icon
التغطية الحية

هولندا تستعين باتفاقية مناهضة التعذيب لمحاسبة نظام الأسد

2020.10.24 | 11:21 دمشق

hague_peace_palace.png
معهد الشرق الأوسط - ترجمة وتحرير: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

خلال الشهر المنصرم أعلنت هولندا عن رغبتها بمحاسبة نظام الأسد لارتكابه انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وكذلك من أجل ممارسته للتعذيب بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب الأممية، إذ بوجود قضية واحدة فقط رفعتها بلجيكا ضد السنغال وعرضت على محكمة العدل الدولية بموجب هذه الاتفاقية، أصبحت هولندا تخوض في مياه مجهولة نوعاً ما، كونها ستصبح أول دولة ترفع دعوى بموجب جوهر المادة الأولى من هذه الاتفاقية. وفي الوقت الذي لا يرجح فيه أن يصل صوت هولندا لمحكمة العدل الدولية إلا بعد مرور عام آخر أو يزيد، يعد إعلانها عن القيام بذلك خطوة مهمة للضغط من أجل محاسبة سوريا بشكل أوسع.

إن تورط نظام الأسد بانتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان تشمل عمليات التعذيب السادية يعتبر حقيقة غير قابلة للنقاش، فقد هرّب العسكري المنشق الذي يعرف باسمه الحركي: قيصر حوالي 55 ألف صورة التقطت ما بين أيار/مايو 2011 وآب/أغسطس 2013 لحوالي 11 ألف جثة تعرضت لتعذيب وحشي قاس حيث قطعت أوصالها وشوهت معالمها. وكل تلك الجثث تعود لأشخاص اعتقلهم نظام الأسد. وبالرغم من ظهور آثار التعذيب، تمكنت الكثير من العائلات أن تعرف مصير أحبائها من خلال تلك الصور. وبالإضافة لذلك، تشكلت العديد من المجموعات التي تضم ناجين من سجون الأسد وهي بدورها أدلت بشهادات حول التعذيب الهمجي الذي تعرض له هؤلاء الناجين خلال فترة اعتقالهم على يد النظام وقدمت تلك الشهادات عبر المنابر الإعلامية وأمام الهيئات الدولية. كما حققت محاكم أوروبية بل حاكمت أيضاً مسؤولين في نظام الأسد لتورطهم بعمليات التعذيب أو لإشرافهم عليها. لذا وبكل تأكيد أصبح بيد هولندا الكثير من الأدلة سواء المرئية منها أو تلك القائمة على شهادات ولهذا فكرت برفع دعوى ضد نظام الأسد.

 

رفع الدعوى أمام محكمة العدل الدولية

إذن كيف يمكن لهولندا أن ترفع دعوى بموجب معاهدة مناهضة التعذيب؟ إن كلاً من هولندا وسوريا قد وقعتا على هذه المعاهدة ولم تقدما أية تحفظات على فقرة حل النزاعات بموجب هذه الاتفاقية المنصوص عليها في المادة رقم 30، والتي ورد فيها: "أي نزاع ينشأ بين دولتين طرفين أو أكثر فيما يتصل بتأويل أو تطبيق هذه المعاهدة دون أن يتم تسويته عبر التفاوض، يجب أن يخضع للتحكيم بناء على طلب فريق منهما. وفي حال لم يتمكن الطرفان من الاتفاق على عملية تنظيم التحكيم خلال ستة أشهر من تاريخ التقدم بطلب التحكيم، عندها يحق لأي طرف من الطرفين أن يحيل النزاع إلى محكمة العدل الدولية عبر التقدم بطلب يتوافق مع القانون الأساسي للمحكمة". أي باختصار، هنالك ثلاث خطوات أساسية لحل النزاع بموجب هذه المعاهدة وهي التفاوض والتحكيم وأخيراً إحالة النزاع لمحكمة العدل الدولية.

في الثامن عشر من أيلول/سبتمبر، أعلنت هولندا أنها أرسلت إشعاراً لسوريا عبر خطاب دبلوماسي أعربت من خلاله عن رغبتها بمحاسبة حكومة النظام بموجب هذه المعاهدة. فسارعت حكومة النظام إلى الرد بأن هولندا هي "آخر من يتكلم عن حقوق الإنسان" وذلك نظراً لدعمها وتمويلها لـ"تنظيمات إرهابية"، وتتضمن هذه الرسالة ذلك الهجوم المعهود لحكومة النظام على أي دعم سياسي أو إنساني يقدم لعناصر معارضة أو لأفراد يقيمون في مناطق خارجة عن سيطرتها. ولم يتضح بعد حتى لحظة كتابة هذه السطور ما إذا كانت حكومة النظام قد ردت على هولندا بصيغة أكثر موضوعية أو دخولها في تفاوض يفضي لنتيجة حول اتهامها بالتعذيب من قبل هولندا.

وفي حال وصلت المفاوضات بين هولندا وسوريا إلى طريق مسدود، عندها يحق لأي منهما أو لكليهما أن تتقدما بطلب للتحكيم بهدف حل النزاع. وفي حال عدم تمكن هولندا وسوريا من الاتفاق حول تنظيم عملية التحكيم، ويشمل ذلك المحكمين، خلال مدة أقصاها ستة أشهر من تاريخ تقديم طلب التحكيم، عندها يحق لكلا الطرفين أن يرفع النزاع إلى محكمة العدل الدولية.

ومن المفترض ألا تتعاون سوريا في هذه العملية، أي أن تتجاهل محاولات هولندا للتفاوض والتحكيم، وهكذا ستقوم هولندا برفع الدعوى أمام محكمة العدل الدولية. وبالنظر إلى المثال السابق، نجد أن هنالك الكثير من الأمثلة حول دول رفضت الرد على المزاعم التي تقدمت بها دول أخرى بل لم تحضر جلسات المحاكمة التي عقدتها محكمة العدل الدولية. ولكن وبخلاف القانون المحلي حيث يمكن أن يتسبب عدم مشاركة أحد الأطراف أو عدم حضوره إلى صدور حكم افتراضي، يمكن لمحكمة العدل الدولية أن تواصل عقد جلساتها بحضور طرف واحد فقط وإصدار حكم بناء على أساس الدعوى وفقاً للسلطة القضائية الممنوحة لها.

وفي الوقت الذي قد ترفض فيه سوريا سلطة محكمة العدل الدولية وتطبيقها عليها، لابد أن نتذكر أن هذه الدولة عضو في المادة رقم 93 من ميثاق الأمم المتحدة والتي تنص بوضوح على أن: "كل أعضاء هيئة الأمم المتحدة هم فعلياً أعضاء في النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية"، كما تعتبر تلك الدول أنها وافقت على السلطة القضائية لمحكمة العدل الدولية "بموجب فقرة السلطة القضائية" الواردة في الاتفاقية. لذا فإن كلاً من هولندا وسوريا قد وافقتا على السلطة القضائية لمحكمة العدل الدولية وذلك لعدم تقديمهما لأية تحفظات على فقرة حل النزاعات بموجب المادة 30 من اتفاقية مناهضة التعذيب.

 

آثار حكم المحكمة

لو عرضت القضية الأخرى على محكمة العدل الدولية بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب، لكانت بلجيكا قد رفعت دعوى ضد السنغال لعدم محاكمة الرئيس السابق لتشاد حسين حبري الذي منح اللجوء السياسي من قبل حكومة السنغال وذلك بتهمة قيامه بالتعذيب وبارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وكذلك لعدم تسليم حبري لبلجيكا حيث يمكن أن يحاكم. فقد اكتشفت محكمة العدل الدولية أنها لها سلطة قضائية بالنسبة للدعوى التي رفعتها بلجيكا وذلك بناء على المادتين 6 و7 من اتفاقية مناهضة التعذيب التي لم تلتزم بها السنغال بها. ولهذا أصدرت محكمة العدل الدولية أخيراً أمراً يقضي بأن تكف السنغال عن ظلمها وبأن تتخذ الإجراءات اللازمة لمقاضاة حبري في حال عدم تسليمه.

وبالرغم من أن محكمة العدل الدولية تفتقر إلى آليات لفرض سلطتها، إلا أن صدور حكم مستقبلاً بناء على الدعوى التي سترفعها هولندا سيمثل سابقة لمحكمة دولية تقدم استنتاجات قانونية بشأن حالة استخدام التعذيب في سوريا، وقد تم توثيق ذلك بشكل مفصل ودقيق من قبل سوريا ومنظمات حقوقية دولية، كما تم التحقق من ذلك جنائياً على يد هيئات وجهات استخباراتية. وفي الوقت الذي قد ينهي فيه حكم قضائي صادر عن محكمة العدل الدولية استخدام سوريا للتعذيب، قد يفتح ذلك الباب أمام المزيد من الجهود للوصول إلى المحاسبة، ويشمل ذلك محاولات إحالة القضية للمحكمة الجنائية الدولية، أو اعتبار ذلك دليلاً لقضايا أخرى قد تنظر فيها سلطة قضائية دولية، حيث يمكن لمحكمة وطنية أن تمارس سلطاتها القضائية على أنواع قليلة من الجرائم الدولية، ويشمل ذلك جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، والتعذيب بصرف النظر عن مكان ارتكاب الجريمة أو تابعية مرتكبها. ومع أن الوقت ما يزال مبكراً لمعرفة إلى أين ستصل الدعوى التي سترفعها هولندا، إلا أنها قطعاً خطوة إيجابية ضمن الجهود الساعية لمحاسبة سوريا بسبب ازدياد ارتكابها لجرائم شنيعة طيلة العقد الماضي وما بعده.

 

المصدر: معهد الشرق الأوسط