icon
التغطية الحية

واشنطن بوست: السوريون محاصرون أكثر من أي وقت مضى

2019.07.17 | 10:07 دمشق

طفل نازح من ريف حماة (تلفزيون سوريا)
واشنطن بوست - ترجمة وتحرير ربى خادم الجامع
+A
حجم الخط
-A

يبدو وكأن حملة النظام التي يدعمها الكرملين في شمال غرب سوريا قد توقفت خلال الأسبوع الماضي. إذ منذ أواخر شهر نيسان، شرعت قوات بشار الأسد بهجوم بري وجوي على محافظة إدلب التي تمثل آخر ملاذ في البلاد للكثير من الثوار ولعتاد المقاتلين الإسلاميين. ويعتقد بأن القصف المتواصل الذي استمر لشهرين تقريباً على مدينة إدلب وأجزاء من محافظة حماة المجاورة قد أدى إلى مقتل مئات من البشر، كما شرد عشرات الآلاف غيرهم. وبالرغم من حمَّام الدم هذا، فإن نظام الأسد لم يحقق سوى القليل على الصعيد الاستراتيجي.

وخلال نهاية الأسبوع، أعلنت مجموعات حقوقية أن ما لا يقل عن 22 شخصاً لقُوا حتفهم بسبب الغارات الجوية التي شنتها روسيا والنظام. أما بالنسبة لعمليات الحصار السابقة لمعاقل الثوار الأخرى في سوريا، فقد ذكرت المعارضة بأن القوات التابعة لحكومة الأسد استهدفت العديد من المشافي والكثير من منازل المدنيين، ولهذا جدد العنف المتواصل المخاوف تجاه نزوح كارثي للاجئين، إذ تحتضن محافظة إدلب ما يربو عن ثلاثة ملايين نسمة من السكان هرب كثير منهم إلى تركيا أو إلى أي مكان آخر في سوريا التي مزقتها الحرب.

وفي بيان صدّقت عليه الأمم المتحدة؛ أعلن مديرو المنظمات الإنسانية الفاعلة في المنطقة وحذروا من الأوضاع بقولهم: "سبق أن مات كثيرون، حتى الحروب تتمتع بقوانين. باتت إدلب على شفير كابوس إنساني لا يشبه أي شيء مرَّ علينا خلال هذا القرن". كما أطلقت تلك المنظمات عبر وسائل التواصل الاجتماعي هاشتاغ: #العالم_يراقب

العالم يراقب

ولكن إذا كان العالم يراقب، فهذا يعني أنه لا يقوم بأي شيء يذكر حيال ذلك، فالعملية الدبلوماسية التي بدأت منذ مدة طويلة والتي شرعت بها الأمم المتحدة في جنيف بدعم من واشنطن بهدف إيجاد حل سياسي للنزاع في سوريا تبدو اليوم في حالة احتضار. بيد أن سلسلة من المحادثات التي تضم كلاً من روسيا وتركيا وإيران في سياق آخر ستستأنف في مطلع آب المقبل. وتركز تلك المحادثات أيضاً على التعقيد الجيوسياسي الذي يعيق تطلعات سوريا نحو السلام.

هذا وتدعم تركيا عدداً من الفصائل الثورية التي ترغب روسيا بطردها من إدلب، ولهذا حاولت الدولتان الدخول في وساطة للتوصل إلى هدنة غير مستقرة بخصوص هذه المحافظة وذلك خلال العام الماضي، غير أن اتفاق وقف إطلاق النار قد انهار في شهر نيسان/أبريل. بيد أنه ليس هنالك أي طرف يرغب بمشاهدة التصعيد الشامل، ولن يرضيهم بقاء الوضع على حاله. وبالرغم من اختلافهما حول مصير سوريا ومستقبل حكم الأسد، فإن تركيا وروسيا شهدتا تقارباً على جبهات أخرى. فخلال الأسبوع الماضي، تسلمت تركيا شحنة من عناصر منظومة الصواريخ المضادة للطائرات إس -400 الروسية، الأمر الذي أغضب حلفاءها في حلف شمال الأطلسي، لاسيما الولايات المتحدة.

شرق الفرات

ومن المتوقع أن تقوم تركيا باستعدادات لإطلاق عملية عسكرية جديدة شمال شرق سوريا، لتضرب الميليشيات الكردية السورية التي تدعمها الولايات المتحدة والتي تقود القتال ضد مقاتلي الدولة الإسلامية، ويمكن أن ترحب روسيا بهذا السيناريو، في الوقت الذي تدفع فيه الأكراد السوريين للتقارب مع النظام في دمشق، مع قيامها في الوقت ذاته بتقويض المصالح الأمريكية. بالنسبة لأنقرة؛ تحمل هذه العملية بين طياتها مخاطر جمة، من بينها تدمير أكبر للعلاقة المهلهلة أصلاً بينها وبين واشنطن، وإثارة الرأي العام في الداخل.

وحول هذا الموضوع كتب ألكسي خليبنيكوف وهو خبير في شؤون الشرق الأوسط لدى المجلس الروسي للشؤون الدولية قائلاً: "بالرغم من أن الجيشين في كلا البلدين يعملان حالياً على القضية في إدلب ويناقشان العملية العسكرية التركية شمال شرق سوريا، فإن كليهما ليسا على استعدادٍ للقيام بعمل حاسم بشكل منفرد وذلك لتغيير الوضع الراهن. لذا فإن أهم الأسئلة التي يجب أن تطرح الآن في هذا السياق تختصر بالآتي: "إلى متى ستحتفظ روسيا بصبرها حيال إدلب؟ وإلى أي مدى يمكن لتركيا أن تقف ضد المصالح الأمريكية في سوريا، وما خطة سياسة واشنطن بالنسبة لسوريا؟"

إيران في المعادلة

إن السؤال الأخير لا يمكن أن يقابل إلا بهز الكتفين تجاهلاً، فبعد تعبير الرئيس ترمب عن شعوره بالرضا حيال الهزيمة المفترضة للدولة الإسلامية، أشار مراراً وتكراراً إلى عدم اهتمامه بالوصول إلى المرحلة النهائية في سوريا، بل فتح عوضاً عن ذلك جبهة جديدة قد تؤدي إلى الدمار وعدم الاستقرار وذلك عبر مواجهاته مع إيران. كما أصرَّ البيت الأبيض على قيام إيران بسحب الميليشيات المقاتلة الموالية لها من سوريا كشرط مسبق للمحادثات التي ستجري، وقد وجد بعض المحللين في ذلك طلباً مغالياً في تطرفه لدرجة لا يمكن معها أن يؤخذ على محمل الجد.

ولقد أشار تشارلز ليستر وهو من كبار العاملين لدى معهد الشرق الأوسط إلى أن إيران لم تورط وكلاءها في معركة إدلب، وهذا القرار أسهم في إظهار ضعف الأسد نسبياً دون حلفائه. وحول ذلك كتب معلقاً على الأحداث بالقول: "خير دليل على أن النظام السوري يفتقر إلى العديد من الجنود ليقوم باستعادة سيطرته وبسط نفوذه على ما تبقى من البلاد يتجلى بالأحداث الأخيرة في إدلب" وذلك تعليقاً على تصريحات الأسد بخصوص النصر النهائي الذي حققه والتي وصفها بأنها سابقة لأوانها.

وحول ذلك يعلق سام هيلار من مجموعة الأزمة الدولية متحدثاً لأسوشيتد برس قائلاً: "إن عدم قدرة الجيش السوري على إحراز مزيد من التقدم في إدلب حتى الآن لا يعني أنه ليس بوسعه تحقيق النصر في طول البلاد وعرضها في نهاية المطاف. بل إن ذلك يظهر بأن النصر العسكري على الصعيد السياسي أكبر من سوريا فقط".

ويضيف ليستر: "لم يكسب نظام الأسد أي شيء، بل ضمن نجاته واستمراره على حساب الدم والرعب السوري، في حين ظل الاستقرار أمراً بعيد المنال".

ومع ذلك مايزال الأسد وحلفاؤه الروس يتصرفون وكأن الاستقرار قد تحقق، حيث أخذ النظام يحث اللاجئين السوريين في دول الجوار وهي تركيا والأردن ولبنان -والتي تضم جميعها أكثر من خمسة ملايين نازح سوري- على العودة إلى وطنهم، بيد أن عدد العائدين ما يزال قليلاً حتى الآن، إذ يخشى كثيرون أن يتم سوقهم إلى سجون النظام سيئة الصيت أو أن يجري ابتزازهم على يد الميليشيات الموالية للنظام. ويزداد وضع محنة هؤلاء سوءاً مع نفاد صبر الدول المضيفة الثلاث، مع انشغال الحكومة والمجتمع فيها بمعالجة الضغوط المتمثلة باستضافة اللاجئين لما يقرب من عقد من الزمان.

اللاجئون

وحول ذلك أشارت الفاينانشال تايمز إلى أن: "الدول الغربية المانحة أنفقت المليارات على مساعدة الدول الثلاث، أملاً في تجنب تكرار موجة الهجرة إلى أوروبا التي حدثت ما بين عامي 2015-2016 والتي أثارت الحالة الشعبوية لدى اليمين المتطرف مما أدى إلى زعزعة الاستقرار، بيد أن الدول المضيفة تشتكي من أن تدفق اللاجئين – إذ تمكنوا من استيعاب 5.2 ملايين لاجئ فيها- قد طال بنيتها التحتية، كما أدى إلى تنامي شعور معادٍ للسوريين. وفي بعض المناطق، بدأ اللاجئون يواجهون عدائية متزايدة من قبل السلطات نفسها، إلى جانب ضغوط تدفعهم للعودة إلى بلادهم".

وحول ذلك يعلق نجار من محافظة حلب يعيش حالياً كلاجئ في بيروت بالقول: "لا ندري ماذا يجب علينا أن نفعله حقاً. فخلال وجودي هنا، كل ما يشاهده ابني هو أب لا يستطيع إعالته، كما أنني مهدد بالترحيل لمجرد ذهابي إلى العمل، لكن بالنسبة للعودة إلى الوطن سوريا فلا يمكنني القيام بذلك لأن الأمر أشبه بالسير فوق ثقب أسود".

 

المصدر: واشنطن بوست