دمنا الرخيص

2018.10.17 | 00:10 دمشق

+A
حجم الخط
-A

شعوباً وأفرادا.. ما زالت أسهم دمنا العربي تتهاوى في بورصة المصالح؛ مصالح النظام العربي الرسمي والنظام العالمي المتواطئ معه.

وتشير قضية الكاتب الصحفي السعودي المغدور جمال الخاشقجي إلى أنَّ الدم العربي أصبح مهدوراً وبلا وليّ، فخصوم وليّ الدم المُفترض -في هذه القضية- تقمّصوا دوره، في حوار بدا بعيداً كل البعد عن المضمون الإنساني والقانوني الذي يُفترض هنا أن يكون وحده الحاكم والمرجع، ليستحيل دم الرجل مادة خصومة بين أطراف النزاع الخليجي وأشياعهم من العرب والعجم، حتى شركات تصنيع الأسلحة دخلت على الخط، وصار همُّ كثيرين التخلص بأقل الأضرار السياسية والاقتصادية من الجريمة وتبعاتها، غير مكترثين بحياة إنسان أُزهقتْ ولا بتبيان حقيقة ما حدث بشكل مجرد، لنعود -كما اعتدنا- من محاولة اكتشاف الحقيقة باكتشاف ضعفنا وعجزنا وهوان دمنا على الناس. 

ولا يمكن بحال من الأحوال الفصل بين دم جمال المهدور ودماء المُستضعفين الذين انحاز لهم وتبنّى ربيعهم، من شمال سوريا إلى جنوب اليمن، وكما أنّ صفقة عُقدت أو ستُعقد لتعمية حقيقة تغييب الرجل، فإنّ صفقات أضخم تُبرم سرّاً وعلانية لبيع دماء نصف مليون سوري على الأقل، وثّقت كاميرات العالم مَقاتلهم وتعذيبهم ودفنهم أحياء وتصفيتهم في المعتقلات/المسالخ، وما زالت الأمم المتحدة تستقبل مندوب مجرم العصر الكيماوي كـ ممثل شرعي لحكومة شرعية، وما زالت دول كثيرة تختبئ وراء مزاعم "الحرب الأهلية" لتساوي بين "طرفي الصراع" وتجعل السوريين في القتل سواء، وبالتالي يضيع دم القتلى بين الفرقاء ويُكتفى بتسمية الجريمة دون تحديد هوية منفذها. 

النظر إلى القتلى/الشهداء كـ أرقام وسلع قابلة للمساومات؛ يكفي وحده للكفر بهذا النظام العربي والعالمي

إن النظر إلى القتلى/الشهداء كـ أرقام وسلع قابلة للمساومات؛ يكفي وحده للكفر بهذا النظام العربي والعالمي الذي جعل من المواطن في بلداننا مجرد رقم في إحصاءات الناخبين أو في عدادات الموتى، ففي عالم الأمومة والأبوّة كل طفل هو عالم قائم بذاته واستمرارية تنعدم إمكانية الحياة بانعدامها، هكذا يجب أن ننظر إلى مشاعر من فقدوا أبناءهم مؤخراً في مخيم الموت "الركبان" حيث يحاصرهم "الأسد" وتمتنع عنهم نخوة الجار الذي بدل أن يجيرهم؛ ضخّ الحياة في شرايين قاتلهم ومنحه "نصيباً" لشهيق عميق، وكذلك سيفعل الجيران الآخرون الذين يرون ضرورة إعادة القاتل إلى محيطه العربي، لينصّبوه عميداً على مجمع الطغاة. 

وفي قضية جمال وقتلانا/شهداؤنا الذين توقفت منظمات الأمم المتحدة المعنية حتى عن إحصائهم، تحضرني قصة الباحث الإيطالي جوليو ريجيني، الذي عُثر عليه مقتولاً في القاهرة مطلع شباط من العام 2016، وماذا فعل "أولياء الدم" كُرمى كشف حقيقة موت مواطنهم، حيث تم تجميد العلاقات الإيطالية المصرية، واستخدمت روما - وما زالت- كل ضغط ممكن وأحرجت السلطات المصرية في محافل العالم السياسية والحقوقية، إلا أن الأبلغ في القصة والذي يجب أن يتوقف عنده كل عربي مطرقاً منكسراً هو قول والدة ريجيني: "عذبوه وقتلوه كما لو كان مصرياً"!!