هل مشكلة إسرائيل مع حماس أم مع الفلسطينيين؟

2023.10.16 | 07:32 دمشق

هل مشكلة إسرائيل مع حماس أم مع الفلسطينيين؟
+A
حجم الخط
-A

تركّز الدعاية الإسرائيلية، وعلى لسان رئيس الحكومة الأكثر عنصريَّةً وتطرُّفًا في تاريخ دولة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، بعد عملية "طوفان الأقصى"، على حركة حماس؛ لشيطنتها، بوصمْها بالإرهاب، أو بمقاربتها بداعش، أو حتى بالنازية، في محاولات للقضاء على حُكْمها، وعلى بِناها؛ العسكرية والسياسية، وحتى الاجتماعية، وغيرها، ولكن الفعل العِدائي على الأرض أوسع وأعمق من أن يُحصَر في حماس، أو سائر فصائل المقاومة، في قطاع غزة، أو في سائر الأراضي المحتلة في فلسطين، وخارجها.

إنَّ الذين تُدمَّر بيوتُهم وأبراجُهم السكنية، على رؤوسهم، وعلى رؤوس أطفالهم وكبار السن، والنساء، من دون حتى إنذار مسبَق، وعلى مرأى من العالم، والذين يتلقَّوْنَ القنابل الفسفورية المحرَّمة، دوليًّا، هم الفلسطينيون، والذين يُمنَع عنهم الماء والطعام والكهرباء والوقود، والذين طَلَب منهم نتنياهو حرفيًّا، أن "يَخرجوا"، ثم هدَّدهم، بالموت، إنْ لم يفعلوا، هم جزء كبير من الشعب الفلسطيني، وليس بوصفهم أعضاءً في حركة حماس.

وكمرحلة أولى، تمهيدية، كما يبدو، طلبت حكومة الاحتلال من مليون ومئة ألف فلسطيني، (الانتقال) إلى جنوب القطاع، فأخيرًا أصدر الناطق العسكري الإسرائيلي بيانًا (مهمًّا) لسكَّان مدينة غزة طلَب منهم فيه مغادرتها إلى جنوب وادي غزة، بذريعة الحفاظ على سلامتهم.

فمن الواضح أن التحدي الذي يقف في وجه المشروع الاحتلالي الإحلالي هم الشعب الفلسطيني الذي لا يزال مقيمًا في مدنه وبلداته، وصامدًا في قراه ومخيماته، برغم كل الظروف الاحتلالية التي لا تُحتمَل، وعلى مدار عقود، بما يقارب المليونين، وربع المليون، في قطاع غزة، وما يقارب ثلاثة ملايين وربع المليون، في الضفة الغربية، فهذا وجهٌ من وجوه الصراع؛ البُعْد الديمغرافي، إذ بات الهدف معلنًا، زيادة عدد المستوطنين في الضفة الغربية إلى مليون مستوطن.

الرافض لإسرائيل واحتلالها، ليست حماس، وحدَها، إنما هي تحاول التماهي مع أبناء شعبها، في هذا الهدف الكبير المجمَع عليه، حتى من السلطة الفلسطينية

والحقيقة أن العداء متبادَل، فكما لا تطيق دولة الاحتلال رؤية الشعب الفلسطيني في بلده، وترى مجرَّد عيشه الطبيعي، حتى لو لم يقاوم، بالمعنى الشائع للمقاومة، فإن الشعب الفلسطيني أيضًا لا يمكنه التسليم بحالة الاحتلال التي تتفاقم وتتعمَّق، فالرافض لإسرائيل واحتلالها، ليست حماس، وحدَها، إنما هي تحاول التماهي مع أبناء شعبها، في هذا الهدف الكبير المجمَع عليه، حتى من السلطة الفلسطينية التي كانت توقَّفت المفاوضات بينها وبين دولة الاحتلال، منذ أبريل/ نيسان 2014، بسبب انسداد الأفق السياسي، ورفْض قادة الاحتلال، وعلى رأسهم نتنياهو الاستجابةَ إلى أدنى ما يسمَّى باستحقاقات العملية السياسية، كوقْف الاستيطان، أو تجميده، والكفِّ عن توسيع المستوطنات على حساب الأراضي الفلسطينية؛ ما يعني وأد مشروع حلِّ الدولتين، بل السعي السياسي، ثم السعي الفعلي الميداني، إلى التهام ما تبقَّى من فلسطين، وفرْض سيادة الاحتلال على مناطق ج، (التي تمثل قرابة 60% من مساحة الضفة الغربية)؛ الخارجة عن سيطرة السلطة، تمهيدًا للضمّ، وقلْ مثل ذلك عن اللاجئين، وحقِّهم في العودة، وأكثر من ذلك عن المسجد الأقصى، والإعداد الحثيث المتسارع لإقامة الهيكل المزعوم، على أنقاضه، وإسدال الستار عن أيّ قضية ممَّا يسمَّى بقضايا الحل النهائي. وذلك من طرف واحد، هو الطرف الاحتلالي، وهو في أقبح حالاته، العنصرية، كما عكسته تصريحاتُ وزير دفاعهم، يؤاف غالانت، عن حصار أهل غزة، وحرمانهم كلَّ احتياجاتهم: "إننا نواجه حيوانات بشرية".

صحيحٌ أن حماس وغيرها من فصائل المقاومة شكَّلوا رأسَ حربة، لكن العمل الاحتلالي الجاري الآن، لا يقتصر على استهداف حماس، وإنما يستغلُّ الحدث الذي قامت به، في المستوطنات المحيطة بغزة، وفي القواعد العسكرية القريبة؛ يستغلُّه، ومعه التعاطف الدولي الغربي الرسمي، والدعم شبه المطلق، ولا سيما من أميركا، في تنفيذ مخططات مُبيَّتة تهجيرية، وقد صرّح بهذا الهدف نائب وزير الخارجية السابق، داني أيالون، على قناة الجزيرة باللغة الإنجليزية، إذ حثَّ الفلسطينيين في غزة على الخروج إلى مصر، إلى صحراء سيناء، (زاعمًا أنه خروج مؤقَّت، ولأسباب إنسانية) إلى مساكن، وبِنية تحتية، ستجهزها دولة الاحتلال، والمجتمع الدولي، مقارِنًا ذلك بسابقة السوريِّين الذي هجّرتهم المجازر الوحشية لنظام بشار الأسد، قرابة مليوني سوري، الذين استقبلتهم تركيا، بحسب أقواله.

هذه العقلية الاحتلالية التي تفعِّل، الآن، فكرة الترانسفير، تثبت أن الترحيل والتهجير ليس هدفًا خاصًّا ببعض الأحزاب والحركات العنصرية

هذه المواقف المعلنة، لا تدع مجالًا للشك في أن الضحية الكبرى المراد الإجهاز عليها ليست حماس، فقط، وإنما في الأساس الشعب الفلسطيني، وبقاؤه على أرضه، وهو يسمعه، صريحًا، من غُلاة المتطرِّفين العنصريِّين في القدس المحتلة، وغيرها، حين يصرخون بـ"نكبة ثانية"، أو حين يردِّدون شعار: "العربيّ الجيِّد هو العربيّ الميِّت". الشعب الفلسطيني يعي هذا الاستهداف، ويستشعره، يوميًّا، وفي تفاصيل حياته، قبل حتى وجود حركة حماس.

هذه العقلية الاحتلالية التي تفعِّل، الآن، فكرة الترانسفير، تثبت أن الترحيل والتهجير ليس هدفًا خاصًّا ببعض الأحزاب والحركات العنصرية، من أمثال حركة "المنعة اليهودية"، بقيادة ما يسمَّى وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، الذي عُرِف بعنصريته تُجاه العرب وعدائه لهم، واشتُهر بوضعه صورة منفِّذ عملية مجزرة المسجد الإبراهيمي، باروخ غودلشتاين، على جدار منزله، ووصفه بالبطل، أو حزب "البيت اليهودي" ممثّلًا بوزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، الذي قال إنه على الفلسطينيين في الضفة الغربية أنْ يختاروا إمَّا الموت، وإمّا الرحيل، وإمّا الخضوع لدولة الاحتلال.

كلُّ هذه المعطيات عن دولة الاحتلال، ونظرتها إلى الشعب الفلسطيني ووجوده، ومستقبله في وطنه، ليست جديدة، فطالما أُعلِنت، وإن كانت وتيرة الحديث عنها، بعد عملية "طوفان الأقصى" ارتفعت، وخطوات تنفيذها باتت وشيكة، إلا أن المقلق، والمَعِيب هو هذا الاصطفاف الدولي الرسمي، في المجمل، مع مثل هذه القيادات الإجرامية، وأننا لا نرى خطوات جِدِّية، حتى الآن، من الولايات المتحدة، مثلًا، تفيد برفض هذه المساعي الاحتلالية نحو تدمير الوجود الفلسطيني الإنساني في غزة ثم في الضفة الغربية.

ولكن يبقى العامل العربي بالغ الأهمية والاستراتيجية، من الدول المجاورة والمرشَّحة للتعاطي مع هذه المخطَّطات البالغة الخطورة والمفصلية، وهي مصر، ثم الأردن؛ أنْ تُظهِر بالأفعال، قبل الأقوال، وقوفًا حازمًا وحاسمًا، أمام هذا التمادي الفاشي الاحتلالي؛ لأنه في أقلِّ الدوافع، لن يتوقَّف عند حدود فلسطين، ولن ينقلب فجأة، فيما لو سُهِّلتْ له تلك المهمة الاستئصالية، إلى جارٍ إنسانيٍّ مُسالِم، يحترم الحقوق، ويخضع للقانون الدولي، إنما رغباته التوسُّعية العنصرية رهْنُ قدراته، وإنضاج الظروف الدولية، لصالحه.