icon
التغطية الحية

هل بدأ نظام الأسد التمهيد للانتخابات الرئاسية وماذا عن المعارضة؟

2021.01.09 | 04:41 دمشق

1-34.jpg
إسطنبول - فؤاد عزام
+A
حجم الخط
-A

لم يعلن بشار الأسد بعدُ ترشحه للانتخابات الرئاسية التي أكد في تشرين الثاني الماضي أنّها ستجري في موعدها في شهر حزيران المقبل، إلّا أنَّ الخطوات التمهيدية  للتحضير لها على المستويين المحلي والدولي يبدو أنّها بدأت، مع تكثيف بشار الأسد وزوجته وأولادهما حضورهم الإعلامي الاستعراضي، وإعلان وسائل إعلام النظام قرب إقامة فعالياتٍ وصفتها بالشعبية، والترويج لانفراجاتٍ قادمة في الوضع المعيشي، وإطلاق سراح عددٍ من المعتقلين تم اعتقال بعضهم مؤخراً كبديلٍ لعفو عام يرفض النظام إصداره، إضافة إلى توجيهه رسائل للداخل والخارج باستئنافه محاربته لتنظيم "الدولة".

وبموازاة  ذلك يبدو أنَّ روسيا تكفلت بالتحرك الدبلوماسي على الصعيد الدولي، وهو ما ظهر من خلال إعلانها رفض دعوات دول غربية إلى عدم الاعتراف بالانتخابات الرئاسية، وإنَّ مثل هذه الدعوات من شأنها أن تقوض الاستقرار في سوريا، بينما على  الأرض تسرّع خطواتها باتجاه إحراز تسوية في الجنوب السوري وإيجاد حالةِ استقرارٍ نسبي، وسعيها لترسيم خريطة في الشمال تحت غطاء تصعيد عسكري هدفه السيطرة على الطريقين الدوليين إم 4 ، وإم 5 ، إضافة إلى تكثيف جهودها شرق الفرات لإيجاد تفاهم بين النظام ، وبين قوات سوريا الديمقراطية التي تشكل الوحدات الكردية عمودها الفقري.

وتُظهر هذه التطورات أنّ كلّ شيءٍ الآن بات مكرساً لمهمة وحيدة فقط يعمل عليها النظام، وهي الانتخابات مهما كانت ظروف البلاد، وقد ضمن ليس موافقة الروس فقط  بل تماهيهم مع التحشيد لإعادة انتخابه مراهناً في إقناع الخارج في مراحل لاحقة بشرعية الانتخابات طالما لا يزال عضواً في الأمم المتحدة، ولم تسقط الشرعية عنه وأيضاً بأن الخارج لم يظهر ما يشير إلى عدم رغبته في بقائه بشروط، وهذه الشروط يعمل على تنفيذ ما يرضي منها الأقوى ولا سيما إسرائيل، إلا أنَّ ما يهمه أيضا خططه بالنسبة للانتخابات فيما تبقى من سوريا، وبما ينسجم مع حالة انتصارٍ مزعومة وسلمٍ وإعادة إعمار، وهو ما يختلف عن ظروف الحرب التي جرت فيها انتخابات عام 2014.

التحضير لفعالية تناشد الأسد الترشح لولاية جديدة

الخطوات التمهيدية للتحضير بدأت عملياً مع إعلان بشار الأسد، في 11 تشرين الثاني الماضي، أن الانتخابات ستكون بشكل كامل تحت إشراف الدولة السورية، تبعها ظهوره في فعاليات شعبية في أكثر من مناسبة وآخرها في حرش التفاحة بالدريكيش وهو مكان التشجير الذي سبق وتعرض للحرائق برفقة زوجته أسماء، وأبنائهما حافظ وكريم وزين الشام، ومعهم باسل شوكت ابن شقيقته، سبقها إظهار أسماء الأسد في فعاليات مختلفة أبرزها وضع صورة كبيرة لها في حمص خلال تكريم جرحى، ما عد على أنّه إظهار القوة الناعمة للنظام لاستقطاب الأهالي.

وقبل أيام تحدثت صحيفة الثورة التابعة للنظام في موقعها على الإنترنت عمّا سمته "بتوجه شعبي" لدعم بشار الأسد مع اقتراب موعد استحقاق الانتخابات الرئاسية ويتضمن انطلاقةٍ قريبة لفعاليةٍ بعنوان "أطول رسالة حب، ووفاء في العالم إلى رجل السلام الأول السيد الرئيس بشار الأسد"، وهي عبارة عن رول قماشي بطول /2000/ متر على عربة يرافقها "14" فتاة رياضية مدربة على هذا العمل من جميع المحافظات السورية؛ ستنطلق من دمشق مرورا بجميع المحافظات والعودة إلى دمشق لتسليم الرسالة إلى بشار الأسد، حيث ستحمل تواقيع مليونين ونصف المليون مواطن سوري في المحافظات، وسيتم العمل على دخول الفعالية (موسوعة غينس). بحسب تعبير الصحيفة.

ويُرجَّح أن يُعلن بشار الأسد ترشحه بعد "مناشدة الملايين" له كبداية لفعاليات تقوم بها أجهزة الأمن، وحزب البعث، والنقابات، وأحزاب النظام، يليها إحداث انفراجٍ نسبي في الوضع المعيشي يبدأ بإعلان زيادة في الرواتب، وهو ما أشارت إليه لجنة الموازنة والحسابات في مجلس الشعب التي أوصت بأن تكون نسبة الزيادة ما يعادل 45 بالمئة، إضافة إلى ضخ كمياتٍ من الدولار والمشتقات النفطية بعد أن احتبسها بشكل متعمد لهذا الغرض، والهدف هو إحداث فارق إيجابي يرتبط بالتحضير للانتخابات الرئاسية، وهذا أسلوب اتبعه النظام في انتخاباتٍ رئاسيةٍ سابقة ولا سيما بخصوص توفير الكهرباء، وغيرها من المواد الأساسية قبيل الانتخابات.

وفي هذا السياق يقول المحلل الاقتصادي يونس الكريم لموقع تلفزيون سوريا إن زيادة الرواتب القادمة تصب في إطار التحضير للانتخابات على أساس أن الخير قادم، ويستدرك بأنَّ هناك عدة أهداف أخرى وراء زيادة الرواتب من بينها إظهار النظام اهتمامه بشريحة الموظفين، وأنَّ هناك تغييراً والأمور بدأت بالتحسن، كذلك التوطئة لتحرير الأسعار الذي هو مطلب للدول الحليفة، من أجل جذب الاستثمارات وتحويل دمشق إلى ملاذٍ ضريبيّ آمنٍ، بهدف جعل حريّة حركة دخول وخروج الأموال أسهل.

قرارات بإطلاق سراح معتقلين بديلة عن العفو العام

وأمام مطالبات الأهالي بإطلاق سراح المعتقلين منذ بداية الثورة، وعدم تحقيق انفراج في هذا الملف ولا سيما خلال جولات (أستانة) بسبب رفض النظام ومن خلفه الإيرانيين الحديث عن  معتقلين بل يقول إنّ هناك محكومين مدانين بجرائم، فقد بدا لافتا أن النظام، بدأ بخلط الأوراق، إذ شهدت المرحلة الحالية إطلاقه سراح عدد محدود من المعتقلين، وفي الوقت نفسه اعتقال أعداد جديدة تحدثت تقارير بأنّها بمعدّل المئات يومياً، والهدف هو الإفراج عنهم في توقيت يستثمر في الانتخابات، وليكون ذلك بديلا عن المطالبات المتعلقة بإصدار عفو عام.

ولم يستبعد المحلل السياسي حسن النيفي أن يقوم النظام قريباً بالإفراج عن بعض الأفراد بهدف إيجاد دعاية تتناسب مع الاستحقاق الانتخابي ويقول النيفي لموقع تلفزيون سوريا إن ما يلجأ إليه النظام ببعض الإفراجات الجزئية التي تطول بعض الأفراد فهي مشكوك فيها، ذلك أنّ أكثر المفرج عنهم قد تم اعتقالهم حديثاً وربّما لم يكن اعتقالهم بسبب انتماء سياسي بل ربّما لأسبابٍ أخرى، ويضيف النيفي أنّ قضية المعتقلين في سوريا لم تعد قضية فردية تخص أفراداً أو مجموعات صغيرة، بل هي قضية تخص أكثر من مئة ألف ما بين معتقل ومغيب، ومعالجة هذه القضية لا تستقيم إلّا بقرارٍ سياسي سيادي بالإفراج عن الأحياء والكشف عن مصير الأموات، وكلُّ ذلك يتم تحت إشرافٍ دولي وبناءً على ما وثقته المنظمات والجهات ذات الصلة.

عودة داعش واستثمار النظام يثير الشكوك  

واللافت في هذه الظروف عودة تنظيم داعش للظهور وقيامه مؤخراً بقتل نحو 30 عنصراً من قوات النظام، في حين سارعت وزارة خارجية النظام إلى إصدار بيان بلغة دبلوماسية، يتضمن "إدانة " تنظيم داعش وتأكيد النظام مواصلة محاربة الإرهاب، وهي رسالة إلى الغرب والولايات المتحدة بإدارتها الجديدة خصوصاً تشير إلى وجود نقاط مشتركة بين الجانبين وهي محاربة الإرهاب، وفي هذا الصدد  لم يستبعد المحلل السياسي غسان المفلح لموقع تلفزيون سوريا أن يكون النظام نفسه من افتعل أحداث البادية نظراً لسجله الطويل في استثمار مثل هكذا أحداث ولا سيما أن تنظيم داعش هو استثمار ليس لنظام الأسد فقط بل لإيران وغيرها كما يقول المفلح، ويضيف.. إن الجميع في سوريا استثمر في داعش ما عدا الشعب السوري، وإن هذه الورقة هي لتبييض صفحة ليس الأسد فقط، بل الغرب الذي لا يريد إنهاء المقتلة السورية.

روسيا تتماهى مع النظام وترفض الدعوات الغربية بعدم الاعتراف بالانتخابات

مسؤولو النظام كانوا قد كرروا غير مرة أنَّ الانتخابات ستجري في موعدها، ولا علاقة لها باللجنة الدستورية، وهو ذات الموقف الذي أعلنته روسيا إذْ صرح نائب وزير خارجيتها سيرغي فيرشينين قبل أيام، أنّ دعوات بعض الدول لعدم الاعتراف بالانتخابات الرئاسية، تقوض الأداء المستقر للمؤسسات الرسمية فى سوريا، في حين كان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أعلن من دمشق في أيلول سبتمبر الماضي موضوع الانتخابات الرئاسية، قراراً سيادياً لسوريا ولاجدولاً زمنيا لعملِ اللجنة الدستورية.

ويرى المحلل السياسي المختص بالشأن الروسي الدكتور سامر إلياس في حديث لموقع تلفزيون سوريا: أنَّ روسيا تعمل على تثبيت نظام حكم بشار الأسد، وتصريحات نائب وزير الخارجية الروسي تندرج في هذا السياق وهي ردٌّ على تصريحات أميركية بعدم الاعتراف بالانتخابات، ورسائل إلى الغرب بمعنى أنَّها تريد أن تناقش الموضوع مع الجانب الأميركي، إلّا أنّ سامر إلياس يرى أنّ روسيا ليست في وضع من يحدد كيف تكون التسوية السياسية النهائية، وحتى الآن يبدو الموقف الغربي متماسكاً بالتأكيد على بيان جنيف والقرار الدولي 2254.

ويعكس تماهي روسيا مع النظام في مسألة الانتخابات الرئاسية، وفشلها في تقديم حل سياسي، لكنّها في الوقت نفسه تريد أن تقول للغرب الرافض لشرعية الانتخابات بأنَّ ما نجحت به عسكرياً تقوم باستثماره سياسياً، وأنَّ الضغوط الغربية لن تغير مواقفها ولا سيما بعد أن فشلت في انتزاعِ موافقةٍ أوروبية بخصوص إعادة اللاجئين وفي توسيع الانفتاح العربي مع النظام مع تأكيد القمة الخليجية الأخيرة التمسك ببيان جنيف 1 المتضمن تشكيل هيئة حكم انتقالي، وبالقرار 2254، إضافة إلى فشلها في تحقيق تسوية في شرق الفرات..

رهانات روسيا وأولوياتها في سوريا

تراهن روسيا على السير بخطوات بخصوص التزاماتها أمام إسرائيل بتأمين المناطق المتاخمة لها في الجنوب السوري، سواء في إبعاد ميليشيات إيران أو تحقيق استقرار نسبي في المنطقة والذي بدأته في محافظة درعا، وهو ما تعمل على استنساخه في السويداء من خلال طرحها تسويةً لأوضاع نحو أربعين ألف شاب يرفضون الخدمة في جيش النظام، والهدف هو استيعاب كتلةٍ بشريةٍ في إطار الحشد للانتخابات والضغط على الأهالي بعدم القيام بما يعكر أجواء الانتخابات.

وتنطلق روسيا بسياستها من أولويات تتعلق خصوصاً بالشأن الاقتصادي، والسيطرة على مزيد من الثروات على الأقل لمدة خمسين عاماً، وهو ما افتتحته باتفاقيات استئجار ميناء طرطوس وتوسيع قاعدة حميميم العسكرية، ووقعت في هذا الإطار اتفاقيات في مجالات استثمار الفوسفات وإدارة معامل الأسمدة في حمص وفي قطاعات الكهرباء والنفط والغاز والصناعة ونقل ملكية مشاريع وعقارات على الساحل السوري.

النظام ومن خلفه روسيا هما الآن بتنسيق بخصوص إجراء الانتخابات الرئاسية، وهذا ما عكسته تصريحات نائب وزير الخارجية الروسي الأخيرة، ويواصلان عرقلة عمل لجنة صياغة الدستور بحيث يفصلان بينها وبين الانتخابات التي من المستبعد أنْ تحقق تقدماً قبل الانتخابات إذ يؤكدان بأنّه لا جدولاً زمنياً لها، ومن الممكن أن تستمر لسنوات، ويقولون إن مسألة الدستور معقدة ومتشابكة، وهذا برسم قوى المعارضة المنخرطة بلجنة صياغة الدستور، وأيضاً أمام المعارضة مهمة كبرى تتعلق بخططها إزاء مواجهة استحقاق انتخابات الرئاسة.