هل يقف العالم على أبواب أزمة مالية جديدة؟

2023.03.17 | 05:50 دمشق

هل يقف العالم على أبواب أزمة مالية جديدة؟
+A
حجم الخط
-A

شكل إعلان إفلاس بنك وادي السليكون SVB صدمة في الأسواق المالية وأعاد إلى الأذهان أزمة بنك ليمان عام 2008، حيث دخلت أسهم البنوك في سوق هابطة لتسحب معها مؤشرات الأسهم في أميركا وأوروبا والصين واليابان إلى الهبوط، وتم تفعيل الذهب كملاذ آمن حيث اقتربت أسعاره من 2000 دولار للأونصة من جديد.

من بين جميع الطرق التي يمكن أن يفلس بها البنك، يبدو أن الطريق الذي سلكه بنك وادي السيليكون في طريقه للانهيار كان من أكثر الطرق تهورًا.

توجد البنوك لأخذ وإدارة مخاطر السيولة ومعدل الفائدة والائتمان. لذلك من المذهل أن نسمع أن أحد البنوك الأميركية الكبرى (ترتيب 16 على مستوى البنوك الأميركية) قد فشل للتو لأنه استثمر الكثير من قاعدته المتضخمة من الودائع، والتي يمكن استردادها في الغالب عند الطلب، في محفظة سندات طويلة الأجل ومحتفظ بها حتى الاستحقاق دون أي تحوط من أسعار الفائدة.

يعتبر بنك سيليكون ڤالي البنك الأكثر تعاونا مع الشركات الناشئة في سيليكون ڤالي، وتملك أكثر من 50% من الشركات الناشئة في أميركا حسابات فيه

سيؤدي الفشل بهذا الحجم إلى إثارة العديد من الأسئلة - حول مخاطر العدوى، والإخفاقات الرقابية والتنظيمية، والتأثير على سوق رأس المال الاستثماري وما إلى ذلك، ولكن السبب الجذري هو ظاهرة عالمية: ارتفعت أسعار الفائدة بسرعة في كل مكان ومن الواجب طرح السؤال حول إمكانية وقووع حدث مشابه في مكان آخر.

يعتبر بنك سيليكون ڤالي البنك الأكثر تعاونا مع الشركات الناشئة في سيليكون ڤالي، وتملك أكثر من 50% من الشركات الناشئة في أميركا حسابات فيه.

وهو بنك تجاري تقليدي من حيث إنه يحصل على إيداعات ويقوم بمنح قروض، ويستفيد من الفرق الذي يستلمه من القروض والذي يدفعه على الإيداعات.

ومع وجود الفائدة في مستويات منخفضة جدا في السنين الماضية، بالإضافة لفتح شهية الاستثمار بالشركات الناشئة على تقييمات عالية جدا، استمرت الإيداعات في البنك بالنمو بشكل كبير من 60 مليار دولار في 2019 إلى نحو 190 في 2022.

مع صعوبة منح كثير من تلك المبالغ كقروض، لجأ البنك للاستثمار بأدوات دين آمنة ليحصل على عائد، فكان القرار باستثمار 80 إلى 90 مليار دولار في سندات عالية الأمان بعائد يبلغ ما بين 1.5% و1.67%، وعندما تكون الفائدة الفيدرالية منخفضة (0.25%) تكون نسبة الفائدة على الودائع منخفضة جدا.

مع بدء الفيدرالي الأميركي رفع أسعار الفائدة في إطار حربه على التضخم حيث ارتفعت الفائدة من 0 إلى أقل من 5% بقليل بدأت تظهر المشكلات، حيث أصبح يدفع أكثر للمودعين، بينما يحصل على مبلغ قليل كعائد، الفرق أصبح خاسراً لرأس مال البنك.

بالإضافة لانهيار تقييمات الكثير من شركات وادي السيليكون وسحب أموالهم للخارج، وتوقف دخول أموال جديدة للبنك.

مع احتياج البنك للإيفاء بوعده والالتزام بإرجاع أموال المودعين، قرر بيع سندات بقيمة بلغت 21 مليار دولار وأعلن البنك تسجيل خسارة على هذا المبلغ بقيمة 1.8 مليار دولار، وأعلن رغبته بإصدار سندات جديدة لجذب سيولة، مما كان بمثابة ناقوس الخطر لأن هذا أوحى بشيئين مهمين:

أولا أن البنك استثمر بالسندات على تقييمات مرتفعة ويخسر فيها حاليا، وثانيا وجود مشكلات سيولة، نتيجة لذلك استلم البنك طلبات سحب بقيمة 42 مليار دولار في يوم واحد.. وهو أسوأ bank run على أي بنك منذ أزمة 2008، ومع انتشار الهلع بين المودعين وبعد انهيارات بلغت 80% من مستواه قبل يومين، قامت هيئة السوق بإيقاف التداول على سهم البنك، وتحركت المؤسسة الاتحادية لتأمين الودائع FDIC بسرعة غريبة وأعلنت إغلاق البنك كليا للبدء بإجراءات التسييل للعملاء ودفع مستحقاتهم.

مما سبق نستنتج وجود ثلاث أعراض لانتقال عدوى وادي السيليكون:

  1. حجم الودائع
  2. مخاطر أسعار الفائدة
  3. نظام إدارة المخاطر المالية

مع وضع هذا الإطار في الاعتبار، دعونا نقارن نقاط الضعف في ثلاثة أسواق مصرفية كبيرة - الولايات المتحدة ومنطقة اليورو واليابان. مستوى الودائع هو المفتاح.

ماذا تفعل البنوك عندما يكون لديها الكثير من الودائع؟ شراء السندات الطويلة الأجل هو تكتيك شائع.

لقد تعلمت البنوك الأوروبية، التي تضررت من الخسائر خلال أزمة منطقة اليورو الدرس وأصبحت البنوك تخضع لاختبارات الإجهاد التنظيمية المصرفية الأوروبية منذ عام 2009، لدراسة مدى حساسية رأس مال البنوك للانخفاض في قيمة السندات الحكومية.  ولكن تبقى سياسة التشديد النقدي ورفع الفائدة أحد عوامل الضعف والمخاطر التي دفعت بنك كريدي سويس لطلب الدعم من البنك المركزي السويسري بعد انهيار أسهمه بـ 30%.

تاريخيا أكبر عمليات إفلاس البنوك على الإطلاق كانت لبنك "واشنطن ميوتشوال" والذي كان لديه 307 مليارات دولار من الأصول في 2008

الهياكل الأساسية لأسواق الودائع المصرفية في الأنظمة الثلاث متشابهة. على سبيل المثال، الحصة الإجمالية للودائع المؤمن عليها متماثلة في منطقة اليورو واليابان بنحو 58 في المئة. ولكن، مقارنة بأوروبا أو اليابان، شهدت الولايات المتحدة ارتفاعًا حادًا خلال جائحة كوفيد في نمو الودائع. مما يجعل البنوك الأميركية أكثر عرضة للخطر.

تاريخيا أكبر عمليات إفلاس البنوك على الإطلاق كانت لبنك "واشنطن ميوتشوال" والذي كان لديه 307 مليارات دولار من الأصول في 2008.

وأتى انهياره في 25/09/2008 بعد شرارة انهيار بنك ليمان براذرز في 15/09/2008 مع العلم أن بنكي: سيليكون فالي وسيجنتشر المهددين بالإفلاس مجتمعين يعادلان تقريبا أصول بنك واشنطن ميوتشوال.

أما في اليابان تبقى الأمور أقل خطورة مع وجود سياسة الفائدة السلبية ومعدل التضخم المنخفض، كما أن البنوك خضعت لاختبار تقييم المخاطر في حال رفع الفائدة بنسبة نقطة مئوية واحدة وأثبتت قدرة على الاحتمال.

تبدو كل الأجواء مهيئة لأزمة مالية كبيرة، ولكن في ظروف معالجة أصعب بكثير.

في عام 2008 لمواجهة الأزمة خفض الفيدرالي الأميركي الفائدة إلى قرب الصفر وأطلق برنامج التيسير الكمي لإنقاذ البنوك المنهارة، لكن في ذلك الوقت كان التضخم قرب هدف الفيدرالي التاريخي وهو 2%، أما  الآن عند 6% وبالتالي إطلاق برنامج مشابه سيدفع التضخم إلى مستويات قياسية، نفس الكلام ينطبق على اقتصاد منطقة اقتصاد اليورو مع  تضخم أعلى وعامل آخر يزيد الوضع تعقيدا وهو الحرب الروسية الأوكرانية التي تؤثر سلبيا على الاقتصاد الأوروبي، فكيف ستكون المعالجة؟ سؤال برسم البنوك المركزية التي تتحمل المسؤولية عما جرى وما سيجري.