وهو بات يريد عقد تسويات تشمل الرئاسة والحكومة، ذلك أنّ هذه التفاهمات سترعى المرحلة اللاحقة سياسياً واقتصادياً وأمنياً وهو يوحي لكل حلفائه وعلى رأسهم فرنجية الطامح أن المرحلة بحاجة إلى تفاهمات في ظل مناخ إقليمي مناسب ما يزال في حاجة إلى بعض الخطوات لكي يصبح جاهزاً، ولا يخفي حزب الله على المحيطين به أن تأجيل الاتفاق النووي لا يعني دفنه وهو يشير إلى أن واشنطن قرَّرت تدارك المصالح الإسرائيلية بتأجيل الاتفاق إلى ما بعد انتخابات الكنيست والكونغرس ومواكبة التطورات العسكرية الجارية في أوكرانيا، هنا سيصبح الظرف ملحاً ومناسباً للسير في الترسيم وتقاسم الغاز بين لبنان وإسرائيل.

فلننتظر!