ولسان حال بعضنا يهتف: حتى لو كانت الصين!

2020.04.01 | 00:01 دمشق

2020-01-30t130237z_1291368520_rc2dqe99h2tu_rtrmadp_3_china-health.jpg
+A
حجم الخط
-A

تختلف دوافع المبشرين والراغبين بسقوط الاتحاد الأوروبي من العرب والمسلمين، باختلاف توجهاتهم أو انتماءاتهم السياسية والفكرية، لكنها، وللمفارقة، تلتقي مع اليمين الأوروبي المتطرف، باختلاف مشاربه، في الرغبة بسقوط الاتحاد!

فالقوى والأحزاب والتيارات اليمينية في أوروبا هي إما قومية شوفينية أو وطنية متطرفة أو مسيحية أيديولوجية، تلتقي جميعها في الموقف من الاتحاد الأوروبي على ضرورة تفكيكه والتخلص من دستوره وقوانينه المعيقة لأفكار وتوجهات هذه القوى العنصرية، باعتبارها قوانين عابرة للقوميات والوطنيات.. قوانين ذات نزعة إنسانية استفاد منها كل مواطني دول الاتحاد وكذلك المقيمين فيها من المهاجرين واللاجئين من مختلف أصقاع الأرض.

غالبية دول الاتحاد الأوربي قدمت منفردة أو من خلال منظومة الاتحاد مساعدات ضخمة لروما من أجل مساعدتها لاستعادة السيطرة على تفشي الوباء.

لكن أصحاب النزعات اليمينية المتطرفة في دول هذا التجمع ما فتأت تستغل أي حدث أو أزمة، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو إنسانية، للترويج بين الرأي العام لدعوتها من أجل التخلص من الاتحاد، كما يحصل حالياً مع أزمة انتشار وباء فيروس COVID 19 (كورونا).

لقد عمد اليمين المتطرف، سواء القومي أو الوطني أو المسيحي في إيطاليا، إلى نشر فيديوهات وإنفوغرافيكس وتكثيف النشر على وسائل التواصل الاجتماعي تحرض على الاتحاد الأوروبي وتتهمه بالتخلي عن إيطاليا في أزمتها الحالية بمواجهة انتشار الفيروس، مثل الفيديو الذي بدا أنه يذكر الأوروبيين بما قدمته ايطاليا للقارة على مدار التاريخ، بينما كان في الحقيقة يدغدغ مشاعر الإيطاليين القومية والوطنية بمواجهة الوحدة الأوروبية.

تلقف الكثير منا هذا الفيديو كما تلقفوا صورة أخرى تظهر إنزال علم الاتحاد الأوروبي في حديقة أحد المنازل في إيطاليا ورفع علم الصين بدلاً عنه، وذلك بعد انتشار خبر سيطرة التشيك على شحنة كمامات مرسلة من الصين إلى إيطاليا، وبالتزامن أيضاً مع التركيز الإعلامي المكثف على إرسال بكين مساعدات وكوادر طبية إلى إيطاليا.  

والواقع أن غالبية دول الاتحاد الأوروبي قدمت منفردة أو من خلال منظومة الاتحاد مساعدات ضخمة لروما من أجل مساعدتها على استعادة السيطرة على تفشي الوباء، وشملت هذه المساعدات، على سبيل المثال لا الحصر، نصف المخزون النرويجي من الكمامات والأردية الطبية، كما أن الطائرات الألمانية لم تتوقف عن نقل المئات من المصابين الإيطاليين، وكذلك الفرنسيين أيضاً، إلى مشافيها وعلى مدار الساعة، منقذة أرواح الكثير ممن كانوا ليلقوا حتفهم لو تحققت أحلام المتطرفين الطليان ولم يكن هناك اتحاد أوروبي يقتضي هذا التعاون.

الحقيقة أن هذا اليمين لا يهتم مطلقاً بأرواح الناس أو مصالحهم الاقتصادية بقدر ما تعنيه فكرة واحدة هي النكوص للدولة القومية أو الدينية، التي تعني أيضاً ضمن ما تعنيه، طرد اللاجئين والتخلص من المهاجرين المقيمين في دول الاتحاد، وبينهم ملايين العرب والمسلمين بطبيعة الحال، ومع ذلك تجد أن هناك كثيرا منا، بل وحتى من المقيمين في أوروبا من العرب والمسلمين والمتمتعين بخيرها بفضل قوانين الاتحاد الأوروبي ودستوره، تجدهم يروجون ما تنشره القوى اليمينية المتطرفة عن الاتحاد، بل ويأمل البعض فعلاً بانهيار الوحدة الأوربية !

ينطلق معظم هؤلاء أيضاً من موقف أيديولوجي صرف، إما ديني أو قومي عروبي، ويتبعهم جمهور بسيط عاطفي من العرب والمسلمين، يرى في الاتحاد الأوروبي قوة غربية مسيحية يجب أن تنهار، حتى وإن لم يكن البديل عنها قوة عربية أو إسلامية، بحكم أن مثل هذه القوة لا تبدو حتى في أي رحم، ولذا فإنه لا بأس عند هؤلاء أن يكون البديل هو الصين، في تجلٍ آخر للاضطراب والتأزم الفكري الذي يعيشه هؤلاء!

الصين ذاتها التي يعاني فيها -كما هو معروف وكما يؤكد ويعيد ويردد هؤلاء أنفسهم- ملايين المسلمين، وخاصة العشرين مليون إيغوري، اضطهاداً دينياً وقومياً مروعاً.

الصين ذاتها التي يعاني فيها -كما هو معروف وكما يؤكد ويعيد ويردد هؤلاء أنفسهم- ملايين المسلمين، وخاصة العشرين مليون إيغوري، اضطهاداً دينياً وقومياً مروعاً، يشمل ضمن ما يشمل احتجاز أكثر من مليون منهم في معسكرات اعتقال جماعية، ومنعهم من إقامة الشعائر الدينية، الخ من هذه الممارسات الوحشية! 

الصين التي يتمنى بعضنا بكل أسف أن تنتصر على الحضارة الغربية التي أنتجت الثورات التكنولوجية المتتالية ومنظومة القيم الإنسانية الفريدة، مع كل ملاحظاتنا على هذه الحضارة وما تكتنفها من سلبيات، هي الصين التي يحكمها اليوم حزب شيوعي شمولي مستبد لا يقيم وزناً لحياة الانسان الصيني ذاته، فأي قيم وأي حضارة يمكن أن ينتظر منها العالم تحت هذه القيادة؟!

فعلى سبيل المثال وما دمنا نعيش أزمة كورونا، فإن عدد وفيات الفيروس المعلن عنها رسمياً في الصين هي 3300، لكن تقارير إخبارية تشير إلى أن العدد الحقيقي قد يتجاوز الثلاثين ألفاً.

وبمناسبة الحديث عن المساعدات التي قدمتها بكين لبعض الدول الأوربية، فقد اكتشف أن نحو 80% من أجهزة فحص الفيروس التي باعتها الصين لأوروبا غير صالحة.

طبعاً بات معروفاً كيف تكتّمت الصين بداية على وجود فيروس كوفيد-19 في مقاطعة ووهان، ما أدى إلى انتشاره وتحوله لجائحة عالمية.

هذه فقط بعض إحصاءات الأيام الأخيرة عن الدولة الصينية التي يحكمها الحزب الشيوعي، بينما الأرقام والمعطيات العامة أقل ما يمكن وصفها أنها مخيفة، لكنها تكفي لتخيل العالم فيما لو سيطرت عليها حضارة الصين بقيادة نظام الحكم الحالي المتحالف، كما هو معلوم، مع نظام الحكم الديكتاتوري القومي المتطرف في روسيا، فهل من العقل وهل يتسق مع أي منظومة أخلاقية واعية أن تكون هناك رغبة في أن تحل حضارة هذه (الصين) مكان الحضارة الغربية في قيادة العالم ؟!