icon
التغطية الحية

واشنطن بوست: لا حياة في المدن السورية وأزمة الوقود تغرقها في الظلام

2023.01.20 | 20:26 دمشق

دمشق
إحدى شوارع العاصمة السورية دمشق ـ رويترز
The Washington Post- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

في حمص، ثالث أكبر مدينة سورية، تحتاج أسرة محمد لأسبوع كامل حتى تغسل وجبة غسيل واحدة، وهذا ما دفع محمداً للقول: "لا يوجد وقت محدد للكهرباء، إذ في بعض الأحيان تأتي لمدة ساعة، وأحياناً لساعتين، وأحياناً فقط لعشر دقائق، وفي بعض الأحيان لا تأتي أبداً طوال اليوم".

ولذلك أصبحت والدة محمد تغسل بشكل يدوي، وتترك من الثياب ما يحتاج لتنظيف عميق للغسالة التي تدب الروح فيها من جديد مع عودة التيار الكهربائي.

بعد سنوات من الحرب والحرمان، صار السوريون يعانون اليوم من أزمة وقود خانقة، كما جعلت فترات انقطاع الكهرباء الطويلة معظم أرجاء البلاد تغرق في ظلام دامس بصورة شبه مستمرة. ففي بعض أحياء العاصمة دمشق، تصل الكهرباء لمدة 15 دقيقة باليوم الواحد، وفي بعض المناطق القريبة من المركز، ومن القصر الرئاسي، تبقى الأنوار لفترات أطول. ومع نقص مادة البنزين، خلت الطرقات الرئيسية من حركة المرور، وتحولت المنطقة الحدودية الفاصلة بين سوريا ولبنان إلى سوق سوداء ازدهرت عبر بيع الوقود.

في حمص، وفي عموم أرجاء البلد، توقفت الحياة حرفياً، ولهذا يقول محمد عنها بأنها تحولت إلى: "مدينة أشباح"، واشترط علينا استخدام اسمه الأول فقط، مخافة انتقام النظام منه في حال تم التعرف إلى هويته بعد إدلائه بحديث لوسائل إعلام أجنبية.

حلول غير مجدية

بات معظم السوريين يعتمدون على المولدات لتأمين الكهرباء، ولكن حتى المولدات بحاجة لوقود، ولهذا أصبحت العائلات تعتمد على بطاريات كبيرة وغالية الثمن تتصل بألواح الطاقة الشمسية إن كان بوسع تلك الأسر تأمينها، إلا أن معظم العائلات لا يمكنها دفع ثمنها.

يعلق محمد على ذلك بقوله: "أصبح الناس يحرقون النعال والنايلون والقوارير البلاستيكية من أجل التدفئة، وهذا ما يجعلني أبكي، إذ بإمكانك أن ترى الناس في الشارع وهم يجمعون البلاستيك من أكياس القمامة، بل حتى أكياس القمامة نفسها صاروا يحرقونها".

خلال السنوات القليلة الماضية، وفي أثناء الشهور الأقسى برودة، فارق أطفال الحياة بسبب الاختناق الناجم عن نقص الأوكسجين بعدما أحرق أهاليهم مواد بلاستيكية وأقمشة بغرض تدفئتهم، إلا أن هذا الشتاء مايزال معتدلاً حتى الآن.

تمتلك أسرة محمد بطارية، ولكنها لا تكفي إلا لإنارة أضواء الليدات، ولهذا يشحن محمد جواله بواسطة جهاز باور بانك، والذي يقوم بشحنه في بيت أحد الأقرباء تمكن من شراء لوحين شمسيين. إذ عندما زار عيادة لطبيبة، طلبت منه أجر معاينتين، إحداهما للفحص العام، والأخرى لتعوض ما خسرته عند تشغيلها للمولد.

حتى تبقى تلك البطاريات الضخمة تعمل، يقوم الرجال في الأسرة بحملها على الأدراج وتوصيلها بالسيارة حتى يتم شحنها من جديد.

ويعلق محمد على ذلك مازحاً بقوله: "معظم الناس يستخدمون السيارة لهذا الغرض"، بما أن السيارة نفسها لم تعد تتحرك من مكانها إلا نادراً بسبب عدم توفر البنزين.

الاعتماد على "الأصدقاء"

في أواخر شهر تشرين الثاني الماضي، أنحى وزير النفط السوري بسام طعمة باللائمة التي تتصل بظهور تلك الأزمة على تأخر الشحنات من قبل "الدول الصديقة" في إشارة لإيران، التي بقيت تمد نظام بشار الأسد بالنفط منذ عام 2013. إلا أن إيران قررت في ذلك الشهر أن ترفع صادراتها من النفط إلى سوريا من 2 مليون إلى 3 ملايين برميل بالشهر، بحسب صحيفة الوطن التابعة للنظام في سوريا.

وهذا ما دفع الوزير طعمة ليعلن عبر التلفزيون الرسمي السوري بأن: "ما تم استيراده يكفي لسد الحاجة فقط"، وذكر بأن تلك الدولة التي تعاني من أزمة مالية باتت تصدر اليوم 90% مما تنتجه من الوقود.

طوال الحرب التي امتدت لاثنتي عشرة سنة، خسر النظام شمال شرقي سوريا، تلك المنطقة الغنية بالنفط، والتي تحتوي على أكبر حقل نفطي في البلد، أي حقل العمر، لصالح مقاتلي تنظيم الدولة، ثم لصالح الجماعات المسلحة الكردية المدعومة أميركياً.

ثم إن اعتماد النظام على إيران في استيراد النفط الذي يتم شراؤه منها بالدين، وهي دولة ستخضع لمزيد من العقوبات الغربية قريباً، قد جعل سوريا تحت رحمة قوى خارجة عن سيطرتها، وقد ألمح طعمة لذلك خلال شهر نيسان، وذلك عندما احتجزت اليونان سفينة ترفع علم إيران وصادرت الولايات المتحدة جزءاً من شحنتها النفطية لفترة موقتة.

أصبح السوريون يتطلعون للجارة لبنان، حيث يمكن لأسعار البنزين أن تكون مرتفعة ولكنها متوفرة على الأقل، ولهذا تحولت المنطقة التي تربط بين البلدين إلى سوق غير رسمية يتم فيها بيع وشراء قوارير بلاستيكية مملوءة بسائل شفاف لونه أصفر مائل للخضرة بكل أريحية.

بيد أن السوق السوداء المخصصة للوقود أغاثت الناس حسب رأي أحد السائقين السوريين الذين يقومون بنقل الناس بين البلدين، حيث وصف السيارات التي تحمل لوحات ترخيص لبنانية وهي تصطف إلى جانب الطريق في هذه الأرض المقفرة، ليقوم السائقون بسحب البنزين أمام عيون الناس من خزانات الوقود في سياراتهم حتى يقوموا ببيعه لمن يقودون سياراتهم باتجاه سوريا.

وأضاف ذلك السائق: "إن قطعت الحدود السورية فسيتغير السعر، وسيصبح ربحك أعلى".

وذكر ذلك السائق الذي طلب عدم الكشف عن اسمه لكونه يتحدث عن صفقات غير قانونية بأن ضباط الجمارك اللبنانيين المعروف عنهم أنهم لا يقبلون الرشى منذ أمد بعيد، تمكنوا من جمع ثروة اليوم بفضل هذه التجارة.

صار سائقو سيارات الأجرة من السوريين يبيعون البنزين على قارعة الطريق، بما أنهم يحصلون على بنزين مدعوم من قبل الدولة، وهكذا أصبحت المحال التجارية تخزن الحاويات المخصصة لتلك المادة لتقوم ببيعها لمن يعرف أن يسأل عنها، وكأنها صنف غير موجود ضمن اللائحة.

أما على منصة فيس بوك التي يفضلها السوريون، فقد أنشئت مجموعات مخصصة لتحديد محطات البنزين المزدحمة، والتي باتت تعرض صفقات لبيع البنزين في علبة زيت دوار الشمس أو علب كبيرة مخصصة للمياه، وفي هذه السوق يحقق البنزين اللبناني سعراً أعلى بقليل من البنزين السوري، حيث يقوم الباعة بنشر النوع والسعر، إلى جانب المصدر، وبالطبع لا يذكر مكان التسليم.

في إشارة ملموسة لتنامي غضب الشارع، أصبحت القنوات الإعلامية الموالية للنظام تنشر أخبار هذه الأزمة، حيث ورد في أحد العناوين الرئيسية التي صدرت خلال هذا الشهر: "شلل تام بسبب عدم توفر الوقود... لا حياة في شوارع العاصمة السورية". وفي تقرير بثته قناة الميادين اللبنانية التي تغطي الأخبار السورية بشكل حصري، ورد بأن محطات الحافلات الصغيرة بدمشق باتت مزدحمة بشكل كبير بسبب تهافت الناس على ركوب تلك الوسيلة التي بوسعهم دفع أجرتها للتنقل، وجاء أيضاً بأن: "بدت دمشق شبه خالية من السيارات حتى في ساعات الذروة خلال النهار".

يذكر أن النظام السوري اضطر للاعتراف بعدم توفر الوقود وبتنفيذه لسلسلة من الإجراءات التي تهدف لتأمين بدائل مؤقتة، فقد علق الاتحاد الرياضي العام في سوريا ولأجل غير مسمى كل مباريات كرة القدم وكرة السلة. وخلال الشهر الماضي، تم منح موظفي الدولة يومين عطلة إضافيين كل أسبوع. وخلال شهر تشرين الأول، أعلن مسؤولون عن استمرار العمل بالتوقيت الصيفي في محاولة منهم للتوفير في الطاقة، ما دفع السوريين للتندر بتلك المبادرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

إذ علق أحد أهالي حماة على ذلك بقوله: "لم يتمكنوا من تأمين الغاز والبنزين للشتاء، ولهذا قرروا أن يلغوا الشتاء بأكمله"، في حين علق آخر بالقول: "قررنا أن نحس بالبرد غداً لمدة ساعة إضافية".

المصدر: The Washington Post