هل ينجح لبنان في إعادة اللاجئين السوريين؟

2022.09.24 | 06:42 دمشق

هل ينجح لبنان في إعادة اللاجئين السوريين؟
+A
حجم الخط
-A

عانى اللاجئون السوريون وعلى مدار العقد الماضي من ظروف اللجوء وقسوة الغربة والبعد عن الوطن، ورافق ذلك فقد الأحبة الذين قضوا قتلًا واعتقالًا وتشريدًا في البلاد. حتى ضاقت بهم بلدان اللجوء المحيطة بسوريا. وقد آثر كثير منهم المضي في رحلة محفوفة بالمخاطر والقهر عبر قوارب الحظ أو الموت بين ضفتي المتوسط، والمحظوظ منهم من وصل سالمًا إلى البر الأوروبي دون أن يلقى حتفه في درب الآلام نحو الأمن والحياة الكريمة.

لقد كان اللاجئ السوري بمثابة الحلقة الأضعف في المسار الوعر الذي عرفته الثورة السورية بفعل صراعات القوى الإقليمية والدولية. ففي القارة العجوز، لطالما كانت قضية اللاجئين الهاربين من أهوال الحرب وشبح الموت من النظم الديكتاتورية سواء كانوا من سوريا أو من دول أخرى هي الشاغل للساسة الأوروبيين. إذ وظف اليمين الشعبوي في دول أوروبية عديدة (إيطاليا وفرنسا والنمسا والمجر..) مأساة اللاجئين لحجز مقاعد أكثر في الانتخابات البلدية والبرلمانية. وبات اللاجئون ومحاربتهم في مقدمة البرامج السياسية والانتخابية للأحزاب اليمينية. ولا تخلو الاجتماعات والمؤتمرات الصحفية لقادة اليمين المتطرف من خطابات الكراهية ضد اللاجئين وتحميلهم مسؤولية الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها أوروبا، وذلك في محاولة للتأثير في الرأي العام لشرائح مجتمعية تعاني من سوء إدارة الحكومات الأوروبية للأزمات الاقتصادية والاجتماعية.

مؤخرًا، طالعتنا حكومة تصريف الأعمال التي يرأسها نجيب ميقاتي في لبنان بخطة لإعادة نحو 15 ألف لاجئ سوري إلى بلدهم شهريًا

الخطاب الشعبوي ذاته لاقى صدى في دول اللجوء المحيطة بسوريا (تركيا، لبنان، الأردن). وقد وجد هذا الخطاب أنصارا له على المستوى الحزبي والشعبي في تلك الدول، مع الإشارة بالمقابل إلى حالة التضامن من شرائح مجتمعية واسعة في تلك الدول مع قضية اللاجئين ومعاناتهم القاسية. وقد ساعدت الأزمات الاقتصادية التي تعيشها المنطقة بعد أزمة كوفيد-19 في تنامي مشاعر السخط والغضب من اللاجئين السوريين. ومن لم يشاهد على منصات التواصل الاجتماعي سيل الكراهية والحقد الجارف الذي واجهه اللاجئون الذين تعرضوا ومازالوا للأذلال بفعل خطاب الكراهية؟!.

مؤخرًا، طالعتنا حكومة تصريف الأعمال التي يرأسها نجيب ميقاتي في لبنان بخطة لإعادة نحو 15 ألف لاجئ سوري إلى بلدهم شهريًا، علمًا أن المصادر الرسمية اللبنانية تتحدث عن وجود نحو مليون ونصف مليون لاجئ منهم ثمانمئة ألف مدونون في سجلات المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين.

لا تعدو خطة حكومة نجيب ميقاتي سوى حلقة من حلقات المسلسل ذي الحلقات القاسية والصعبة على اللاجئ السوري الذي بات الورقة الأقل كلفة في عملية حرف البوصلة عن الأسباب الحقيقية للأزمات الاقتصادية والمالية التي يعيشها لبنان. وفي هذا المقام، لا أحد ينكر أن اللجوء السوري يشكل عبئا كبيرا على لبنان الدولة، ولكن لا يمكن أن يكون الشماعة التي تعلق عليها الحكومة أزمة تعثر الاقتصاد في لبنان الذي يمر بواحدة من أسوأ الظروف الاقتصادية منذ الاستقلال حيث يعاني اقتصاد لبنان من انكماش بلغت نسبته 58.1%، وهو   الأشد في قائمة تشمل 193 دولة حسب تقارير البنك الدولي، ومرد ذلك مجموعة من الأسباب الداخلية والخارجية التي يطول شرحها وتفسيرها.

اللافت هو السياق الذي جاءت به هذه الخطة، إذ بدت حالة الانسجام والتوافق في المواقف بين رئيس الحكومة اللبنانية السيد ميقاتي ووزير المهجرين السيد عصام شرف الدين. حيث صرحا بأن لبنان ماض باتجاه إعادة اللاجئين السوريين أيًا كان موقف المجتمع الدولي ومن خلفه المنظمات الدولية التي تهتم بمتابعة شؤون اللاجئين. لكن سرعان ما طفا على السطح الخلاف بينهما الذي تحكمه الاعتبارات السياسية الداخلية، وهو ما قد يجعل الخطة في مهب الريح. فقد اتهم شرف الدين ميقاتي بأنه يعمل على استبعاده من حكومته، وأن ميقاتي يعمل جاهدًا على تقليل سلطاته كوزير المهجرين. علمًا أن شرف الدين زار دمشق والتقى المسؤولين هناك شارحًا خطته لعودة اللاجئين دون إحاطة رئيس حكومته، وهو ما قد يفسر الخلاف بينهما.  

بعيدًا عن التجاذبات الداخلية التي قد تعطل الخطة المقترحة. فإن الحكومة اللبنانية في حال أقدمت على إعادة اللاجئين السوريين قسرًا إلى بلدهم هل تتحمل عبء مواجهة المجتمع الدولي؟ وما هو مصير المساعدات المالية التي تقدمها الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى إلى جانب عدد من الدول للحكومة اللبنانية، سواء كانت موجهة لدعم الاقتصاد اللبناني أم موجهة لمساعدة الحكومة اللبنانية للتخفيف من أعباء أزمة اللاجئين. إضافة إلى أن انخراط المسؤولين اللبنانيين في هذه الخطة قد يجعلهم عرضة للعقوبات وإدراجهم على قوائم العقوبات الدولية.

من غير المنطقي وفق حسابات النظام استقبال كتلة ديموغرافية دون ترتيبات لوجستية وأمنية مع الجانب اللبناني. هذا إن افترضنا قبول اللاجئين العودة

أما الطرف الآخر من المعادلة، وهو النظام السوري. فهل سيوافق على خطة حكومة ميقاتي بإعادة اللاجئين؟  قد تكون الإجابة بالنفي لطالما أن النظام لديه حساباته السياسية والاقتصادية أيضًا. إذ يسعى هو الآخر إلى تعظيم مصالحه عبر توظيف ورقة اللاجئين السوريين في إطار عملية إعادة تأهيله ودمجه في المنطقة، وذلك عبر ربط عملية عودة اللاجئين بإعادة الإعمار في سوريا ضمن علمية يشرف على تنسيقها وإدارتها مع الدول المجاورة. كما أن الواقع الاقتصادي في سوريا ليس بأحسن حال من الوضع الاقتصادي المتردي في لبنان، ومن غير المنطقي وفق حسابات النظام استقبال كتلة ديمغرافية دون ترتيبات لوجستية وأمنية مع الجانب اللبناني. هذا إن افترضنا قبول اللاجئين العودة.

كل هذه العوامل قد تجعل من خطة إعادة اللاجئين السوريين في لبنان إلى بلدهم معقدة وتكون أشبه بالمهمة المستحيلة. ومن باب أولى على دول اللجوء السوري المضي قدمًا نحو الانخراط الفعلي في وضع خطة أو تصور للحل السياسي في سوريا الذي يضمن تحقيق طموح السوريين بالأمن والاستقرار وبناء نظام سياسي ديمقراطي يساهم في وضع خطة متكاملة تضمن عودة كريمة للاجئين إلى بلدهم من ناحية، ويطلق مسارًا للعدالة الانتقالية يقوم على المحاسبة لمن تسبب في تهجيرهم وتعويضهم عن سنوات اللجوء القاسية بعيدًا عن وطنهم، وأن يكون المواطن السوري هو عماد عملية إعادة الإعمار وبناء دولة المواطنين بدلًا من توظيف آلامهم ومعاناتهم في خدمة مصالح الدول.