هواجس إسرائيلية تجاه روسيا في لبنان وأذربيجان

2020.09.21 | 00:00 دمشق

4201817222739478.jpg
+A
حجم الخط
-A

تجري إسرائيل وروسيا تنسيقا عالي المستوى، بكل أبعاده: سياسياً وعسكرياً وأمنياً، على الأراضي السورية، لكن هذا التنسيق والانسجام قد يغيب أو يتراجع في ساحات أخرى، تقترب من سوريا حيناً، وتبتعد حيناً آخر.

على صعيد الجوار الجغرافي لسوريا، فإن إسرائيل تبدي قلقاً لافتاً وهي تتابع التحركات الروسية التي تظهر انخراطا متزايدا في لبنان، معتبرة أن من شأن اتخاذه بعدا عسكريا أن يخلق صعوبات أمام تل أبيب، لأنه بعد الانفجار القوي الذي دمر أجزاء كبيرة من ميناء بيروت، كانت روسيا من أوائل من ساعد لبنان في نقل المعدات والطواقم الطبية، ويعكس هذا الرد التدخل الروسي المتزايد في لبنان، بما يُظهر المصالح والطرق التي تعمل موسكو من خلالها لتعزيزها.

وفق النظرة الإسرائيلية، فإن اهتمام روسيا بلبنان ينبع أساساً من موقعه على شواطئ البحر المتوسط، وترى فيه موسكو امتدادا للبحر الأسود، وهذا هو طريقها البحري على مدار السنة إلى مساحتها الاستراتيجية في الشرق الأوسط وجنوب أوروبا، كما أن الجوار مع سوريا، له أهمية استثنائية، حيث تستثمر روسيا الموارد العسكرية والجهود السياسية، وكل ذلك يجعل لبنان مهما في نظر موسكو.

بالنسبة لإسرائيل، فإن التدخل الروسي في لبنان، بالتوازي مع إضعاف النفوذ الأميركي فيه، قد يقوي حزب الله، كحليف لها في القتال بسوريا، لأنه في حالة اشتعال الصراع بين إسرائيل وحزب الله، ستواجه موسكو معضلة في الاعتماد على مستوى انخراطها في لبنان فيما يتعلق بالرد على الأحداث، بما يتجاوز الإدانة الدبلوماسية.

وفق النظرة الإسرائيلية، فإن اهتمام روسيا بلبنان ينبع أساساً من موقعه على شواطئ البحر المتوسط، وترى فيه موسكو امتداداً للبحر الأسود

في الوقت ذاته، وفي حال اعتبرت روسيا نفسها منافسا لحزب الله في لبنان، فإن المصلحة بأنها لن تتداخل بالضرورة بجانب حزب الله وإيران، وبالتالي قد يكون هذا مكسبا لإسرائيل بأن تستفيد من جهة "بالغة" مسؤولة، مثل روسيا، لتتحاور معها.

من ناحية أخرى، من المتوقع أن يكون الوجود العسكري الروسي في لبنان عاملا مقيدا يتعين على حزب الله أخذه بعين الاعتبار، لكنه يقيد إسرائيل في الوقت ذاته، كما هو الحال في سوريا، أحياناً.

ترتئي الأوساط العسكرية والأمنية الإسرائيلية أنه من المهم دمج الملف اللبناني في الحوار بين إسرائيل وروسيا، وفي نفس الوقت تعميق التنسيق مع الولايات المتحدة حول هذا الموضوع، وحتى مع عواصم مثل باريس ولندن، فإسرائيل معنية بالتدخل الغربي في مساعدة لبنان، لأنها دولة فاشلة، والانفجار الذي دمر ميناء بيروت يتطلب مساعدة قوى خارجية لإعادة تأهيله، وعلى إسرائيل أن تضمن، بل وتعمل على تعزيز مصالحها الأمنية والاقتصادية مع هذه القوى، وفق نظرتها بعيدة المدى.

بعيدا عن الجوار الجغرافي لسوريا، تظهر أزمة إسرائيلية روسية حول دعم أذربيجان بالأسلحة في حربها ضد أرمينيا، إلى الدرجة التي دفعت محافل إسرائيلية لاتهام روسيا بأنها تمارس إزاء إسرائيل سياسة من النفاق بسبب سلاح القوقاز، لأن الأسلحة التي قدمتها إسرائيل لحليفتها أذربيجان، تحرج الروس الذين يدعمون أرمينيا، العدو اللدود للأذريين، وهم ينقلون مئات الأطنان من الأسلحة للمنطقة، ويحاول الروس إقناع إسرائيل بوقف وتسليح حلفائها.

لمدة شهر، على بعد ألفي كيلومتر شمال إسرائيل، تصاعد الصراع بين دولتين صغيرتين: أرمينيا وأذربيجان، ودأب هذان الجاران العدوان في جنوب القوقاز على القتال بشكل متقطع منذ 30 عاماً، بشكل رئيسي حول منطقة ناغورنو كاراباخ، وهي منطقة أذرية، يحتلها الأرمن، ولا يعترف بها بقية العالم، بما فيها إسرائيل.

لكن الجولة الأخيرة من القتال بدت مثيرة للاهتمام، فالمعارك هذه المرة تجري بعيدًا عن نفس المنطقة من الأرض المنسية، بل بالقرب من الحدود الجورجية، وهذا سبب مثير للاهتمام، لأنه أولاً وقبل كل شيء، يمر فيها خط أنابيب النفط الشهير في إيكو-تيبليسي-جيهان، ثاني أطول خط في العالم.

معظم الإسرائيليين لا يعرفون ذلك، لكن ثلث النفط الذي يأتي لإسرائيل يتدفق عبر خط الأنابيب هذا، فإذا قرر الأرمن تفجيره من أجل الإضرار بالاقتصاد الأذربيجاني، فمن المحتمل أن تواجه إسرائيل نقصًا فوريًا في النفط، مما يؤدي لارتفاع أسعار الوقود، المرتفعة للغاية، في ظل أزمة كورونا التي تواجهها.

لمدة شهر، على بعد ألفي كيلومتر شمال إسرائيل، تصاعد الصراع بين دولتين صغيرتين: أرمينيا وأذربيجان، ودأب هذان الجاران العدوان في جنوب القوقاز على القتال بشكل متقطع منذ 30 عاماً

عند الحديث عن مطالبة روسيا لإسرائيل بوقف بيع أسلحتها المتطورة للأذريين، فإن الحديث لا يدور عن صفقات ثانوية بحسب الرئيس الأذري إلهام عالييف، الذي كشف أن إسرائيل تزودهم بالمليارات من الأسلحة، مما يضع مئات الملايين من الدولارات من الضرائب في خزائن إسرائيل، ويوفر فرص عمل لآلاف الإسرائيليين.

تتركز اتهامات روسيا بأن السلاح الإسرائيلي، خاصة الطائرات بلا طيار، تضر بالأرمن ، لكن ما لا تعلنه روسيا أنها تبيع أسلحة للطرفين، وتريد إخراج إسرائيل من القوقاز، وهناك سببان لذلك، أولهما ربح المزيد من المليارات، وهو أمر واضح، رغم أنها تزود الأرمن بالأسلحة مجانا، لكنها تبيعها للأذريين بالسعر الكامل، ومنذ 2016 لم تعد المورد الرئيسي للأسلحة لهذا البلد، بل إسرائيل، أكبر وأهم مورد أسلحة لأذربيجان.

مع أنه في وقت مبكر من 2012، تم توقيع صفقة إسرائيلية أذرية بقيمة 1.6 مليار دولار لشراء الطائرات بلا طيار، وأنظمة الدفاع الجوي، في تلك السنوات كان من عمل على تقوية علاقاتهما هما وزيرا الخارجية شمعون بيريس ثم أفيغدور ليبرمان، وفي 2016 بعد زيارة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، تم توقيع صفقة أخرى بخمسة مليارات دولار.

من بين أمور أخرى، باعت إسرائيل أذربيجان طائرات هيرميس 900، و450، هيرون، وطائرات بلا طيار، حيث يعتمد سلاحها الجوي على الطائرات الإسرائيلية، مما يمنح الأذريين ميزة كبيرة، لأن الطائرات بلا طيار الأرمينية تعتمد على نماذج روسية قديمة، وغير قادرة على منافسة الموجودة في إسرائيل، كما اشترى الجيش الأذري أفضل أسلحة الصناعة الإسرائيلية: بنادق تافور، ورشاشات النقب، صواريخ B-300 وGil المضادة للدبابات، ومركبات Storm وAbir ، ودخلت إسرائيل هذا السوق بقوة.

هذه الأنظمة العسكرية الإسرائيلية تحرج الروس لأنها أكثر تقدمًا، وتكاد الأسلحة الإلكترونية الروسية أن تظهر عاجزة عن مواجهة الطائرات الإسرائيلية بلا طيار، وبينما ينظر المشترون المحتملون إليها بقلق، فإن الروس يسعون للتخلص من الخصم الإسرائيلي في المنطقة، مع رغبتها بتخفيض الوجود الإسرائيلي في هذه المنطقة الحيوية.

الخلاصة أن العلاقات الإسرائيلية الأذرية ذات طابع استراتيجي، فنحن أمام دولة شيعية على حدود إيران، وباتت حليفة استراتيجية لإسرائيل، ولديهما عدو مشترك، وكثير من المصالح المشتركة في الزراعة والطب والتنقيب عن النفط والغاز، وتشكل الحدود المشتركة بين أذربيجان وإيران رصيدًا مهمًا للاستخبارات الإسرائيلية، في حين أن روسيا وإيران ستشعران بسعادة بالغة لو انقطعت الصلة بين تل أبيب وباكو، لأن هذا في مصلحتهما، وليس في مصلحة إسرائيل حقًا.