icon
التغطية الحية

وول ستريت جورنال: توافق أميركي إسرائيلي لمنح السعودية النووي مقابل التطبيع

2023.09.21 | 20:03 دمشق

آخر تحديث: 22.09.2023 | 10:09 دمشق

بايدن
ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الأميركي جو بايدن في قمة مجموعة العشرين في نيودلهي ـ رويترز
The Wall Street Journal - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

يتعاون مسؤولون إسرائيليون مع إدارة بايدن بهدوء على مقترح يقضي بالعمل على تخصيب اليورانيوم بإشراف أميركي في السعودية ليكون ذلك جزءاً من اتفاقية ثلاثية معقدة تهدف إلى إقامة علاقات دبلوماسية رسمية بين السعودية وإسرائيل، وذلك بحسب ما أفاد به مسؤولون أميركيون وإسرائيليون لصحيفة وول ستريت جورنال.

ووجه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أهم المتخصصين في مجال الطاقة النووية والأمن للتعاون مع المفاوضين الأميركيين خلال محاولتهم التوصل إلى تسوية يمكن أن تسمح للسعودية بأن تصبح ثاني دولة في الشرق الأوسط بعد إيران، تقوم بتخصيب اليورانيوم علناً، بحسب ما ذكره مسؤولون.

تنازلات وضمانات

يذكر أن السعودية والولايات المتحدة تتفاوضان على الخطوط العريضة للاتفاقية التي ستقوم السعودية بموجبها بالاعتراف بإسرائيل مقابل مساعدة المملكة على تطوير برنامجها النووي المدني عبر تخصيب اليورانيوم في الأراضي السعودية، إلى جانب عدد من التنازلات الأخرى. ومن المتوقع أن تشمل بقية النواحي المتعلقة بهذه الاتفاقيات تنازلات لصالح الشعب الفلسطيني وضمانات أمنية أميركية.

وفي حال وافقت السعودية على إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، فإن ذلك سيمهد الطريق أمام باقي الدول العربية والإسلامية لتلحق بالركب، وهذا بدوره سينهي عقوداً من العزلة التي فرضت على إسرائيل منذ قيام الكيان في عام 1948.

وقال ولي عهد السعودية محمد بن سلمان في مقابلة على شبكة "فوكس نيوز" الأميركية يوم أمس: "نقترب كل يوم من الاتفاق، لكن القضية الفلسطينية تظل مهمة جداً للمفاوضات ... المملكة تحقق تقدماً باتجاه التطبيع مع إسرائيل، لكن بالنسبة لنا، القضية الفلسطينية مهمة جداً، وعلينا حلها".

في سياق ذلك، قال ولي عهد السعودية إن بلاده ستحصل على سلاح نووي إذا تمكنت إيران من الحصول عليه أولاً.

في الوقت الذي لم توافق فيه حتى الآن كل من الولايات المتحدة وإسرائيل على خطة تسمح بتخصيب اليورانيوم في السعودية، يمكن القول بأن ذلك يمثل نقطة تحول في سياسة البلدين منذ عقود، إذ سعى قادة ورؤساء البلدين من مختلف الأطياف السياسية إلى منع السعودية أو إسرائيل من تطوير تلك الإمكانيات في هذا المجال، وحول ذلك يقول مارك دوبوفيتش، وهو المدير التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وهي مركز أبحاث أقيم في واشنطن ويعارض تلك الفكرة: "قد يمثل التأييد الإسرائيلي للتخصيب السعودي تحولاً جذرياً في سياسة بلد يعارض انتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط منذ أن أُسس، كما يعتبر تحولاً بالنسبة لرئيس وزراء رسخ جل حياته في هذا السلك للوقوف ضد تخصيب إيران لليورانيوم".

على الرغم من أن إسرائيل لن تعترف بذلك صراحة، إلا أنها الدولة الوحيدة التي تمتلك أسلحة نووية في المنطقة، ولهذا لا بد أن يزعجها أن تلحق بها دولة تعاديها، ويعتقد بأن إسرائيل تستعين بعنصر البلوتونيوم ضمن برنامج أسلحتها النووية، ولهذا أمضى الخبير الفني الإسرائيلي بالسلاح النووي، موردخاي فانونو 18 عاماً في السجن بعدما كشف تفاصيل برنامج إسرائيل بالنسبة لتلك الأسلحة السرية خلال ثمانينيات القرن الماضي، وقد شملت تسريباته معلومات حول مصنع سري لتخصيب اليورانيوم.

قضية بالغة التعقيد

برزت مساعي السعودية لتخصيب اليورانيوم كواحدة من أعقد القضايا التي واجهها القادة الأميركيون والإسرائيليون وهم يحاولون عقد اتفاق يسعى لإعادة رسم معالم الشرق الأوسط، فقد وصف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تلك المفاوضات حول التطبيع مع إسرائيل بالجادة وبأنها تقترب كل يوم من إبرام الاتفاق، في حين اشترط حصول بلاده على سلاح نووي في حال امتلاك إيران لهذا السلاح، إذ قال في مقابلة بثت يوم الأربعاء عبر أثير محطة فوكس نيوز: "إن حصلوا على سلاح نووي فعلينا أن نحصل عليه أيضاً، وذلك لأسباب أمنية ولخلق حالة توازن في القوى داخل الشرق الأوسط، لكننا لا نريد لذلك أن يحصل".

تعتبر التعليمات التي وجهها نتنياهو للمسؤولين الإسرائيليين حول البدء بالتفاوض أوضح مؤشر حتى الآن على رغبة رئيس الوزراء الإسرائيلي واستعداده للسماح للسعودية بالمضي قدماً في طموحاتها النووية، على الرغم من أن من يعارضونه يعتبرون ذلك خطوة تسهم في تسريع سباق التسلح في المنطقة.

لا موافقة أميركية على التخصيب السعودي حتى الآن

في الوقت الذي تجهز فيه إدارة بايدن الخطط لإقامة منظومة لتخصيب اليورانيوم في السعودية بإدارة أميركية، بما أن ذلك يعتبر خياراً لمواجهة مشكلة سعي المملكة لإنشاء برنامجها النووي الخاص بها، يحذر مسؤولون أميركيون من أنهم يفكرون ببدائل أخرى، كما أن الرئيس بايدن لم يوافق بعد على فكرة السماح بتخصيب اليورانيوم في السعودية بحسب ما ذكره مطلعون على القضية.

ناقش بايدن هذه المناورة الدبلوماسية يوم الأربعاء خلال لقائه بنتنياهو في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، فقد كانت تلك المرة الأولى التي يلتقي فيها هذان الرجلان منذ أن عاد نتنياهو إلى منصب رئاسة الوزراء في شهر كانون الأول الماضي.

وعن رأي الولايات المتحدة وإسرائيل تجاه المفاوضات مع السعودية، يخبرنا مسؤول إسرائيلي رفيع، فيقول: "بالنسبة لقضية النووي، فقد اتفقنا على كل شيء منذ البداية، أي ما لا يمكننا فعله وما بوسعنا فعله"، كما ذكر هذا المسؤول أنهم يرغبون بأن يفرضوا كثيرا من الضمانات على برنامج التخصيب السعودي.

وبعد ذلك الاجتماع، أعلن مسؤول رفيع لدى إدارة بايدن بأن أي دعم أو تأييد لطموحات السعودية في المجال النووي لا بد أن يستوفي معايير صعبة، وقال ذلك المسؤول الأميركي: "إن كل ما ينجز فيما يتصل بالتعاون مع السعودية أو غيرها في مجال الأسلحة النووية لأغراض مدنية لا بد أن يحقق أعلى وأقسى المعايير الأميركية في مجال منع انتشار هذا النوع من السلاح".

يرى الخبراء أنه قد تفرض ضمانات لإغلاق أي منشأة لتخصيب اليورانيوم عن بعد، وذلك بدءاً من الآلية الرسمية للإغلاق عن بعد وصولاً إلى النظم التي بوسعها تسريع أجهزة الطرد المركزي لدرجة تعطيلها. ولكن لا يوجد نظام آمن لإغلاق المنشآت عن بعد ليس بوسع أحد من يتحكمون بالمنشأة على الأرض التلاعب به أو إغلاقه، بحسب ما ذكره خبراء في المجال النووي.

يذكر أن السعودية بقيت لسنوات طويلة تدفع باتجاه تخصيب اليورانيوم بنفسها، ولكن خلال مناقشات المسؤولين السعوديين مع الولايات المتحدة، ذكر هؤلاء بأنهم قد يوافقون على الاتفاقية التي تقوم فيها الولايات المتحدة بإدارة منشأة التخصيب، إذ قارن القادة السعوديون هذه الفكرة بالنموذج الذي اعتمد لإقامة شركة آرامكو، وهي شركة نفط سعودية تعود ملكيتها للدولة، إذ تأسست أرامكو في ثلاثينيات القرن الماضي بفضل شركة ستاندرد أويل الأميركية، وكانت تعرف في بداياتها باسم شركة النفط العربية الأميركية، ثم لوحت السعودية بتأميم الشركة في خمسينيات القرن الماضي، وأخيراً استحوذت عليها بالكامل في عام 1980.

منذ أمد بعيد والرؤساء الأميركيون،  الديمقراطيون  أو الجمهوريون، يعارضون مساعي الدول الشرق أوسطية لتخصيب اليورانيوم، إذ في عام 2009، وقعت الولايات المتحدة على اتفاقية تطوير سلاح نووي مع الإمارات، منعت فيها تلك الدولة الخليجية من تخصيب اليورانيوم على أراضيها، فتحولت تلك الاتفاقية إلى المعيار الذهبي لتعاون أميركا مع دول أخرى في المجال النووي، ولهذا فإن تقديم تنازلات أكثر للسعودية يعني بأن أميركا وضعت معياراً جديداً في هذا السياق.

إلا أن ما يقلق بعض القادة والزعماء في إسرائيل هو احتمال تمهيد الطريق أمام الرياض لتطوير أسلحة نووية في حال أيدت الولايات المتحدة إقامة برنامج نووي لأغراض مدنية في السعودية، إذ سبق لولي العهد السعودي أن صرح بأن السعودية ستمتلك أسلحة نووية في حال سبقتها إيران إلى ذلك، وهذا يمكن أن يفتح الباب على مصراعيه أمام الإمارات حتى تسعى للحصول على موافقة مماثلة من قبل الولايات المتحدة.

سباق التسلح النووي في الشرق الأوسط

خلال الشهر الماضي، أعلن زعيم المعارضة الإسرائيلية، عبر أثير القناة 12 بأن: "إسرائيل لا يمكنها أن توافق على تخصيب اليورانيوم في السعودية، لأن ذلك يهدد أمنها القومي، ويضر بحملتها ضد إيران، ولا بد أن يقود المنطقة نحو سباق التسلح النووي".

 قوبلت هذه الفكرة بمعارضة في واشنطن، حيث صعّدت منظمات مثل مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات من حملاتها لتحرف عن المسار أي اتفاقية تسمح للسعودية بتخصيب اليورانيوم.

إذ ذكر دوبوفيتش أن على الولايات المتحدة أن تفكر باحتمال وصول حكام معادين لأميركا إلى سدة الحكم في السعودية، وبذلك قد يقوم هؤلاء بانتزاع السيطرة من الأميركان على منشآت تخصيب اليورانيوم في المملكة، وحينئذ ستتحول تلك المعامل إلى مقار لتصنيع السلاح النووي، ويضيف: "أصبحنا قاب قوسين أو أدنى من وقوع كارثة في السعودية، إذ ما الذي سيحدث إن سيطر حاكم إسلامي متطرف – لا قدّر الله- على كل شيء؟"

يذكر أن البرنامج النووي الإيراني تحول إلى هدف لحملات التشويه الأميركية والإسرائيلية الساعية لمنع إيران من إنتاج أي سلاح نووي، إلا أن برايان كاتوليز، وهو نائب رئيس قسم السياسات لدى معهد الشرق الأوسط بواشنطن، يرى بأن الفكرة تستحق البحث، وقال: "إن المخاوف إزاء سباق التسلح النووي في الشرق الأوسط خطيرة وواقعية إلى أبعد الحدود، ولكن السؤال هنا هو هل ستقصي الولايات المتحدة نفسها وستبقى مكتوفة الأيدي وهي تنحي باللائمة على دول المنطقة عند سعيها لتطوير الطاقة النووية لديها لأغراض مدنية؟ وهل يعتبر ذلك بمثابة استراتيجية أشد فاعلية من البدء بالتفاوض بهدف بناء الثقة بين الأطراف الفاعلة الأساسية في المنطقة مثل إسرائيل والسعودية؟"، ويتابع: "إن الخطر المتمثل بوصول شخصية معادية لنا إلى الحكم يمثل ما رأيناه وتدبرنا أمره في العديد من الأماكن الأخرى في العالم، ومنها باكستان.. أي إن الوضع ليس بمثالي في تلك الحالات، ولكن يمكن إدارة الخطر".

أما يوئيل غوزانسكي، وهو مسؤول إسرائيلي سابق في مجال الأمن القومي، وحالياً عضو رفيع لدى معهد دراسات الأمن القومي بتل أبيب، فيرى بأن أي اتفاق يسمح للسعودية بتخصيب اليورانيوم يعتبر انتصاراً كبيراً لمحمد بن سلمان الذي توعد بايدن بالتعامل معه كشخصية منبوذة عند وصوله إلى السلطة، وذلك بسبب سجل المملكة السيئ في مجال حقوق الإنسان، والذي يتضمن عملية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في إسطنبول عام 2018 على يد فرقة موت سعودية، وأضاف: "من دولة منبوذة قبل عامين إلى دولة قادرة على امتلاك سلاح نووي، أليس ذلك شيئا رائعا؟!"، كما ذكر بأن أي تنازل يمكن أن يمهد الطريق أمام السعودية لتطوير سلاح نووي قد لا يستحق ما يبذل من جهد لأجله، وتابع: "يبدو لي ثمن السلام هنا باهظاً للغاية، بالنسبة لإسرائيل بكل تأكيد".

 

المصدر: The Wall Street Journal