واشنطن تمسك بساحل شرق المتوسط.. لبناء ميناء تهجير جديد

2024.03.24 | 05:26 دمشق

آخر تحديث: 24.03.2024 | 05:26 دمشق

واشنطن تُمسك بساحل شرق المتوسط.. لبناء ميناء تهجير جديد
+A
حجم الخط
-A

ألْقت واشنطن وراءها سابقاً كلَّ أثقال الشرق الأوسط، لتجد نفسها اليوم ملزمة بالعودة إليه، في إطار رؤية جديدة وتغيير للوقائع لإعادة فرض مسارات تخدم مشروعها، حيث إن فتح باب عودة الولايات المتحدة الأميركية إلى الشرق الأوسط، قد بدأ من بناء ميناء غزّة، تتمركز فيه قوات أميركية فوق مياه البحر الأبيض المتوسط، ليكون مقابلاً للوجود الروسي على ميناء اللاذقية. يأتي ذلك في ظل ما يعيشه النظام السوري من ضغوط تفرض عليه التفرُّج أو النأي بالنفس، عن إصدار أيّ موقف متعلق بتطوّرات حرب غزّة، والاكتفاء ببقائه محرجاً مع العرب وإيران ومن يدور في فلكها.

هذه الحرب الدولية خرجت من حالتها الصامتة إلى العلن، وهي حرب صارت على ممرّات النفط ومعابره، ومنابع الغاز وطرق إمداداته، وحركة التجارة العالمية، حيث الإعلان الأميركي عن إنشاء ميناء عائم على بحر غزة، سيتحوَّل إلى ميناء ثابت، ويشكل بوابة عودة واشنطن إلى البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر معاً، وقد يكون منطلقاً لخروج آلاف الفلسطينيين من القطاع، وهو المشروع الإسرائيلي الأساسي القائم على التهجير، مع استمرار العمليات التي تشنُّها بوارج أميركية وبريطانية ضد مواقع الحوثيين في اليمن، رداً على استهداف السفن التجارية المارة، وهو ما كشف أمنياً حركة الملاحة الدولية.

جماعات الحوثيين قاموا بشنِّ هجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر، وهو ما يُعدّ تطوّراً عسكرياً خطيراً، هدفه جرّ واشنطن وحلفائها إلى صراع مباشر، يستفيد منه خصوم الولايات المتحدة الاستراتيجيون في العالم

والحقيقة التي يمكن قراءتها من التطورات الجارية في المنطقة، أن طهران كانت قد أكْملت عدَّتها للدور القادم الذي سيلعبه الحوثي، ضمن استراتيجيتها لتنحية النظام الأمني الإقليمي القائم على التعاون مع أميركا، وإحلال نظامها الأمني على الساحة الدولية، متوهِّمة بأن واشنطن تعيش لحظة ضعف تاريخية، ولن يكون بوسعها القيام بأي عمل عسكري مباشر ضدها، أو حتى تصعيد عملياتها ضد الحوثيين، بسبب تورطها بإبادات جماعية وحرب مع حكومة إسرائيلية يقودها اليمين المتطرف وعصابات المستوطنين، وستتكرر معها حالة الهروب كما جرى من أفغانستان مرة ثانية، لكن الآن من الشرق الأوسط.

فجماعات الحوثيين قاموا بشنِّ هجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر، وهو ما يُعدّ تطوّراً عسكرياً خطيراً، هدفه جرّ واشنطن وحلفائها إلى صراع مباشر، يستفيد منه خصوم الولايات المتحدة الاستراتيجيون في العالم، إذ لفتت العديد من التقارير الدولية، وجهة نظر العالم وصناع السياسات، لعدم إبعاد التطوّرات الأمنيّة في البحر الأحمر وخليج عدن ومضيق باب المندب، عن مسار الصراع بين الغرب بقيادة الولايات المتحدة وتحالف إيران وروسيا والصين.

ولذلك، ظهر أن لروسيا مصلحة في إرباك الموقف الأميركي في البحر الأحمر، وفي الصراع الفلسطيني_الإسرائيلي لإنهاك سياسة واشنطن وتحولها عن حرب أوكرانيا، كذلك لتسعير الخلاف بين الجمهوريين والديمقراطيين بشأن التورط أو الانخراط العسكري الأميركي في الصراعات الخارجية، كما أن الصين من جانبها ترى نفسها معنيّة أيضاً بإسقاط هيبة الولايات المتحدة في البحر الأحمر، لخلق واقع مخيف لحلفائها في جنوب شرقي آسيا.

كل ذلك من دون أن نخفي اهتمام أميركا بالغاز في البحر الأبيض المتوسط، الذي يمتد من غزة إلى ليبيا ثم إلى لبنان، من هنا كانت الضربة الأميركية بترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، وتركيز واشنطن على ضرورة بدء الإسرائيليين باستخراج الغاز من حقل كاريش، ومعه تستمر المساعي للمسارعة في ترسيم الحدود البرية بين لبنان وقبرص وإسرائيل، وكذلك صار معلوماً حجم التنسيق الإسرائيلي القبرصي. فالميناء الأميركي العائم على شواطئ غزة، هدفه الأساسي الربط بين غزة وقبرص في مجال نقل المساعدات الإنسانية، لكن تبدو حقيقته مبطَّنة ومخططا لها:

هي عودة أميركية صريحة إذاً إلى الشرق الأوسط، وسط صراع على المعابر والممرّات الأساسية، التي لا يمكن لواشنطن التخلي عن السيطرة على مفاصل أساسية فيها ومنها

أولاً- لجهة السيطرة على الحقول الغازية والنفطية فيها.

وثانياً- لربطها بالغاز الإسرائيلي، ضمن إطار المشروع الأميركي بالاعتماد على بدائل للغاز من أجل أوروبا، بعد اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا.

هي عودة أميركية صريحة إذاً إلى الشرق الأوسط، وسط صراع على المعابر والممرّات الأساسية، التي لا يمكن لواشنطن التخلي عن السيطرة على مفاصل أساسية فيها ومنها، كما هو الحال بالنسبة إلى سيطرتها على مساحات حدودية سورية وعراقية لقطع طريق إيران إلى بغداد ودمشق وبيروت، فكل هذه المخططات تأتي في ظل ما يعيشه النظام السوري من ضغوط إيرانية لبلورة مشاريعها ومعابرها في المنطقة، كي يصل إلى المتوسط بعد أن تعثَّرت بفعل التدخل الروسي، لتعود وتكرس نفوذها انطلاقاً من لبنان عبر ترسيم الحدود البحرية، والذي قضمت منه إسرائيل 1400 كلم2، بالإضافة لطموحها ومد نفوذها إلى بحر غزة.

أخيراً، الخاسر الأكبر بعد لبنان هو سوريا، إذ إن لدى التحالف الدولي بقيادة أميركا 30 موقعاً عسكرياً فيها، ولروسيا 105 مواقع، ولإيران 750 موقعاً، ولإسرائيل الأجواء التي تقصف منها مواقع إيرانية ولحزب الله، ومن بقي على أرضها هم نصف السوريين، والنصف الآخر موزع بين لبنان وتركيا والأردن وألمانيا ومصر والعراق وبلاد الله الواسعة، أما الذي بقي للسوريين في سوريا، بصرف النظر عن التمسك بالأرض والوطن، فإنه مخيف، منه 90 % تحت خط الفقر بحسب إحصاءات الأمم المتحدة، وليرة منهارة أمام الدولار وخسائر فلكية في الاقتصاد. فالدور السوري ضاع في الصراع الجيوسياسي، وهو كان جزءاً من الدور العربي مع تفاهم مصر وسوريا والسعودية، والحاجة كبيرة حالياً إلى دور سوري فاعل بنظام سياسي جديد، يخرج من ظلال الهيمنة الإيرانية، ويسهم في تقوية الدور العربي وضمان الاستقرار في المنطقة.