هيئة تحرير الشام.. بين التصنيف الدولي والواقع الميداني

2024.06.04 | 05:43 دمشق

عناصر من الهيئة
+A
حجم الخط
-A

تُعد هيئة تحرير الشام واحدة من أبرز الفصائل المسلحة التي ظهرت خلال الصراع السوري المستمر منذ عام 2011. وتثير الهيئة كثيرا من الجدل على الصعيدين الإقليمي والدولي بسبب طبيعتها المعقدة وعلاقاتها المتشابكة مع الأطراف المختلفة. تتراوح الآراء حولها بين اعتبارها فصيلاً مقاوماً لنظام الأسد، وتصنيفها كجماعة إرهابية من قبل العديد من الدول والمنظمات الدولية.

أسست هيئة تحرير الشام في يناير 2017 من اندماج عدة فصائل إسلامية مسلحة، أبرزها جبهة النصرة التي كانت الفرع السوري لتنظيم القاعدة. وعلى الرغم من إعلانها فك ارتباطها بالقاعدة في 2016 وتغيير اسمها، لم يغير ذلك من تصنيفها كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة، وروسيا، والعديد من الدول الأخرى.

تصنيف هيئة تحرير الشام كجماعة إرهابية يستند إلى عدة عوامل، أبرزها أصولها الإيديولوجية، حيث رغم إعلانها الانفصال عن القاعدة، لا يزال يُنظر إلى إيديولوجيتها المتطرفة وأساليبها العنيفة بالنظرة السابقة نفسها. كما أن سجل حقوق الإنسان للهيئة حافل بالانتهاكات، بما في ذلك القتل والاعتقال التعسفي والتعذيب.

علاوة على ذلك، يُنظر إلى الهيئة على أنها تشكل تهديداً ليس فقط لسوريا، بل وللاستقرار الإقليمي والدولي، نظراً لقدرتها على تجنيد وتدريب المقاتلين الأجانب. وعلى الجانب الآخر فرضت هيئة تحرير الشام واقعاً معقداً في مناطق سيطرتها، وخاصة في إدلب وأجزاء من شمال غربي سوريا. وأقامت الهيئة جهازاً إدارياً يعرف بـ"حكومة الإنقاذ السورية"، يتولى إدارة الشؤون المدنية في مناطق سيطرتها، رغم الانتقادات الواسعة، إلا أن هذا الجهاز نجح في توفير بعض الخدمات الأساسية، كالتعليم والصحة، في ظل غياب الدولة.

وعلى الرغم من صراعاتها مع فصائل أخرى، إلا أن الهيئة أبدت قدرة على التكيف والتحالف التكتيكي مع بعض الفصائل المسلحة عند الحاجة. كما تسيطر الهيئة على المعابر الحدودية مع تركيا، مما يتيح لها جمع موارد مالية كبيرة من خلال الضرائب والرسوم الجمركية. هذه الموارد تُستخدم لتمويل أنشطتها الإدارية والعسكرية. وعلى الرغم من تصنيفها كجماعة إرهابية، تسعى الهيئة لإعادة تقديم نفسها كفاعل سياسي معتدل نسبياً في إطار المعارضة السورية، وتبذل جهوداً لتجنب التصادم المباشر مع القوات التركية في شمالي سوريا.

إن مستقبل الهيئة يعتمد إلى حد كبير على مدى قدرتها على تحقيق توازن بين أهدافها الإيديولوجية ومتطلبات الواقع السياسي والعسكري المتغير في سوريا

تواجه هيئة تحرير الشام تحديات وجودية كبيرة فالتصنيف الإرهابي يحد من قدرتها على الحصول على دعم دولي رسمي، ويجعلها هدفاً مستمراً للغارات الجوية والعمليات العسكرية من قبل النظام السوري وحلفائه. إضافة إلى ذلك، هناك استياء شعبي متزايد في مناطق سيطرتها بسبب سياساتها القمعية والضرائب الثقيلة. من جهة أخرى، تسعى الهيئة إلى تحسين صورتها دولياً، ومحاولة كسب الشرعية من خلال إظهار استعدادها للتفاوض والمشاركة في الحلول السياسية.

إن مستقبل الهيئة يعتمد إلى حد كبير على مدى قدرتها على تحقيق توازن بين أهدافها الإيديولوجية ومتطلبات الواقع السياسي والعسكري المتغير في سوريا. ولعل النظر إلى تجارب أخرى في مناطق نزاع مختلفة قد يساعد في استشراف مستقبل هيئة تحرير الشام. فمثلاً، يمكن الاستفادة من تجربة حركة طالبان في أفغانستان، التي رغم تصنيفها كجماعة إرهابية، تمكنت في نهاية المطاف من الجلوس على طاولة المفاوضات والوصول إلى اتفاقيات مع قوى دولية. في السياق السوري، يبدو أن الهيئة تسعى لأن تتبنى نهجاً مشابهًا، بدأ بإظهار نوايا لتحقيق قبول دولي والسعي للخروج من دائرة التصنيف من خلال خطوات بنيوية لقياداتها، وخطوات منهجية تعتمد تغييرا في طرح الإيديولوجية، لكن ما لم يكن هناك تخلٍّ عن العنف كوسيلة لتحقيق الأهداف، والالتزام بوقف إطلاق النار، وإظهار تغيير حقيقي في سياستها على الأرض مع المدنيين بإجراء إصلاحات تسهم بوقف المظاهرات ضدها وتحقيق قبول شعبي بالحد الأدنى على الأقل لن تتمكن من الاستمرار كقوة مفروضة على الأرض.

كما أنه لا بد من اتخاذ خطوات جادة لتحسين سجل حقوق الإنسان داخل المناطق التي تسيطر عليها، بما في ذلك إطلاق سراح المعتقلين السياسيين ووقف عمليات التعذيب. إضافة إلى التركيز على إعادة بناء الاقتصاد المحلي وتحسين الخدمات الأساسية للسكان، مما يساعد في كسب دعم شعبي وتحقيق نوع من الاستقرار النسبي المرحلي للمناطق التي تسيطر عليها حيث إن الافتقار للخدمات يجعل المدنيين في المناطق المحررة مضطرين لقبول المر تفاديا للأمر.

في نهاية المطاف، تظل هيئة تحرير الشام كياناً معقداً يثير كثيرا من الجدل. بين التصنيف الدولي الذي يضعها في خانة الجماعات الإرهابية، والواقع الذي فرضته على الأرض كمؤثر رئيسي في مناطق سيطرة المعارضة، ويتضح أن مستقبلها مرهون بالتطورات السياسية والعسكرية في سوريا. كما أن دور المجتمع الدولي في التعاطي مع هذا الكيان سيلعب دوراً حاسماً في تحديد ملامح المرحلة القادمة من الصراع السوري.