إيران أمام حرب الوجود.. والثمن سيدفعه الأسد

2019.04.25 | 00:04 دمشق

+A
حجم الخط
-A

لا ينفصل الضغط الأميركي المستمر على طهران، عن إجراءات سياسية وعسكرية لتحجيم نفوذ إيران في المنطقة. سوريا ستكون الساحة الأبرز لمقارعة النفوذ الإيراني، والبوادر من الدوائر الغربية تفيد بما يحضّر لطهران، وتعمل واشنطن منذ مدة على بلورته مع دول متعددة بينها إسرائيل وروسيا.

منذ قمة هلسنكي بين الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين، كان هناك توافق روسي أميركي على تقليم الأظافر الإيرانية في سوريا. وتأتي العقوبات الأميركية المستمرة على إيران وحلفائها في إطار السلسلة نفسها من هذه المواجهة التي تخوضها واشنطن وتفضّلها على الخيارات العسكرية التي قد تكسب إيران تعاطفاً شعبوياً.

منذ قمة هلسنكي بين الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين، كان هناك توافق روسي أميركي على تقليم الأظافر الإيرانية في سوريا

وإذا ما كان العام 2017، هو عام مواجهة تنظيم داعش والقضاء على الإرهاب، فقد كان واضحاً أن العام 2018 سيكون عام مواجهة إيران وضرب نفوذها في المنطقة، فاتخذ ترامب قراره بالانسحاب من الاتفاق النووي ودخل مرحلة جديدة من الضغوط على طهران، واضعاً أمامها 12 شرطاً لتنفيذها وإلا العقوبات ستستمر.

بموازاة العقوبات الأخيرة والتي ستدخل حيز التنفيذ في الأسبوع الأول من شهر أيار المقبل، فإن الصادرات النفطية الإيرانية ستصبح بحكم المنعدمة وهذا ما سينعكس سلباً على قدرة إيران في توفير المساعدات المالية لجماعاتها في المنطقة، والحفاظ على قوة نفوذها على الأراضي السورية.

وترتبط العقوبات الأميركية بمسار سياسي جديد تقوده واشنطن، يتعلق بقطع الأوصال الإيرانية بين طهران وكل من العراق وسوريا ولبنان، ولذلك فإن الأنظار ستتجه في المرحلة المقبلة إلى مناطق شرق الفرات وعلى طول الحدود السورية العراقية، لترقب عمليات ستتعرض لها القوات الإيرانية هناك، لأن غاية واشنطن هي محاصرة طهران في الميدان، بالتعاون مع قوى عديدة، وبالاستفادة من غطاء روسي، خاصة أن موسكو تلاقي منافسة إيرانية على مناطق النفوذ.

من المفترض أن العقوبات الأميركية وتشديد الحصار، ورفع شعار إخراج إيران من سوريا، أن ينطوي على تحضير خطة بديلة لا بد من تنفيذها. هذه الخطّة بحسب بعض المعطيات ترتكز على إعادة تفعيل تحالف عربي غربي لمواجهة إيران في سوريا، على غرار تجربة الناتو العربي والذي تعثّرت عملية إنشائه. وهذا النوع من التحالف سيتركز على قوى محلية سورية معارضة لطهران بالإضافة إلى بعض القوى الكردية التي ستعمل على مواجهة القوات التابعة لإيران في تلك المنطقة.

وجود إيران في سوريا يرتكز على مجموعة عوامل، أساسها الغطاء الروسي، وبالتالي تكون محكومة بعلاقات إيجابية مع كل من روسيا وتركيا، إلى جانب ما يفرض عليها مراعاة الشروط الإسرائيلية للانسجام مع شروط العلاقة الإيرانية الروسية. وفي ظل البغض العربي لإيران، والدولي كذلك، فهي بلا شك ستكون عرضة للمزيد من الضغوط والمواجهات، على غرار توسيع رقعة العمليات على مواقعها. خاصة أن هناك تقاطع مصالح واسع ضدها في سوريا، وهذا لن يترجم فقط على صعيد العقوبات بل أيضاً من خلال استمرار الاستنزاف.

حتى الآن تعارض طهران أي تغيير سياسي، وتعرقل الوصول إلى مرحلة الحل السياسي، إذ إنها تراهن على قدرتها التعطيلية وعلى علاقتها الجيدة برئيس النظام

حتى الآن تعارض طهران أي تغيير سياسي، وتعرقل الوصول إلى مرحلة الحل السياسي، إذ إنها تراهن على قدرتها التعطيلية وعلى علاقتها الجيدة برئيس النظام بشار الأسد، وعلى الرغم من إجماع مختلف القوى على قوة إيران الميدانية، لكن هذا لا ينفي وجود تصدّع في بنية المرتكزات الإيرانية، فالأسد لم يعد يقوى على تأمين الغطاء لإيران، وهو يقف في مهب رياح المصالح الروسية الأميركية، وبالتالي لم يعد خياراً صالحاً لإيران. أما الارتكاز على الروس فيبقى خاضعاً لوصاية روسية شبه كاملة على الدور الإيراني وهذا سيعرض طهران إلى عمليات ابتزاز كبيرة ربطاً باستمرار الاستنزاف.

إذا لم يترجم النفوذ الإيراني بصيغ سياسية وتفاهمات واتفاقيات لها طبيعة استمرارية فهو سيبقى نفوذها بلا أي أثر أو أساس وهو قابل لأن ينقلب رأساً على عقب، حالما تتغير العلاقة الروسية الإيرانية والإيرانية الغربية، من دون الابتعاد عن المواقف العربية من جهة والإسرائيلية من جهة أخرى. ولذلك تحاول إيران في انتزاع المزيد من الاتفاقات العقارية أو الجغرافية أو الاستراتيجية من الأسد تحسباً لما قد يحصل مستقبلاً، وهذا ما دفعها إلى الإسراع للحصول على امتياز لتشغيل ميناء طرطوس الأمر الذي أزعج موسكو، والتي ربما تمنح المزيد من التغطية للعمليات الإسرائيلية المستهدفة للوجود الإيراني في سوريا.

ستكون طهران في المرحلة المقبلة، أمام تحديات مختلفة عما سبق، فسابقاً كان التحالف الغربي يتركز على مواجهة الإرهاب، الآن تتغير هذه المعادلة لصالح حسابات مصالح الدول. وإذا ما كان هناك توحد دولي تحت عنوان مواجهة الإرهاب وضرب داعش، فإن المرحلة الحالية والمقبلة سيتركز على اكتساب كل دولة لحجم تأثيرها ونفوذها داخل سوريا، ما يعني أن إيران ستكون عرضة للمزيد من التصعيد، ولن يكون أمامها سوى خيار واحد للحفاظ على وجودها في سوريا، هو ارتكازها على بقاء الأسد الداعم لهذا الوجود، وهذا من شأنه أن يبقي الأسد كمسمار جحا، الخاضع للتجاذب الدائم بين الروس والإيرانيين، وصولاً إلى اتخاذ أحد الطرفين قرار التخلص منه، تماماً كما فعل الإيرانيون مع علي عبد الله صالح في اليمن إثر تلقي إشارات على انقلابه على الحوثيين.