icon
التغطية الحية

12 عاماً على مجزرة الحولة.. تفاصيل وشهادات مرعبة لإبادة وثقتها الأمم المتحدة

2024.05.26 | 07:36 دمشق

آخر تحديث: 26.05.2024 | 11:31 دمشق

مجزرة الحولة
ضحايا من مجزرة الحولة ـ إنترنت
 تلفزيون سوريا ـ خاص
+A
حجم الخط
-A

قبل 12 عاماً أصبحت منطقة الحولة شمال غربي مدينة حمص، محط أنظار العالم، وتصدرت أخبارها عناوين الصحف وشاشات التلفزة، وعقدت لأجلها الاجتماعات وأصدرت الدول البيانات، وذلك بعد أن ارتكبت قوات النظام السوري مجزرة غير مسبوقة فيها، راح ضحيتها عشرات المدنيين أكثر من نصفهم من الأطفال.

وقبل الدخول بتفاصيل المجزرة، لا بد من التعريف بمنطقة الحولة، وهي سهل يقع غرب نهر العاصي يضم 4 مدن وقرى (كفرلاها، تلدو، تلذهب، الطيبة الغربية)، ومحاط من الشمال والغرب والجنوب بمجموعة من الجبال تعرف باسم سلسلة جبل الحلو، بينما يحده من الشرق عدد من قرى  وبلدات ريف حمص الشمالي، ويفصل نهر العاصي بين الحولة وبين مدينتي تلبيسة والرستن.

التحقت منطقة الحولة بركب الثورة ضد النظام السوري مبكراً، على الرغم من أن الظروف المحيطة لا تشجع على ذلك، لا سيما أن جميع القرى المتاخمة للسهل موالية للنظام، وهو ما أسهم في اندلاع مبكر للعنف، حيث سقط أول قتيل من المتظاهرين برصاص فرع الأمن السياسي في 8 من نيسان 2011، وذلك في "جمعة الصمود" وهي رابع جمعة في الثورة السورية، كما تعرضت المنطقة بعد يوم واحد من ذلك لأول اقتحام من قبل قوات النظام، وأدى حينئذ إلى سقوط القتيل الثاني.

مجزرة الحولة

في صباح الخامس والعشرين من أيار عام 2012 وبينما كان سكان المنطقة يستعدون للخروج بجمعة "يا دمشق موعدنا قريب"، بدأت الحواجز المحيطة بقصف الأحياء السكنية بقذائف الدبابات والهاون، وكان مصدر القصف حاجز الدوار الذي يقع وسط مدينة تلدو، ومؤسسة المياه التي حولها الأمن العسكري و"الفرقة 11" إلى ثكنة عسكرية منذ الأيام الأولى للاحتجاجات.

ونجحت قوات النظام بفض المظاهرة بشكل سريع بعد تكثيف القصف على المنطقة عموماً ومحيطها خصوصاً، وهو ما أدى إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لوقف الضربات التي باتت تتركز بشكل أكبر على الطريق الواصل بين مدينتي كفرلاها وتلدو وعلى الأحياء السكنية في الأخيرة.

ومع غروب شمس ذلك اليوم، كثفت قوات النظام من قصفها على مدينة تلدو، وركزت على حي طريق السد والطرق المؤدية إليه، وهذا الحي يقع في الجهة الجنوبية من تلدو، ويعتبر أحد أكثر أحياء المدينة قرباً من القرى الموالية للنظام والتي كانت بمنزلة خزان بشري لقواته.

نجحت قوات النظام بعزل الحي عن باقي المدينة، وأوقفت قصفه وباتت تستهدف الطرق المؤدية إليه، في تلك الأثناء بدأت تتوارد أنباء عن وجود ضحايا بسبب القصف المكثف على الحي، الأمر الذي دفع المدنيين إلى التوجه إليه رغم سقوط القذائف في محاولة لإسعاف من يمكن إسعافه. 

يقول محمد الحسن وهو أحد الأشخاص الأوائل الذين تمكنوا من دخول الحي، إنه "بعد عملية تسلل تخللها قصف بالدبابات والرشاشات، تمكنا من الوصول إلى المنازل الأولى في الحي، لنتفاجأ بتعرض جميع قاطنيها للإعدام الميداني، ذبحاً بالسكاكين وبأدوات حادة، أو ضرباً بحراب البنادق ورمياً بالرصاص من مسافة قريبة".

وأضاف الحسن في حديث لموقع تلفزيون سوريا أن الشباب الذين دخلوا تمكنوا من إخلاء عدد من الجثث ونقلها إلى المساجد والبرادات في مدينة كفرلاها لتكفينها ودفنها، في حين عجزوا عن الوصول إلى باقي المنازل وتفقدها بسبب كثافة القصف.

ومع تقدم الوقت، يشير محدثنا إلى أن القصف تجدد بكثافة أكبر وبمشاركة الكلية الحربية في حي الوعر بحمص وكتيبة الدفاع الجوي القريبة منها، حيث كانت تخرج منهما الصواريخ وقذائف المدفعية الثقيلة، بالتزامن مع قصف بالدبابات من حاجز مؤسسة المياه الذي يقع على تلة مرتفعة جنوب شرقي تلدو.

تدخل أممي لوقف القصف وإخلاء الجثث

أوضح مصدر في قيادة المجلس العسكري في الحولة آنذاك، أن الجيش الحر الذي كان في المنطقة لم يكن يملك الإمكانات اللازمة لردع قوات النظام، أو الضغط عليها لوقف القصف، كون المنطقة شبه معزولة عن باقي المناطق الثائرة ويصعب إدخال الأسلحة إليها، مشيراً إلى أنه على الرغم من استمرار الثورة فيها لمدة 7 سنوات فإن أثقل سلاح كان فيها هو رشاش من عيار 23 مم، تم الاستيلاء عليه في أثناء صد هجوم لقوات النظام.

وأشار المصدر في حديثه لموقع تلفزيون سوريا إلى أن المجلس العسكري تواصل مع المجلس الوطني السوري الذي كان ممثلاً للمعارضة حينذاك، والذي تواصل بدوره مع المبعوث الأممي إلى سوريا كوفي عنان، ومن ثم تواصل الأخير مع مسؤولي النظام لوقف القصف، ليتم إخبار بعثة المراقبين الدوليين التي كانت تنتشر في الأراضي السورية تطبيقاً لخطة عنان، عبر محافظ حمص غسان عبد العال، بأن الضربات ستتوقف في تمام الساعة الواحدة ليلاً.

وطلبت بعثة المراقبين الدوليين التي كان يرأسها الجنرال النرويجي روبرت مود، الدخول إلى المنطقة في اليوم التالي، بعد إبلاغها بوجود مجزرة، وذلك لإحصاء عدد الضحايا والتأكد من مصادر القصف والجهات التي تقف خلف المذبحة، وفقاً للمصدر.

مجزرة الحولة

وبعد أن هدأ القصف، قال الحسن إن الأهالي توجهوا إلى حي طريق السد وبدؤوا بإجلاء جثث ذويهم، باستثناء المنازل الواقعة على أطراف الحي لم يتمكنوا من الوصول إليها، مشيراً إلى أن المجلس العسكري قرر تأجيل عمليات الإجلاء لحين وصول بعثة المراقبين لتأمين المنطقة من قوات النظام.

الأمم المتحدة شاهد عيان على مجزرة الحولة

دخلت بعثة المراقبين الدوليين برئاسة الجنرال مود إلى منطقة الحولة، بعد ظهر يوم السبت، وقامت بالتأكد من جميع الجثث التي تم ذبحها وإعدامها بعد فك الأكفان عنها، وتوثيقها بالأسماء والصور، كما استمعت لشهادات الأهالي، وعاينت آثار القصف الذي تعرضت له المنطقة، وكذلك رافقت عدداً من الشبان إلى حي طريق السد لإجلاء باقي الجثث، ولاحقاً قال مود إن فريقه أحصى 92 ضحية من بينهم عشرات الأطفال منهم 32 دون سن العاشرة.

ووثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل 108 مدنيين في ذلك اليوم من بينهم 49 طفلاً و32 سيدة، منهم 83 شخصاً من عائلتي السيد وعبد الرزاق.

وبعد خروج بعثة المراقبين الدوليين من الحولة، سحبت قوات النظام حواجزها من داخل مدن المنطقة، وأغلقت الطرق المؤدية إليها، وفرضت حصاراً عليها استمر حتى منتصف أيار 2018 حين تم فرض اتفاق "التسوية" الذي نص على تهجير رافضيه نحو الشمال السوري.

ناجٍ وحيد بطريقة هوليودية

تمكن طفل كان يبلغ حينئذ بضع سنوات من العمر، من النجاة من المجزرة رغم مقتل 5 من أفراد عائلته فيها من بينهم والدته وأخته وأخواه، حيث قال في تصريح سابق لوكالة "الأناضول"، إن عناصر من قوات النظام وآخرين بزي مدني طرقوا باب منزلهم، وسحبوا عمه وشقيقه إلى الخارج.

وحين خرجت والدته لمعرفة سبب اعتقالهما، قام عنصر بسحبها إلى داخل المنزل وقتلها بغرفتها، ومن ثم قتل طفلتها وتوجه إلى غرفة الأطفال حيث كان يوجد الطفل مع اثنين من إخوته (يبلغان من العمر 6 و7 سنوات)، ليقوم العنصر بإطلاق النار عليهما بشكل مباشر.

وقال إن العنصر أطلق في بادئ الأمر رصاصة على الأخ الأول الذي كان نائماً فقتله، ومن ثم أطلق رصاصة على الطفل الثاني فأصابه برأسه، ومن ثم توجه إليه وسحب الغطاء الذي كان عليه ووضع البندقية على بُعد أقل من نصف متر عن رأسه وأطلق رصاصة إلا أنها أصابت شقيقه وتناثرت الدماء على وجهه هو، ليعتقد العنصر أنه قتله وليغادر بعدها.

بقي الطفل داخل منزله دون أي حركة وشاهد كيف قام عناصر قوات النظام بنهب محتوياته، وحين اختفى الصوت اقترب من الباب بقصد الهرب إلا أن العناصر كانوا منتشرين في الحي، ليعود إلى مكانه والبقاء فيه لحين انسحاب العناصر والدبابات من الحي.

من ارتكب مجزرة الحولة؟

"حتى الوحوش لا تقوم بما رأيناه في مجزرة الحولة، واللغة العربية والبشرية غير قادرة على أن تصف ما رأيناه، وسنبقى نشعر بالخجل كلما تذكرنا هذه اللحظات، ونتمنى أن تبقى هذه الدروس في ذاكرة الأبناء والأحفاد"، هكذا علق رئيس النظام السوري بشار الأسد على المجزرة في إطار تبرئة قواته منها.

لكن، تقول قيادة المجلس العسكري في المنطقة إن جميع المعطيات والدلائل تؤكد مسؤولية قوات النظام عنها، خاصة أن حواجزها تتمركز في مناطق مرتفعة تمكنها من رصد أي تحرك في السهل، ومن كشف أي تسلل واستهدافه.

وفي التفاصيل، يوضح المصدر العسكري بالقول إن حاجز الأمن العسكري في مؤسسة المياه الذي يقع على تلة ترتفع نحو 60 متراً عن أحياء تلدو، بدأ تمهيداً نارياً بالرشاشات الثقيلة والدبابات لعزل حي طريق السد عن باقي المدينة.

وحين تم قطع الطريق إلى الحي، تسللت مجموعات من ميليشيات الدفاع الوطني من قرى وبلدات فلة والقبو والعوصية والغور الغربية إلى منازل الحي، ويشير المصدر إلى أن جميع تلك القرى موالية للنظام.

وأوضح المصدر أن الأراضي الزراعية التي تم حرقها بعد الانسحاب أظهرت الطريق الذي سلكه عناصر الميليشيات في أثناء دخولهم وانسحابهم.

وحمّل المصدر رأس الهرم في النظام السوري المسؤولية عن هذه المجزرة، كون الهدف منها كان إشعال حرب أهلية طائفية، معتبراً أنه لا توجد منطقة خصبة لتنفيذ هذا الغرض مثل منطقة سهل الحولة. 

جرح لا يندمل

بعد 12 عاماً من المجزرة، ما زال أهالي الحولة يستذكرونها في المخيمات وفي أماكن إقامتهم الجديدة بعد تهجيرهم من المنطقة على يد قوات النظام السوري وروسيا، وفي هذا السياق يقول الناشط "أبو أسامة الحمصي" أحد الكوادر التي وثقت المجزرة منذ لحظاتها الأولى، إنه ما زال يشعر بغصة وحرقة كلما ذكرت المجزرة، وما زال يتساءل عن سبب ذبح أولئك الأطفال وإبادة حي بكامله.

الحمصي الذي استقر في إدلب، يقول في حديث لموقع تلفزيون سوريا إنه بعد مرور 12 عاماً على المجزرة لم يتغير شيء فمرتكب المذبحة ما زال بمنصبه، وعلى العكس تمت إعادة الاعتراف به من قبل الدول العربية، والأمر الوحيد الذي غيرته المجزرة أن دول العالم طردت سفراء النظام وسحبت سفراءها من دمشق.

ويشير محدثنا إلى أن العديد من المواقف التي وثقها ولم ينسها، وبشكل خاص صورة طفل صغير لا يتجاوز عمره 4 أشهر تعرض لضربة بساطور على رأسه، وطفل آخر قتل خلال تناوله قطعة حلوى حيث تم إخراجها من فمه في أثناء تكفينه.

مجزرة الحولة

الجدير بالذكر أن المجتمع الدولي أبدى في اليوم الأول للمجزرة ردة فعل قوية ضد النظام السوري، حيث أدانتها الأمم المتحدة والجامعة العربية والاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي، كما قررت الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وكندا وأستراليا طرد سفراء النظام وسحبت بعثاتها الدبلوماسية من دمشق.