"الأسد أو نحرق البلد" على طريقة جيمي كارتر

2018.09.07 | 00:09 دمشق

+A
حجم الخط
-A

تحت عنوان "سلامٌ قبيح في سوريا أفضل من حرب أخرى"، كتب الرئيس الأمريكي السابق ومؤسس مركز كارتر للأبحاث، جيمي كارتر، مقالًا يتحدث فيه عن وجهة نظره في "الأزمة السورية"، سعى من خلاله لإقناع الرأي العام أن الحل في سوريا يكمن في التوصل إلى اتفاق سلام بأي طريقة، محذرًا أن البديل هو حربٌ جديدة.

لأن الرئيس الأمريكي السابق والدبلوماسي ذا الخبرة الكبيرة، يدرك تمامًا أن الترويج لإعادة الشرعية للأسد ونظامه تحت ذريعة "السلام"، قد يُضر بسمعته وتاريخه ويضعه في صف المدافعين عن الأنظمة القمعية، فقد أوجد مصطلحًا جديدًا لهذا "السلام"، مطلقًا عليه وصف "السلام القبيح"، مخيرًا الرأي العام بينه وبين "العنف المتواصل، ودولة فاشلة لعقود مقبلة في قلب الشرق الأوسط" بحسب تعبيره.

وبين هذين الخيارين، بدأ كارتر في حملة علاقات عامة للترويج للخيار القائم على الاعتراف بالأسد وحكومته، على أنه الحل الوحيد المتاح في سوريا الآن، بل ذهب كارتر أبعد من ذلك،

من السذاجة اعتبار أن هذا المقال هو في حدود طرح كارتر لوجهة نظره فقط، بل إن المكان والزمان الذي قُدم فيه، يضع العديد من علامات الاستفهام.

مطالبًا بإعادة العلاقات الدبلوماسية وافتتاح السفارات في دمشق، والمشاركة في إعادة الإعمار، حتى عندما أراد التذكير بدعوات الغرب للتغيير والإصلاح، دعا أن تكون هذه الدعوات "معتدلة".

من السذاجة اعتبار أن هذا المقال هو في حدود طرح كارتر لوجهة نظره فقط، بل إن المكان والزمان الذي قُدم فيه، يضع العديد من علامات الاستفهام، فهو اختار صحيفة النيويورك تايمز، واسعة الانتشار والمتابعة عالميًا وداخل المجتمع الأمريكي على وجه الخصوص، واختار الزمان الذي يقف فيه الشمال السوري على حافة هجمة عسكرية لقوات النظام وداعميها الروس، كما أن التحذيرات من استخدام الأسلحة الكيماوية قد تصاعدت بشكل ملحوظ خلال الأيام القليلة الماضية، مع تصاعد موازي للحديث عن ضربة عسكرية قد توجهها عدة دول في حال استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية، دون أن ننسى تلميحات كارتر لإيديولوجيا المعارضة في محافظة إدلب والتي " تختلف في توجهاتها بين الجماعات العلمانية والجهادية المرتبطة بالدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة وغيرها من الجماعات المتطرفة العنيفة"، كما وصفها.

يحاول كارتر من خلال مقاله، حشد الرأي العام الغربي للوقوف خلف استعادة الأسد وحلفائه لسيطرتهم على شمال سوريا، ليست المناطق الخاضعة للمعارضة فقط، بل أشار إلى ضرورة حشد موقف دولي لاستعادة الأراضي التي فرضتها تركيا كمناطق آمنة في محافظة حلب، متجاهلًا بشكل غريب المناطق الخاضعة لسيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" المدعومة أمريكيًا، مكتفيًا بالإشارة والإشادة بمفاوضات الأكراد مع النظام السوري، دون أي حديث عن مصير هذه المناطق مستقبلًا.

هذا التحشيد الإعلامي، استخدم فيه كارتر أسلوب "التخيير بين البعض لا الكل"، أي أنه وضع القارئ أمام خيارين صاغهما بنفسه، وحجب ما تبقى من خيارات لا يريد للقارئ أن يعلم بوجودها أصلًا، لم يكتفي بهذا فقط، بل صاغ العبارات والجمل التي استخدمها بطريقة تدفع القارئ لاختيار ما أراد له الكاتب أن يختاره.

في الخيار الأول دعا كارتر إلى "السلام القبيح"، وفي الخيار الثاني حذر من العنف والفشل الذي جعله عابرًا للحدود إلى عموم الشرق الأوسط، المنطقة التي لا يعرف الرأي العام الأمريكي عنها إلا تواجد إسرائيل في قلبها، وبالتأكيد فإن أمن إسرائيل ومحيطها في سلم الأولويات الغربية، وبين الدعوة والتحذير وأمام استخدام هكذا مصطلحات، لا يملك القارئ إلا أن ينحاز مع الخيار الذي أراده كارتر.

لماذا لم يقدم الرئيس الأمريكي السابق، خيارات أخرى للقارئ؟ لماذا دعا إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية مع الأسد قبل أي حديث عن العدالة الانتقالية في سوريا؟ لماذا قدم النظام بوصفه الطرف الضامن للسلام والمعارضة هي المسبب في استمرار الحرب؟ رغم أن المعارضة كانت المبادرة بالالتزام في عديد المبادرات الداعية إلى السلام والتي كان آخرها مناطق "خفض التصعيد"، التي أجهز عليها النظام الواحدة تلو الأخرى،

أكثر ما يثير السخرية فيما قدمه كارتر، قوله إن "تحديد المسؤولين عن الكارثة في سوريا سيكون جزءا هاما من العلاج بعد الحرب، لكن الأولوية الآن يجب أن تكون لإنهاء هذه الحرب".

لماذا أسقط كارتر الأمم المتحدة من المعادلة وتغاضى عن كل ما طرحته من قرارات وبيانات طوال السنوات الماضية والتي حددت في كثير منها الحلول العقلانية لإنهاء العنف في سوريا؟ ليخرج علينا بحل جديد يفرض التعامل مع الأسد باعتباره الحل الوحيد.

أكثر ما يثير السخرية فيما قدمه كارتر، قوله إن "تحديد المسؤولين عن الكارثة في سوريا سيكون جزءًا هامًا من العلاج بعد الحرب، لكن الأولوية الآن يجب أن تكون لإنهاء هذه الحرب"، هل فعلًا مازال كارتر يجهل المسؤولين عن الكارثة في سوريا؟ هل مازال الرئيس الأمريكي السابق يجهل أسماء مسببي الدمار والفوضى والقتل في سوريا؟ ألا يعلم لماذا شنت حكومته الأمريكية هجومين عسكريين على النظام وتهدد بالمزيد؟ أم أنه يدعو إلى تجاهل هؤلاء المتسببين والتغاضي عن كل ما مضى؟

باختصار، يمكنني أن ألخص لكم ما قدمه كارتر في مقاله، في جملة واحدة فقط: "الأسد أو نحرق البلد"، هذا هو التخيير الذي قدمه الأسد قبل أكثر من سبعة أعوام للشعب السوري، ويقدمه كارتر اليوم للعالم كله، لكن بتغيير بسيط في المصطلحات، فالأسد هو "السلام القبيح" الذي يُراد للرأي العام الاستعداد للقبول به والتعامل معه، وربما الشعور بالسعادة لذلك، وإلا فإن الخيار الآخر هو أعوام أخرى يُحرق فيها ما تبقى من البلد.