هل يتوقف المشروع الاقتصادي الأميركي الجديد في المنطقة؟!

2023.11.29 | 07:08 دمشق

آخر تحديث: 29.11.2023 | 07:08 دمشق

هل يتوقف المشروع الاقتصادي الأميركي الجديد في المنطقة..؟
+A
حجم الخط
-A

تتسارع الأحداث في منطقة الشرق الأوسط، وتتوزع استراتيجيات الولايات المتحدة الأميركية بين ثلاث وجهات أو جبهات، ما يجعلها مشتَّتة التركيز في كيفية استيعاب كلِّ التحولات الجارية حول العالم، من دون أن تفقد مركزيتها بالتفرد في القرار الدولي، وهو أمر بات من الصعب الحفاظ عليه، ما بين المواجهة التي تخوضها واشنطن في منطقة بحر الصين الجنوبي وضرب قدرة بكين الاقتصادية ومنع تمدُّدها، والحرب الروسية الأوكرانية التي استنزفت جزءاً كبيراً من القدرات العسكرية والمالية لحلف الناتو، ناهيك عن المساعدات المالية وخسائر الطاقة وسلاسل التوريد من دون معرفة مآل ومصير هذه الحرب، وأخيراً الحرب المندلعة في غزة، وما تسبَّبته من حدَّة  في استقطابات محلية وإقليمية ودولية جديدة، باتت تهدِّد كل تحالفات الغرب الكلاسيكية القائمة مع دول المنطقة العربية والإسلامية، بعدما توسَّعت مروحة الخيارات الاقتصادية والتحالفات السياسية للعديد من دول المنطقة في الشرق الاوسط، والتي ضَجِرت من الانحياز الغربي والأميركي، ومن الانتهاكات المخزية التي تقوم بها إسرائيل بحق الشعب العربي والفلسطيني، في ظل انكشاف واضح لأداء الحركة الصهيونية وإدارتها، ومعها مواقف الغرب والقادة في واشنطن بالانحياز المطلق، في تعزيز لخيار الانشقاق والانفصال حتى لو تمَّت الإطاحة بالوفورات المالية والاقتصادية والتكنولوجية المكتسبة من الغرب.

إذا كان المجال متاحاً لدى العرب لأن يبحثوا عن تحالفات للخروج من حصر علاقتهم مع الغرب، فحتماً سيكون المزيد من التقارب مع روسيا والصين وإيران على حساب العلاقات مع واشنطن كإحدى السبل

ولذلك يخضع المسرح الإقليمي اليوم، لمعادلة الصراع تحت سقف التفاوض بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، وهذا يعطي بعض الدبلوماسيين الأميركيين تطمينات في هذا الصدد، حيث إن استهداف القوات الأميركية وإسرائيل في ظلّ التفاوض بين الجانبين، يشكّل غطاءً لهذا التفاوض. فإذا كان المجال متاحاً لدى العرب لأن يبحثوا عن تحالفات للخروج من حصر علاقتهم مع الغرب، فحتماً سيكون المزيد من التقارب مع روسيا والصين وإيران على حساب العلاقات مع واشنطن كإحدى السبل، استناداً لبيان بكين باستعادة العلاقات بين الرياض وطهران.

ولذلك شهدت قمّة منظمة التعاون الإسلامي التي حضرها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي تبنِّياً وعدم ممانعة وترحيبا روسيا صينياً، لنصّ القرار في القمّة العربية حول حلّ الدولتين، لتكريس التقارب مع الدول العربية الرئيسية.

لكن أكثر ما يحشر الأميركي اليوم، هو موقف المجتمع الإسرائيلي المتطرف، والمستعد لإلغاء الأدوات الديمقراطية مقابل نجاح الماكينة العسكرية العنفية، والانتقام من كل من هو فلسطيني بعد أحداث غزة الأخيرة، حتى لو كان ذلك مخالفاً للقانون الدولي، وحتى لو أن المواطنين العرب في إسرائيل هم المستهدفون. بالإضافة إلى ذلك، وفي الوقت الذي اختتمت فيه فعاليات مؤتمر "حوار المنامة" بالبحرين جلساتها المتعلقة بحرب غزة والأمن العالمي والطاقة حول العالم وسلاسل توريده ومستقبل الشرق الأوسط، بحضور أكثر من 450 شخصية من أربعين دولة ضمَّت وزراء خارجية ودفاع وقادة أعمال حول العالم، قامت القوات الحوثية باعتراض سفينة الشحن الإسرائيلية "كالاكسي" في البحر الأحمر، رداً على الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني، مما جعل أمن الطاقة وأمن الممرات المائية الدولية من جديد أمام خطر محدق وأمام تحولات هائلة وخطيرة تتطلب علاجات فعالة.

كذلك، يكشف ما يجري ضرورة البحث عن أسرار العجز الأميركي في توفير أسلحة أكثر لكل من إسرائيل وأوكرانيا، بعد انخفاض إنتاج الصناعات الدفاعية الأميركية، حيث باتت علامات الاستفهام كثيرة وغير واضحة حيال الميزانية الكبيرة لوزارة الدفاع الأميركية البالغة 800 مليار دولار، وكذلك صناعة السلاح، إذ تواجه صناعة الدفاع تحديات حقيقية تتعلَّق بنقص العمال وتأخير العقود، بعد الاتهامات المُساقة لمقاولي الدفاع بالتربُّح من الحروب ومحاولاتهم المستمرة الحصول على عقود باهظة الثمن، بدلاً من شراء ذخائر أقل كلفة، وهو ما يكشف أن سلسلة الصراعات الدولية الجارية حول العالم تضغط على قدرة واشنطن وحلفائها الغربيين، وتنعكس سلباً داخل مجتمعات دول الغرب، إذا لم يتمَّ التعاطي بالشكل المناسب مع هذه الصراعات من حيث الجهود الديبلوماسية الواجب حلها، أو من خلال استخدام الموارد والمساعدة لدعم شركاء واشنطن.

وهذا يعطي فكرة بأن إسرائيل أمام تحوّل كبير في مواقفها وفي المشهد السياسي داخلها وفي الخارج، لما له من أثر بالغ على قضية الاحتلال، وعلى علاقات اليهود والعرب في الداخل، بل وعلى علاقات إسرائيل بمحيطها العربي، وبما سيرتِّب من سوء تقدير للعلاقات المستقبلية مع واشنطن، في محاولة لتخريب استراتيجياتها الجديدة التي كلفتها الكثير في سبيل تحقيقها، لمنع أو ربط كل الخيارات الدولية بمؤسساتها وبرؤيتها الاقتصادية.

وهذا يقود إلى أننا لا يمكن أن نفهم الصهيونية خارج إطار ما يسمّى بالحضارة الغربية، وهذا يفسّر جزءاً كبيراً من احتضان الغرب والولايات المتحدة الأميركية لهذا الكيان، الذي نشأ أولاً في أوروبا، ثم تهجير اليهود إلى فلسطين، وتشكيل عصاباتٍ مسلحة منهم لإرهاب أصحاب البلاد الشرعيين وطردهم وقتلهم وإبادتهم. فأهداف الحركة الصهيونية في إقامة دولة لليهود في فلسطين، تقاطعت ولا تزال مع أهداف القوى الاستعمارية الغربية ومطامعهم، في إقامة حاجز بشري بين مشرق العالم العربي ومغربه، وتقاطعت أيضاً بما سُمّيت الحركة الصهيونية المسيحية التي كانت من نتاج حركة الإصلاح الديني البروتستانتي الأوروبي، كحل استعماري لقضية اسمها "المسألة اليهودية"، التي تخلّصت من يهود أوروبا بتصديرهم إلى العالم العربي، وكذراع للاستعمار الغربي للإبقاء على المنطقة العربية مقسَّمة وتابعة. بالإضافة لتوظيف الحركة الصهيونية باستخدام عدّة أساطير تاريخية ودينية، والاستفادة من تطوّرات سياسية أوروبية عديدة.

يسود الارتباك بشأن مقاربة الإدارة الأميركية للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، من دعوة تل أبيب لضبط النفس وتجنّب إيقاع خسائر بين المدنيين الفلسطينيين، وفي الوقت نفسه تقرّر تزويدها بقنابل دقيقة التوجيه تبلغ قيمتها 320 مليون دولار

وعليه اليوم، فقد فتحت عملية طوفان الأقصى الأبواب أمام الشعوب العربية وكل شعوب العالم الحر، للتعرف إلى جذور القضية الفلسطينية وأبعادها المختلفة، بعد اكتشاف حجم الانحياز التام والكبير في الغرب لدعم الكيان الإسرائيلي المحتل، وهو ما كشف الأساس الذي قام عليها هذا الكيان، لأنه يكشف عما أنتجته آلة الدعاية الصهيونية والإسرائيلية من بعدها، من زِيف خلال ما يزيد على قرن، لناحية نشأته وارتباطه بحركة الاستعمار الغربي.

واشنطن لن تسمح بهزيمة إسرائيل، فهذه ثابتة مطلقة، ولذلك يسود الارتباك بشأن مقاربة الإدارة الأميركية للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، من دعوة تل أبيب لضبط النفس وتجنّب إيقاع خسائر بين المدنيين الفلسطينيين، وفي الوقت نفسه تقرّر تزويدها بقنابل دقيقة التوجيه تبلغ قيمتها 320 مليون دولار، وتطالب واشنطن إسرائيل بوقف إطلاق النار، لكن تدعمها في القضاء على حماس، ومع ذلك، يتراجع صبر إدارة بايدن على سياسات إسرائيل التي صارت تميل الى رجحان كفَّة الخسارة الاستراتيجية، وتعرض واشنطن للنقض في الداخل (مظاهرات مليونية مستمرة وانقسام داخل الإدارة) وكشف هشاشة سياساتها الخارجية، من دون أن يقدم العرب أنفسهم كحاجة أقوى وأنجع للغرب، في المؤسسات والاقتصاد والمال، خصوصاً مع اقتراب الانتخابات الرئاسية والتشريعية في الولايات المتحدة، وانقسام معسكر بايدن الانتخابي بشأن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، ما يعني أننا قد نشهد خلال فترة غير طويلة، تغييرًا أكثر وضوحًا في سياسة واشنطن ومقاربتها للحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين، لكن من دون التخلي عن تل أبيب، كعصا غليظة تؤدِّب كل من يخرج عن طاعتها في تنفيذ سياساتها الاستعمارية.