icon
التغطية الحية

شتاء سوريا الحزين..الفقراء في الظلام وقصور الميليشيات مضاءة

2019.02.07 | 19:02 دمشق

سيدة سورية تحمل خبزاً في أحد أسواق العاصمة دمشق(رويترز)
نور سعيد - دمشق - تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

"من يَهُنْ يسهُلُ الهوانُ عليه.. ما لجرحٍ بميتٍ إيلامُ"، قد يصفُ هذا البيت حالَ من يعيشُ من السوريّين في مناطق سيطرة النظام الآن، فالوضعُ المعيشي يزدادُ سوءاً رغم الوعود التي تقدّمها حكومة النظام بتحسين الواقع المعيشي، وتوفير مادتي الغاز والمازوت والحدّ من تقنين الكهرباء.

أنْ تكون سوريّاً يعيشُ في الداخل يعني أن تُنفقَ أيّامك بالركض خلف رغيف الخبز وجرّة الغاز، مع فقدان الأمل برؤية الكهرباء أكثر من 12 ساعة في اليوم في أغلب المناطق السوريّة.

مع نهاية عام 2018 عادت أزمة الغاز المنزلي لتطفو على السطح بقوّةٍ، حيث ظهرت بدايةً في اللاذقية وامتدّت بعدها إلى حلب ومن ثمّ إلى بقيّة المحافظات السوريّة، و أدّى نقص الغاز هذه المرّة إلى استهجانِ عددٍ كبيرٍ من مؤيّدي نظام الأسد الذين كانوا خلال أزمات الغاز السابقة يقبلون تبريراته بسيطرة "المسلّحين" على حقول النفط والغاز، أمّا الآن وقد استعاد الجزء الأكبر من تلك الحقول وبسط سيطرته على معظم الأرض السوريّة فلا مبرّر له بالنسبة لهم.

أزمة الغاز السوري ليست وليدة الحرب كما يروّج إعلام النظام، بل هي قائمة قبلها بسنوات، حيث سُجِّلت سوريا عام 2008 بمراتب متأخّرةٍ عربيّاً

"حقول النفط ورجعت، انتصار عسكري وانتصرنا.. وين الكهربا والغاز؟!!"، يتساءل أمجد وهو ينتظر دوره في طابور الغاز في مدينة جرمانا بريف دمشق، ويتابع "بعدين يعني ليش لناس وناس! مافي أزمة غاز بالمالكي وأبو رمانة والكهربا ما بتقطع عندن، ليش بتقطع عنا؟!!" في إشارةٍ منه إلى التمييز الواضح في سياسة التقنين التي يتبعها النظام بين الأحياء السكنية الراقية كالمالكي والأحياء الشعبية التي يقطنها الفقراء المعدمون وماتبقّى من الطبقة الوسطى الآخذة بالتلاشي في سوريا.

وأزمة الغاز السوري ليست وليدة الحرب كما يروّج إعلام النظام، بل هي قائمة قبلها بسنوات، حيث سُجِّلت سوريا عام 2008 بمراتب متأخّرةٍ عربيّاً وهي من أضعف عشر دولٍ عربيّةٍ في إنتاج الغاز الطبيعي، وبلغت كمّية الغاز المنتج في سوريا عام 2011 حوالي 21 مليون متر مكعب يومياً، بينما انخفضت بشكلٍ تدريجيٍّ في الأعوام التالية حتّى 8.2 مليون متر مكعب فقط، وسجّلت ارتفاعاً عام 2018ب 16.5 مليون متر مكعب، وذلك مع عودة سيطرة النظام على حقول الغاز وظهور حقولٍ جديدةٍ اكتُشفت خلال سنوات الحرب في المنطقة الوسطى وشمال دمشق.

ولكنّ ذلك ليس كفيلاً بتغطية احتياجات الداخل السوري من الغاز، وبحسب وزارة النفط والثروة المعدنيّة في سوريا "فإنّ حاجة سوريا من الغاز المنزلي هي 1200 طن يوميّاً يُنتَج منها 30% محليّاً ولكن هذه الكمية لاتغطّي حاجة السوق فيتم تعويض الفارق من خلال استيراد الكمّيّات المتبقية والتي تقدّر بحوالي 70% ".

وقد تحوّلت سوريا في السنوات الأخيرة إلى مستوردٍ صاف للمشتقّات النفطيّة، فمع بدء الثورة عام 2011 وصدور قرارات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية بالحظر على الاستثمار وعلى الصادرات من الخام السوري بالإضافة إلى الواردات من المشتقّات النفطية، انسحبت الشركات العربية من سوريا وأغلقت آبارها، وانسحبت كذلك شركات "شل" الهولنديّة و"توتال" الفرنسية و"بتروكندا" الكندية و"أينا" الكرواتية، ليبدأ الإنتاج بعدها بالتراجع.

ويعتمد نظام الأسد على ناقلات النفط الإيرانية التي ترد إلى سوريا مقدّمةً عبر الخط الائتماني الإيراني، حيث لا سيولة كافية لدى النظام لشراء الغاز من دولٍ أخرى، وتأتي العقوبات الأميركية على إيران، وعلى النظام لتفاقم من مرارة الواقع الذي يعيشه السوريّون في مناطق النظام، فمع تأخّر وصول ناقلات النفط والغاز الإيرانية يزداد الشتاء السوري برداً وعتمةً.

فالمتضرّر الأوّل والرئيسي هو المواطن السوري البسيط الذي لا يملك ثمن مولّدة كهربائية تعمل على البنزين، ولا يملك حتّى ثمن جرّة الغاز في السوق السوداء والتي يصل سعرها حتّى 8000 ليرة سوريّة، علماً أنّ سعرها النظامي هو 2650 ليرة سورية، وأمّا قصور رموز النظام وميليشياته فتبقى مضاءةً تنعم بالدّفء ليلاً نهاراً.

ويتشدّق حمودة الصباغ رئيس مجلس الشعب التابع للنظام بأن لا أزمة غازٍ في سوريا، ولكنّ الأزمة يفتعلها المحتكرون! طبعاً إنّ احتكار الغاز يساهم في زيادة معاناة المواطن للحصول على جرّة الغاز، ولكنّه ليس السبب الرئيسي في أزمة الغاز!

ولحلّ هذه الأزمة تتأتّى الحلول العظيمة من رؤوس جهابذة حكومة النظام عبر دورياتٍ مرافقةٍ لشحنات الغاز تتبع للإدارة العامّة للجمارك للإشراف وتأمين توزيع الغاز عقب منحها صلاحيّاتٍ واسعةً من مجلس الوزراء ووزارة المالية، ليصبح هنالك لصٌّ "شرعيٌّ" جديدٌ في قائمة لصوص الغاز التي تبدأ بالموزّع المعتمد والذي غالباً ما يكون ذا منصبٍ حزبيٍّ في حزب البعث في منطقته، والذي يخبّئ أكثر من نصف أسطوانات الغاز التي تصله، ليبيعها لاحقاً في السوق السوداء باتفاقٍ وتغطيةٍ من بعض التجار والعناصر الأمنيّة.

وتأكيداً على فكرة الفساد واللصوصيّة القائمة في توزيع الغاز يقول أبو أحمد من سكّان حي الكبّاس في الدويلعة "أول مبارح وقدام عيني وصلت 50 جرة غاز ع الحارة، المختار أخد 10 جرات والدفاع الوطني أخدوا 20 جرة، وتركوا الناس يتناتفوا ع 20 جرة الباقين".

إلى الآن لم يخرج مسؤولٌ واحد مخاطباً الشعب ومعتذراً منه عن التقصير! وفوق ذلك يتهمون من يعبّر عن غضبه على الفيسبوك بأنّه مُدار من الخارج

تقول أم عدنان من سكّان حي الزاهرة في دمشق والتي فقدت زوجها وابنها في الحرب حيث كانا يخدمان في جيش النظام، وابنها الثاني يعمل عاملاً في ورشة بناء ولا يعود حتّى ساعةٍ متأخّرةٍ من المساء "والله رح يصرلي أسبوعين رايحة جاية بهالجرة الفاضية، وكل مرة بيوعدونا بعد يومين.. من كم يوم وزّعوا بس ماوصّل الدور لعندي، قرفنا هالعيشة، لاغاز لاكهربا لامازوت، كيف بدنا نعيش، والله الموت أرحم."

وبصوتٍ خافت تهمس سمر والتي تعمل مدرّسة في إحدى ابتدائيات دمشق"أحياناً أفكّر أنّهم لو يعاملوننا باحترام لما تأفّفنا من الوضع، إلى الآن لم يخرج مسؤولٌ واحد مخاطباً الشعب ومعتذراً منه عن التقصير! وفوق ذلك يتهمون من يعبّر عن غضبه على الفيسبوك بأنّه مُدار من الخارج!!.. أنا أخي انقتل بمعارك حلب وابني فقد إحدى قدميه في داريا فما حدا يزاود علينا بالوطنيّة!.. وبغض النظر عن سبب عدم وجود الغاز، أليست روسيا داعمة لنا؟ لماذا إذن لا تمدّنا بالغاز؟!! لماذا لاترسل لنا الغاز بدلاً من السلاح بعد الانتصار الذي تحقق؟".

وفي محاولةٍ من حكومة النظام لتجاوز العقوبات المفروضة على استيراد النفط والغاز، كشف مدير عام شركة محروقات دمشق "سادكوب" الموالي للنّظام عن إبرام عقودٍ مع شركاتٍ خاصّةٍ لاستجرار الغاز المنزلي عبر البر من لبنان، ولم يفصح عن اسم الشركات التي تمّ إبرام عقودٍ معها لتوريد الغاز المنزلي من لبنان ولكنّه أشار إلى أنّها شركات أجنبيّة لبنانية، في محاولةٍ منه على ما يبدو لإبعاد الشبهة عن شخصيّاتٍ سوريّةٍ مقرّبةٍ من النظام تسعى للاستفادة من أزماتٍ كهذه، لزيادة أرصدتها المكدّسة في البنوك على حساب الشعب السوري الذي بات أكثر من 70% منه يعيش بفقرٍ مدقعٍ لا تجد معه حتّى ثمن رغيف الخبز.

يقول علاء الموظف في إحدى الدوائر الحكوميّة في دمشق والذي يعمل سائقاً لسيارة أجرة بعد الضهر"لا ندري بوصول الغاز إلّا بعد توزيعه، مع العلم أنّي سجّلت اسمي على الدور منذ أكثر من أسبوع، ولكن الموزع يعطي أقاربه أولاً ومن يدفع له "إكرامية"، ثم يقول لنا خلصنا اليوم، للمرّة الجاية، ويخاطبنا وكأنّنا نتسوّل منه، لا غاز لا كهربا لا مازوت، وبالآخر بيطلبونا احتياط!!.. يريدون تطفيش من تبقّى من الشباب في البلد."

وتقول ديمة من مصياف والمقيمة في دمشق "برأيي أنّ أزمة الغاز ليست حقيقيّة بل هي مفتعلة قصداً من الحكومة ضمن سياسة الإلهاء التي يتبعها النظام بشكلٍ دائمٍ بهدف إبقاء السوريين منشغلين دائماً بأساسيات الحياة من غاز وماء وكهرباء وخبز، ولصرف تفكيرهم عن الأمور المهمّة التي يجب أن تحدث من ثورات وتغييرات سياسية، وبالأخص في هذه المرحلة التي ستشهد متغيرات مهمّة جدّاً على الصعيد الداخلي والإقليمي والتي سترسم مستقبل سوريا لعشرات وربّما مئات السنين القادمة، والأفضل له في هذه الحالة هو عدم وعي السوريين لما يحصل أو مشاركتهم فيه فيبقيهم منشغلين بقوت يومهم وبرد شتائهم الطويل، وكذلك لخلق حالة من الإذلال والقهر لديهم بحيث يصبح الذل هو الشكل المعتاد للحياة اليومية، فمشهد العشرات في طوابير الغاز من نساء وأطفال ومسنّين يستجدون جرّة غاز هو مشهد لا إنساني ويخلق حالةً عامّةً من البؤس والقهر، عداك عن الإمعان في سياسة الإفقار والتجويع، فالغاز أساسي لطهو الطعام وخاصّة بالنسبة للعائلات ذات العدد الكبير من الأفراد والتي لاقدرة لها على شراء الطعام الجاهز من السوق ولا يكفيها الاعتماد على الحواضر."

تستمر محاولات النظام الفاشلة عبر إعلامه المنافق بالتصغير من حجم المصيبة التي يعاني منها الشعب السوري بسبب انهيار الاقتصاد وتراجع الليرة السورية بشكلٍ كبير والفساد الذي لايزال يزداد ويتفشّى حتّى صُنِّفت سوريا في مقدّمة الدول من حيث مؤشّر الفساد فيها، حتّى أنّ مؤيّديه ضاقوا ذرعاً به وبدؤوا يحتجّون بخجلٍ على الواقع المرير الذي يعيشونه.