icon
التغطية الحية

فورين بوليسي: الأمم المتحدة تساعد روسيا والنظام على قصف المعارضة

2019.08.20 | 16:08 دمشق

استهداف المراكز الطبية والمشافي في سوريا (إنترنت)
تلفزيون سوريا - ترجمة وتحرير ربى خادم الجامع
+A
حجم الخط
-A

على مدار عدة أشهر وكجزء من برنامج وقف الحرب السورية؛ قامت الأمم المتحدة بإرسال إحداثيات تحديد الموقع الجغرافي (جي بي إس) الخاصة بمرافق الرعاية الصحية في المناطق التي يسيطر عليها الثوار إلى الحكومة الروسية، وكان الهدف من ذلك ضمان عدم قيام روسيا أو حلفائها السوريين بقصف تلك المواقع بالخطأ.

بيد أن المنظومة لا تعمل، بل يبدو أنها تحقق عكس هدفها المعلن، إذ خلال الحملة العسكرية الأخيرة لحكومة النظام على إدلب، وردت تقارير حول هجمات نفذت على مرافق ومنشآت مدنية بلغ عددها 46، وذكر المجمع الطبي السوري الأميركي، الذي يعتبر شريكاً محلياً للأمم المتحدة في إدلب، استهداف ما لا يقل عن 14 منشأة طبية في إدلب موجودة ضمن قائمة الأمم المتحدة، ما يعني أن روسيا والنظام كانا على علم ودراية بمواقع تلك المنشآت والمرافق بالضبط عند قصفها لتلك الأماكن.

وفي الثلاثين من شهر تموز/يوليو الماضي، أجاز الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس فتح تحقيق حول الجهة التي قامت بقصف تلك المرافق، لاسيما تلك المنشآت التي من المفترض أنها تقع تحت حماية هيئة دولية. بيد أنه ينبغي على هيئة الأمم المتحدة أن تفكر بالتحقيق فيما إذا كان برنامجها الخاص بوقف النزاع يخدم بشكله الحالي أي غرض مفيد من أغراضها. وفي الوقت ذاته، مازالت المعلومات تصل لروسيا وحلفائها من قبل الأمم المتحدة حول مواقع المعارضة.

لم تكن تلك المرة الأولى التي يتم فيها استهداف المرافق التي تم تحديدها، إذ خلال شهر آذار/مارس ونيسان/أبريل من العام 2018، تم استهداف أربعة من تلك المستشفيات، وحول ذلك تحدثت سوزانا سيركين، وهي مديرة سياسات منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان، وهي منظمة دفاع مقرها الولايات المتحدة تعمل على تعقب الهجمات التي تستهدف البنية التحتية الطبية منذ بداية الحرب قبل ثماني سنوات، وقالت إنه من الواضح أن منظومة الأمم المتحدة لا تعمل، حيث عبرت عن ذلك بالقول: "مع فشل هذه الآلية فشلاً ذريعاً؛ يتعين على المرء أن يفكر في الحكمة والعبرة الكامنة وراء إرسال الإحداثيات إلى أي شخص كان".

بيد أن بعض المنظمات من تلك التي وافقت على إرسال بيانات ومعلومات حساسة لنظام بشار الأسد في سوريا وحلفائه، ومنهم روسيا، كانت تدرك مخاطر تلك العملية، غير أنها كانت تأمل أن تستخدم أية انتهاكات تنتج عن ذلك كدليل يخدم قضيتها. وحول ذلك يتحدث أحمد دعيبس، وهو موظف لدى اتحاد منظمات الرعاية الطبية والإغاثة، وتحالف المنظمات غير الحكومية في الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وغيرها من الدول، ذلك التحالف الذي ساعد على إدارة مرافق الرعاية الصحية للثوار، ويقول بأن قرار إرسال تلك البيانات اتخذ بعد تفكير ومداولات عسيرة للغاية.

ويعقب على ذلك بالقول: "كانت فكرة إرسال الإحداثيات مرفوضة كلياً في بداية الأمر، أي في عام 2015، ولكن بعد قيام الروس والنظام باستهداف المرافق الطبية بشكل ممنهج في حلب الشرقية، أدرك الجميع أنهم على اطلاع على تلك المواقع بفضل جواسيسهم، ولهذا فكرنا أنه بوسعنا أن نرسل الإحداثيات وأن نستخدم تلك القضية كدليل قانوني وأخلاقي أمام المحاكم والمنظمات الدولية، بشكل يثبت تعمد النظام والروس استهداف المرافق الطبية بعد الحصول على إحداثياتها".

وبدأ القصف الشرس على إدلب في التاسع والعشرين من شهر نيسان/أبريل الماضي وذلك عندما حاول النظام وحلفاؤه الروس استعادة معقل الثوار الأخير، فلم يكن أمام المدنيين والناشطين أي خيار آخر سوى أن يتمنوا على المجتمع الدولي أن يهب لنجدتهم، لكنه لم يفعل. وهكذا أصبح قرار إرسال مواقع مرافقهم الصحية إلى روسيا عبر الأمم المتحدة جزءاً من استراتيجية أتت وليدة اليأس الذي تمثل بالمخاطرة بالتعرض للقصف مقابل فضح الجناة على الأقل.

وهنا وصفت السيدة سيركين وهي تناقش نسبة نجاح منظومة وقف النزاع وصفت قرار الفاعلين المحليين بأنه مؤلم وفاجع وبأنه يمثل إجراء يائساً قطعاً.

وتتابع السيدة سيركين بالقول: "انطباعاتي تتلخص في أنهم أرادوا أن يظهروا للعالم أنه حتى عندما تعطي تلك المواقع، فلابد للحكومتين الروسية والسورية أن تقصفها بكل وقاحة، في انتهاك واضح للقانون الدولي".

فشل البرنامج

لعل هذه الاستراتيجية قد نجحت بدرجة ما في جعل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يركز انتباهه على كارثة إنسانية بدأت تتكشف يوماً بعد يوم، بيد أنه ليس كل من تأثر شارك طواعية في ذلك، إذ هنالك الطبيب الجراح ياسر السام في المشفى المركزي بمعرة النعمان، والذي رفض أن يقدم تلك الإحداثيات، لأن ذلك يزيد من فرص تعرض المشفى لهجوم حسب قوله، غير أنه استسلم بعدما تلقى تأكيدات وتطمينات بأن المشفى يقع تحت الحماية، ويعلق على ذلك بالقول: "لقد حصلنا على ضمانات بعدم تعرض المشفى لأي قصف، غير أنه استهدف، وكنت أعرف أن في ذلك خطأ كبير".

والآن هنالك شخصيات من بين أبرز المؤيدين الدوليين لبرنامج وقف النزاع أصبحت تتقبل قصوره ونقائصه، ومنهم مارك لوكوك، رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، تلك الهيئة التي أشرفت على سائر ترتيبات عملية وقف النزاع، إذ تحدث ذلك الرجل خلال الشهر الماضي مخاطباً مجلس الأمن حول فشل المنظومة قائلاً: "توصلت إلى نتيجة مفادها أنه في ظل الظروف الحالية، لم تكن عملية وقف النزاع مجدية أو فعالة"، بل حتى جان إيجلاند، المفاوض السابق لدى الأمم المتحدة فيما يتعلق بالشؤون الإنسانية في سوريا، والذي لعب دوراً حاسماً في التأسيس لوجود هيئة الأمم المتحدة هناك، تحدث إلى فورين بوليسي حول الهجمات على إدلب التي أثارت قلقه فقال: "أكثر ما أخشاه الآن هو أن يتعرض عدد أكبر من المشافي التي يشملها وقف النزاع للقصف في إدلب، إذ قد يشير ذلك إلى أن هذا البرنامج لم يعد يقدم أي حماية فعالة، وذلك أمر محزن ليس فقط بالنسبة لسوريا، بل لكل بقاع الأرض، إذ إننا نسبح أو نغرق في النزاعات مع أنه بوسعنا أن نوفر الحماية لأنفسنا بوصفنا حياديين ومستقلين".

أما حالياً، فيتمنى عدد كبير من الأطباء والناشطين المحليين الذين قدموا مواقع دقيقة حول المشافي والعيادات ألا يؤثر ذلك على سمعة الأمم المتحدة حتى تتمكن من تسليط الضوء على جرائم النظام، وذكر هؤلاء بأن قرار الأمين العام للأمم المتحدة القاضي بالتحقيق في هذه القضية يمثل فرصة مهمة لدفع العالم نحو الانتباه لمعاناتهم، على الرغم من ضعف ذلك الاحتمال. كما يأملون أن تضمن نتائج ذلك التحقيق في نهاية المطاف تعرض مرتكبي تلك الجريمة للمساءلة بسبب خرقهم للقانون الدولي.

النظام يعترف ضمنا

ومن جانبه، أنكر النظام وحلفاؤه استخدام بيانات الأمم المتحدة في هجماتهم، وفي كتاب صادر عن الأمم المتحدة خلال الشهر الماضي، ادعى سفير نظام الأسد في الأمم المتحدة بشار الجعفري بأن جميع مرافق الرعاية الصحية في محافظة إدلب احتلتها "المجموعات الإرهابية" وبأنها خرجت عن الخدمة، غير أنه لم يذكر سوى أربعة منها وهي المشفى المركزي بمعرة النعمان، ومشفى ابن سينا، والمشفى الوطني بإدلب، ومشفى جسر الشعور. ورأى البعض في رسالة هذا السفير اعترافاً بأن قصف المشافي "الخارجة عن الخدمة" والتي وقعت في قبضة المسلحين، أمر مبرر.

بيد أن الفاعلين المحليين يكذبون تلك التأكيدات، فبحسب ما أورده المجمع الطبي السوري الأمريكي فإن كل تلك المشافي الأربعة كانت ضمن قائمة الأمم المتحدة الخاصة بوقف النزاع، وجميعها قدمت أعمالاً إنسانية بشكل فعال وحصري. وحول ذلك تحدث باسل ترمانيني وهو نائب الرئيس السابق للمجمع الطبي السوري الأمريكي لفورين بوليسي كيف قامت منظمته بدعم مشفى معرة النعمان ومشفى ابن سينا بشكل مباشر، ورفضت مزاعم النظام حول احتلالهما من قبل "إرهابيين"، وقال: "لدى المجمع الطبي السوري الأمريكي قواعد صارمة، إذ لا نسمح بإدخال أي سلاح إلى المرافق والمنشآت، كما لا نسمح لأي مجموعة عسكرية بالتدخل في عملياتنا، وفي بعض الحالات القليلة التي حاولت فيها مجموعة عسكرية أن تتدخل بعملياتنا اليومية ضمن مرافق معينة، قمنا بتعليق العمل في تلك المرافق وهددنا بتعليق سائر عملياتنا في شمال غرب سوريا". أما صفوت خان شيخوني، وهو أمين سر مديرية الصحة بإدلب فقد ذكر بأن المشفى الوطني بإدلب قد تعرض لغارتين لكنه عاد بعدهما لمتابعة عملياته، ويقول: "إننا نديره بشكل كامل، ولا نخضع لأي تأثير من قبل أي مجموعة مسلحة".

ماالذي يمكن فعله؟

بيد أن السؤال المطروح الآن هو ما الذي يمكن أن تفعله الأمم المتحدة بوجود أدلة حول انتهاك روسيا النظام لبرنامج وقف النزاع الذي أصدرته الأمم المتحدة؟ وفي هذا السياق يدرك الناشطون بأن يدَي الأمم المتحدة قد تكبلتا في مجلس الأمن بسبب حق النقض الذي تمتلكه روسيا فيه، ومع ذلك يتمنون أن تقوم الأمم المتحدة بشيء ما لمحاسبة دمشق وموسكو عن جرائمهما.

وذكرت السيدة سيركين مديرة سياسات منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان بأنه من الواجب نشر نتائج تحقيق الأمم المتحدة على العلن. أما إيجلاند المبعوث السابق للأمم المتحدة، فذكر أنه في الوقت الذي قد لا تتمكن فيه المنظمة من رفع قضايا ضد الجناة أمام المحكمة، يمكنها بل يتعين عليها أن تستغل هذه الفرصة لتسمي هؤلاء الجناة لتقوم بفضحهم بالاسم. في حين يرى السيد ترمانيني بأنه يمكن القيام بالكثير من الأمور وهذا ما سيحدث في نهاية المطاف، وذكر أنه يجب تسليم تقرير الأمم المتحدة للآلية الدولية المحايدة والمستقلة التي تساعد في التحقيق في جرائم حرب أخرى في سوريا، والتي تشمل الاختفاء القسري، والتعذيب، والإعدامات الميدانية، وشدد على أنه يجب أن يتم التحقيق مع تلك الهيئة بهدف صياغة قضايا قانونية لمقاضاة الجناة مستقبلاً.

وختاماً، يبدو أن الفاعلين على الصعيد الإنساني على استعداد للقفز فوق العراقيل التي لابد وأن تتواجد عند أي محاولة لفضح روسيا والنظام، ولكن ولسوء الطالع، ثمة الكثير من الأسباب التي تدفعنا للاعتقاد بأن عملية الفضح تلك لن يكون لها كبير التأثير على الأسد وفلاديمير بوتين.

 

المصدر: فورن بوليسي