icon
التغطية الحية

دماء تسيل من تحت الأبواب.. مجزرة تدمر بعيون أحد شهودها

2019.06.27 | 15:06 دمشق

مكتب أحد مسؤولي النظام في سجن تدمر التقطها عناصر التنظيم (إنترنت)
تلفزيون سوريا - سامر قطريب
+A
حجم الخط
-A

لبعض المعتقلين السوريين في سجون النظام تاريخان للولادة؛ الأول هو التاريخ المسجل في الهوية الشخصية، أما تاريخ الولادة الثاني فهو يوم نجاتهم من الموت في معتقلات الأسد.

يروي المعتقل السابق في سجون النظام خالد العقلة لـ موقع تلفزيون سوريا تفاصيل مجزرة سجن تدمر، والتي ارتكبها النظام في 27 من حزيران عام 1980.

بعد اعتقال دام 26 عاما هجر قصف طائرات النظام وروسيا خالد العقلة من منزله في قرية خيارة التابعة لمدينة معرة النعمان في ريف إدلب، إلى مزارع الزيتون في محيط المدينة.

ويقول "العقلة" لـ موقع تلفزيون سوريا إنه اعتقل عام 1978 بسبب انتمائه لحزب البعث فرع العراق، وأطلق سراحه عام 2004، بعد أن شهد مجزرة سجن تدمر الذي يعتبره تاريخ ولادته الجديد، ويضيف " يوم 27 من حزيران يوم صعب أتذكر لحظات المجزرة وفي أحلامي أشاهد ما جرى وما شاهدت بأم عيني".

 

سجون مكتظة بالمعتقلين

بعد بدء حملات الاعتقالات في صفوف الإخوان المسلمين عام 1980 اكتظت السجون في العاصمة دمشق بالمعتقلين،  ويضيف العقلة"كنا معتقلين في عدة فروع أمنية في كفرسوسة والمزة وباقي الفروع قبل ترحيلنا إلى سجن تدمر، كان ننتمي لعدة أحزاب سياسية مثل حزب التحرير الإسلامي وفصائل ماركسية مثل اتحاد الشغيلة و رابطة العمل والشيوعي وماركسيون إضافة إلى الإخوان المسلمين".

اعتقد المعتقلون أن عملية الترحيل جاءت بسبب اكتظاظ السجون وبدأت عملية نقلهم إلى سجن تدمر بتاريخ 15من أيار 1980. ليتضح لاحقا أن عملية الترحيل كانت بهدف تصفية المعتقلين السياسيين بالمحاكم الميدانية أو قتلا، كما يقول العقلة.

ويتابع "بعد وصولنا لسجن تدمر ضمت أول قافلة 80 معتقلا، 26 منهم ينتمون للقيادة القومية لحزب البعث في بغداد، والباقي أعضاء في الإخوان وقيادات منهم الدكتور"إبراهيم العاصي" وقيادات من الكبار في العمر تم اعتقالهم بعد حادثة مدرسة المدفعية في حلب".

 

التحضير للمجزرة

وزعت عناصر الشرطة العسكرية في سجن تدمر المعتقلين في المهاجع وفصلوا الإخوان المسلمين عن باقي المعتقلين في المهجعين 18 و19، بالباحة الرابعة في حين دخل "العقلة" ورفاقه إلى المهجع رقم17 في.

لم يكن يتخيل أحد من معتقلي سجن تدمر أن صباح 27 من حزيران سيكون يوما داميا سيغير حياة كثيرين مهم، وسيفقدون فيه رفاقا كثر.

ويتابع العقلة "في صباح 27 من حزيران الذي أعتبره تاريخ ولادتي لم يكن لدينا فكرة أنهم سيقوم بتصفيتنا بدون محاكمة، لماذا نُعدم لأننا معتقلو رأي!".

قبل شهرمن ارتكاب المجزرة جرت العادة على أن يتفقد عناصر الشرطة العسكرية المعتقلين عندما يتم تبديل المناوبات بعد الساعة 2 ظهراً.

إلا أن ذلك الروتين اختلف يوم المجزرة بحسب العقلة، يوماه بدأت عملية التفقد قرابة الساعة الثامنة صباحا، ووقف كل خمسة معتقلين بجانب بعضهم، وتم عدّهم من دون ذكر أسمائهم، كنا أرقاماً يقول خالد العقلة.

"دخل علينا كادر الشرطة العسكرية مع النقيب بركات العش ومعه ضابط يرتدي زيا عسكريا مموها يرتديه عادة عناصر الوحدات الخاصة وسرايا الدفاع".

"كان بيده دفتر وقلم سجل أسماءنا كنا 26 معتقلا فرزنا لوحدنا وسألنا هل يوجد أحد منكم في الخارج؟ لم نفهم السؤال خرج الضابط وأغلق الباب".
 

دماء تسيل من تحت الأبواب

ذهب الضابط والعناصر بعدها إلى المهاجع الثانية وقاموا بعدّ المعتقلين هناك دون ذكر أسمائهم وتركوا أبواب المهاجع مفتوحة، وكان من عادة عناصر الشرطة أن يرغموا المعتقلين على إدارة وجوههم نحو الحائط.

ويشير العقلة إلى أنه بعد نصف ساعة دخلت مجموعة من الجيش إلى الباحة الثالثة، " كنا نشرف عليها من الشبابيك..عادة يخرج المعتقلون إلى الباحة حفاة، لكن هذه المرة سمعنا صوت الأحذية العسكرية في أرجاء السجن، لقد كان العدد كبيرا بعدها سمعنا صوت تلقيم الأسلحة".

"كان التعجب والخوف يعلو وجوهنا لم نفهم ما القصة لم يخطر ببالنا أن يقتلونا، صرنا ننصنت من النوافذ لعملية توزيع المعتقلين بدون صوت".

عند الساعة التاسعة وقف رقيب أمام باب المهجع الذي يوجد فيه العقلة ورفاقه، وبدأت المجزرة في الباحة الثانية ورمى عناصر الشرطة العسكرية قنابل في المهجعين 5 و6 و بدأ إطلاق النار داخل السجن.

الناس قتلت بلحظة واحدة يقول العقلة؛ "ابتعدنا عن الباب كان معنا شخص أعدم لاحقا اسمه عبد الفتاح الناطور قال ياشباب دعونا نموت قرب الباب.. طلبنا العفو من بعضنا أدركنا أن الموت أصبح قريبا منّا".

"كان الرقيب يتلذذ بمنظرنا يفتح شباك الباب ويغلقه مرارا ظننت أن الباب يفتح وجاء دورنا للتصفية لم نكن نصدق ما يجري".

"بدأت الدماء تسيل من تحت الأبواب، الباحة كانت صغيرة والمهجعان 11 و12 ممتلئان بالمعتقلين، وتجمعت الدماء بارتفاع 20 سم في صحن الباحة".

 

معتقلات لحماية إسرائيل

يذكر العقلة في حديثه لموقع تلفزيون سوريا رفيقا فلسطينيا اعتقله النظام في دمشق، يدعى وليد صوباني كان من أعضاء الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بقيادة الراحل جورج حبش، كان صوباني يتحدث عدة لغات ومدربا على اختطاف الطائرات الإسرائيلية أو التي تتعامل مع إسرائيل، بهدف طلب فدية والإفراج عن المعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلي.

اعتقل نظام الأسد صوباني الذي كان يتنقل متخفيا عام 1976 عندما كان يحاول الحصول على تذكرة سفر"فيزا" لإحدى الدول، ونقلوه إلى سجن تدمر حيث شهد المجزرة.

ويروي العقلة نقلا عن صوباني أن الأخير في إحدى عمليات اختطاف الطائرات هبط في مطار دمشق للتزود بالوقود، حيث طلب منه النظام الإفراج عن الرهائن مقابل تأمين طلباته، وكان وقتها ناجي جميل رئيسا لـ مكتب الأمن القومي وعلي دوبا ضابط الأمن سيء الصيت، ورد صوباني بأن طلباته تهدف للضغط على الاحتلال الإسرائيلي وهي أكبر من أن ينفذها نظام الأسد، الذي فشل في منع الطائرة من التحليق ومغادرة مطار دمشق، ويشير العقلة إلى أن نظام الأسد كان منذ وصوله للسلطة في سوريا الحامي الأول لإسرائيل.

رفض خالد العقلة ابن 71 عاما الخروج من البلاد بعد اندلاع الثورة، وهو يعتبر بقاءه تحت أشجاز الزيتون مع غيره من المهجرين نضالا ضد آل الأسد وحلفائه، لـ يصبح بذلك ذاكرة تروي تاريخ سوريا الأسود منذ وصول الأسد الأب إلى السلطة.