icon
التغطية الحية

يغيبها إذن السفر.. الشعور بالأمان حاجة للسوريين الناجين من الزلزال في تركيا

2023.08.01 | 19:41 دمشق

يغيبها إذن السفر.. الشعور بالأمان حاجة للسوريين الناجين من الزلزال في تركيا
عائلة سورية تجلس في شاحنة على الحدود السورية التركية في أعقاب الزلزال المدمر (لوس أنجلوس للتايمز)
إسطنبول - مزنة عكيدي
+A
حجم الخط
-A

"كيف نستطيع العودة إلى منزلنا بعد أن شاهدنا بأعيننا جدرانه تتصدع حينما كانت الأرض تهتز من تحتنا وننتظر انهيار سقفة فوق رؤوسنا".. هكذا تبرر السيدة السورية الأربعينية أمل عدم قدرتها على العودة مجدداً إلى مدينة غازي عنتاب المسجلة بها بعد فقدانها مع أسرتها لحقّ الإقامة في إسطنبول، المدينة التي لجأت إليها بعد الزلزال وفقدت معه شعور الأمان والاستقرار.

لم تتوقف آثار كارثة الزلزال المدمر الذي ضرب جنوبي تركيا وشمالي سوريا على الخسائر المادية والبشرية، فبالنسبة للناجين تركت تجربة الزلزال آثاراً معنوية يصعب التعافي منها. وكانت تلك الآثار أشد وطأةً على اللاجئين السوريين الذين قصدوا تركيا بحثاً عن شعور بالأمان تجدد فقدانه بعد الزلزال، ليعودوا ويبحثوا عنه في مدن أخرى.

وعلى الرغم من حاجتهم للزمن في الدرجة الأولى للتعافي من صدمتهم الأخيرة، تجبرهم أحكام اللجوء على الالتزام بالعودة إلى المدن التي فقدوا فيها المنزل والأهل والطمأنينة، فقانون تقييد التنقل يلزم اللاجئين السوريين بالعودة إلى مدن تسجيلهم عاجلاً أم آجلاً لتبقى الفترة المطلوبة لتعافي نفوسهم رفاهية لا يمكنهم الوصول إليها.

شروخ نفسية يحتاج التئامها للزمن

بعد أن سمحت الحكومة التركية للناجين من مناطق الزلزال باللجوء إلى مدن تركية أخرى بموجب إذن سفر من إدارة الهجرة في المدن التي لجؤوا إليها، صدرت تحديثات وشروط جديدة فيما يخص الفئات التي تستطيع تمديد إذن السفر منها، بأن تكون منازلهم من فئة "المتضررة بشدة - Ağır Hasar" وأن يكونوا من المحافظات الأربعة الأكثر تضرراً. 

وعلى اعتبارها ليست من تلك المدن الأربعة، لم يشمل السماح بتمديد إذن السفر السوريين الخارجين من مدينة غازي عنتاب، وبموجبه أصبحت أمل الآن ملزمة بالعودة إلى مدينة غازي عنتاب مع أسرتها.

تقول أمل إن العودة ستكون بمنزلة عذاب نفسي بعد أن شهدت في المدينة لحظات الزلزال المرعبة التي لا يمكن محوها من الذاكرة خاصة مع وجود آثاره في كل مكان كما روت في حديثها لموقع تلفزيون سوريا.

منزل أمل بعد الزلزال

 

في حديثها لموقع تلفزيون سوريا تقول الباحثة والأكاديمية في علم النفس الاجتماعي الدكتورة دعوة الأحدب إنه من الطبيعي أن يتعرض الناجون من الزلزال لاضطراب ما بعد الصدمة، حتى إن الغالبية العظمى ممن يعايشون كارثة مماثلة هم عرضة لهذا الاضطراب، وإن أحد أهم العوامل المساعدة في تجاوزه هو الوقت، كما أن التفريغ والحديث عن التجربة المسببة له بحرية ودون الشعور بالنقص مفيد جداً لتخفيف حدته.

وتقول الأحدب إن الناجين قد يستمرون بالشعور بأن الأرض تهتز الأرض تحتهم، وهو عرض طبيعي يمكن أن يترافق مع قلة النوم والغضب والانفعال السريع بالإضافة لعقدة الناجي، وإن الخوف من العودة لمكان الحدث هو أمر شائع لأن المنظر والروائح فيه يذكران بالحادثة كون الخلايا العصبية لها ذاكرة تحتفظ بجميع تلك التفاصيل.

وفي حالة اللاجئين السوريين ولأن قوانين الهجرة التركية تلزمهم بعودتهم إلى مدنهم حيث شهدوا الزلزال، تؤكد الدكتورة بأن العودة ستكون صعبة ومؤلمة في البداية إلا أن الأمر سيتحسن مع الزمن. وتنصح الأحدب الناجين بإشغال النفس بأعمال أخرى وتشتيت التفكير عن الذكريات غير المرغوبة.

الخوف يتحول لأمراض مزمنة

وصل السوريون الذين عايشوا أزمات متكررة من حرب وتهجير لمرحلة كبيرة من الهشاشة النفسية، ليكون الزلزال عليهم أشد وقعاً ويترك شروخاً في أنفسهم وليس فقط على جدران منازلهم.

وعلى اعتبار أن لا صحة جسدية دون صحة نفسية كما قال الأمين العام للأمم المتحدة سابقاً في اليوم العالمي للصحة النفسية، تُرجِمت لحظات الذعر التي واجهها السوريون إلى أمراض مزمنة تفتك بأجسادهم وتجعلها أضعف من أن تتحمل ضغطاً جديداً، وهذا ما حصل مع السيدة السورية كاملة شعار التي غادرت تركيا إلى مدينتها إدلب بعد أن فقدت أولادها  بالزلزال المدمر في مدينة أنطاكيا، وتعرضت لجلطة فقدت على إثرها حياتها قبل يومين.

وتقول راما التي عايشت مخاوف الحرب والقصف في سوريا إن تجربة الزلزال كانت تجربة مرعبة مشابهة لحالة الذعر الذي شهدتها مع أسرتها في سوريا، وكانت سبباً بانتكاس ابنها الذي يعاني من "داء كرون"، وقد أكد لها الأطباء أن أحد أهم أسباب الإصابة بالمرض وانتكاسه هي حالات الرعب والخوف التي عايشها طفلها ذو الـ 13 عاماً، وهذا ما يمنع راما من العودة إلى مدينة أنطاكيا التي خرجت منها مع أسرتها بعد انتهاء حقها بالإقامة في إسطنبول مؤخراً.

أبنية متضعضعة ورعب متجدد 

لم تتوقف آثار الزلزال على الدمار الذي تبع وقوعه مباشرة فما زالت مدن الزلزال حتى الآن تشهد انهيارات بعض الأبنية وهذا ما يزيد مخاوف أمل من العودة.

وتقول إن الخشية من العودة تزداد بسبب سماعهم بشكل مستمر عن أبنية نجت من الزلزال الكبير ولكنها تنهار حالياً بفعل الهزات الارتدادية التي لم تتوقف حتى الآن، فاليوم ضرب زلزال شدته 5 درجات ولاية قونيا، وقبل أسبوع ضرب هزة ولاية أضنة شدتها 4.4.

وتضيف أمل: إن عدم انهيار منزلنا لا يعني أنه مكان آمن فما زلنا حتى اليوم نسمع ونشاهد الأخبار عن أبنية تتهاوى بعد أشهر من الزلزال.

على الرغم من أن الخارجين من مدينة غازي عنتاب التركية أصبحوا غير قادرين على تمديد أذون السفر في الولايات التي لجؤوا إليها على اعتبارها ليست من الولايات الأربعة الأكثر ضرراً، ما زالت المدينة وبعد مضي أكثر من 5 أشهر على الكارثة تتعرض لهزات ارتدادية بشكل متكرر بالإضافة إلى استمرار انهيار بعض المباني التي تصدعت نتيجة الزلزال آخرها تهدم مبنى في مدينة غازي عنتاب أدى إلى إصابة 5 سوريين. 

الشعور بالأمان ضالة السوريين المفقودة

عند فقدانهم للأمان في بلدهم الأم اختار بعض السوريين تركيا كملجأ جديد بحثاً عن الشعور بالسلام والطمأنينة ومع تلاشي هذا الشعور بعد الزلزال لا يملك السوريون الحق باختيار مدينة أخرى يجددون فيها شعورهم بالأمان على الرغم من الاعتراف بحق حرية التنقل كحق أساسي لكل شخص أشارت إليه المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

وفي حديث سابق له إلى موقع تلفزيون سوريا عزا سليمان كورت نائب رئيس الجمعية الدولية لحقوق اللاجئين شرعية هذا التقييد إلى أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان غير ملزم وفي هذه الحالة يكون المرجع الأساسي هو الدستور التركي الذي يعترف هو الآخر في مادته 25 بحرية التنقل واختيار مكان الإقامة لكل شخص بما فيهم السوريون إلا أنه في الوقت نفسه يُسمح بتعديله بما يتوافق مع القانون الدولي الذي يوافق على تقييد حرية الاستقرار والسفر لأغراض تنظيم تنقل السكان وحماية النظام العام، خاصة عندما يتعلق الأمر بالأفراد الذين يدخلون في نطاق الهجرة القسرية وطلب اللجوء، ما يجعل الشعور بالأمان ضالة السوريين المفقودة التي لا يجدونها إلا في مدن مغلقة في وجوههم.

تم إنتاج هذا التقرير بدعم من "JHR - صحفيون من أجل حقوق الإنسان"