يستمر اللاجئ السوري في هولندا "ممتاز المدني" بخوض معركته القانونية ضد الشرطة الهولندية التي قتلت ابنه "يزن" رمياً بالرصاص قبل نحو أربع سنوات في مدينة "سخيدام".
وتقول صحيفة "Rijnmond" الهولندية في تقرير لها، إنه حتى هذا اليوم ما تزال ثقوب الرصاص موجودة في الشقة الواقعة في شارع Van den Tempelstraat في مدينة سخيدام، بينما الشهود صامتون على المأساة التي وقعت قبل 4 سنوات. ويبدو أن الوقت متوقف لدى الأب ممتاز الذي لا يستطيع أن يعيش إذا لم يثبت بأنه على صواب؛ إذ لا يوجد مبرر لقتل نجله من قبل الشرطة الهولندية في 2018.
وتنقل الصحيفة عن الأب "ممتاز" قوله: "إن ابني كان بحاجة للمساعدة وليس للرصاص. لقد كان إعدامًا! لم يكن من الضروري أن يحدث ذلك".
اليوم يوجد بصيص أمل بالنسبة لممتاز، والمحكمة الأوروبية تريد أن تأخذ الأمر على محمل الجد، وفق التقرير.
يبلغ ممتاز المدني الـ62 من العمر، وهو رجل مُعبّر. يتجول باستمرار في المنزل لإعادة تمثيل ما حدث في العام 2018 بالكلمات والإيماءات،: "هنا كانت الشرطة ودروعها خلف هذا الجدار وكان هناك ابني يجلس على الأرض بالقرب من باب الشرفة. لقد انهار، لم يكتفوا بإطلاق النار على ساقيه، وفقًا لتقرير الطبيب الشرعي. لقد أطلقوا النار عليه أيضًا عندما كان على الأرض، من أعلى إلى أسفل، لم يكن يشكل خطراً. أليس كذلك، لماذا؟".
معاق ذهنياً
يهرع الأب إلى الغرفة المجاورة، غرفة نوم يزن التي لم تتغير بعد أيار 2018. بالنسبة إلى ممتاز، فإن ابنه هو روحه، وذكراه لا تزال حية هنا. يلتقط صندوقًا من الورق المقوى من الخزانة: "كان هذا هو القماش الذي كان يرتديه على رأسه وكان هذا هو المعطف الذي كان يرتديه في ذلك الوقت".
يشير الوالد بإصبعه إلى الثقوب الموجودة بسبب الصاعق الكهربائي والرصاص في معطف الجلد. يُقَبّل المعطف: "هذا ابني"، ثم يضع المعطف مرة أخرى في الصندوق.
تختلف روايته للأحداث عن الرواية الخاصة بالسلطات الرسمية. يشرح وهو يرفع صوته أحيانًا: "كان ابني مريضاً عقلياً، كان يعتقد أن المجرمين يلاحقونه لقتله، ولهذا السبب كان لديه السكين، اتصلت بالشرطة، على افتراض أنهم يعرفون ما يجب عليهم فعله... ولكن ماذا فعلوا؟ أرسلوا فريقًا مدججًا بالسلاح وكأنه إرهابي"!
مسدس الصعق والكلب والرصاص
أجرى ممتاز العديد من الخطوات، في أثناء التحقيق، ولدى النيابة العامة، وفي محكمة الاستئناف في "أرنهيم"، ولكن بلا نتيجة. ففي كل الحالات كانوا يقولون بأن يزن المدني أصيب برصاصة لأنه هاجم الشرطة بسكين، لذلك ردّت عليه الشرطة بالشكل الصحيح.
قصد ممتاز المحكمة الأوروبية التي أعلنت مؤخرًا بأنها تعتزم النظر في القضية بجدية. لا توجد تفاصيل كثيرة بعد، ولكن هذا يعطي الأب المعذّب الأمل والحياة.
ماذا حصل في 2018؟
وقعت الحادثة في الـ30 من أيار 2018، حين كان يزن المدني البالغ من العمر 26 عامًا يقف على شرفة منزل والده في سخيدام، واضعاً قطعة قماش ملفوفة على رأسه ويلوح بسلاح يبدو وكأنه فأس، ولكن تبين لاحقًا بأنه سكين.
بعد استدعاء السلطات، ظهر فريق اعتقال من "الشرطة العسكرية" الهولندية، وحاول التغلب على يزن المرتبك بمساعدة صاعق كهربائي (بالصدمات الكهربائية) وكلب بوليسي. فشلت الشرطة فأطلقت على يزن الرصاص عدة مرات ليلفظ أنفاسه الأخيرة في المستشفى بعد أيام قليلة.
أجرت كلّ من إدارة التحقيقات الجنائية (في عام 2019) ومحكمة الاستئناف في أرنهيم (عام 2021) دراسة بخصوص الإجراءات المميتة للشرطة، فخلصوا إلى أن فريق الاعتقال كان في خطر وكان عليهم إطلاق النار. وقالوا إن يزن هاجمهم بسكينه وبدا غير قابل للترويض، لذلك دافعوا عن أنفسهم.
وجاء في تقرير المحكمة حينذاك: "الوضع كان شديد الخطورة وكان يزن مستعدًا لاستخدام العنف، ويتضح هذا من حقيقة أنه وضع (نصل) السكين بشكل متكرر على الكلب، وهدد السلامة الجسدية للمتهمين (فريق الشرطة)، ولذلك ترى المحكمة أنه من المعقول أن تكون هناك حالة طوارئ".
ووفق تقرير المحكمة، فإن إطلاق الرصاص يمكن الدفاع عنه أيضًا، لأن محاولات أخرى باءت بالفشل: "أمر المتهمون يزن في البداية بإلقاء السكين، ثم استخدموا كلب الخدمة، واستخدموا الصاعق الكهربائي مرتين، وفقط عندما لم يستجب يزن لكل هذه الأعمال العنيفة الأقل شدة، أطلقوا النار على رجليه، ولأن يزن استمر في الحركة والخطر وهكذا لم يتزحزح المدعى عليه بعد، أطلق المدعى عليه الذي يرمز له BSB-316 أعلى قليلاً".
وكان قرار محكمة استئناف أرنهيم بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة لممتاز المدني، فطرق باب المحكمة الأوروبية التي باتت الشكوى ضد الشرطة مطروحة على طاولتها. ويلاحظ المحامي فريدريك دول الذي يمثل ممتاز، أن الشكاوى تحال بانتظام إلى سلة المهملات، وهذا لا يحصل هنا، فالمحكمة قد ترى أدلة على شكوى المدني ضد الشرطة.
وأفاد المحامي دولي بأن يزن "عندما وقف على الشرفة كان يشكل خطرًا على نفسه وليس على الآخرين، ومع ذلك، كان قرار التدخل على حساب حياته، هل روعيت حالته النفسية بشكل كاف؟"، إنه إجراء يستغرق وقتًا وبالتالي يتطلب الصبر اللازم من والده.
كان ممتاز في الخارج وتحت الشرفة عندما دخل فريق الاعتقال إلى الشقة. تظهر لقطات فيديو صورها أحد الجيران أن كل شيء سار بسرعة كبيرة: يزن يقف على الشرفة، يدخل إلى الداخل، تصدر أصوات الشرطة، ترن طلقات، كل ذلك في غضون عشر ثوان.
ويختم ممتاز: "أصبح ابني عدوانيًا بسبب الصواعق وإطلاق الكلب عليه، لماذا فعلوا ذلك؟ اعتقدت أنهم سيأخذونه إلى المستشفى، ابني كان بحاجة إلى المساعدة، وليس إلى الرصاص. تم إطلاق النار على يزن ثماني مرات. كان لديهم كاميرات على زيهم الرسمي، أليس كذلك؟ أين المشاهد؟" يتساءل الأب.