هل حقاً هناك فتور في العلاقات التركية الروسية؟

2024.02.14 | 06:19 دمشق

هل حقاً هناك فتوراً في العلاقات التركية الروسية؟
+A
حجم الخط
-A

انتشرت في الآونة الأخيرة أحاديث حول تأجيل موعد زيارة مرتقبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى نظيره التركي رجب طيب أردوغان، وأن هذا التأجيل جاء بسبب إبداء تركيا الموافقة على انضمام السويد لحلف الناتو وتصديق البرلمان لها، وحتى تأجيل الموعد لم يُوضع له وقتٌ محدد آخر على أقله لتفادي الشائعات.

المتمعن في العلاقات التركية الروسية في العقدين الأخيرين وتحديداً الأردوغانية البوتينية سيرى مدى عمق وكثرة الملفات المشتركة بينهما، ومدى احتياج كل منهما للآخر على المستوى الاستراتيجي والإقليمي، وحتى على المستوى الشخصي، فمن منا ينسى مديح بوتين لأردوغان قبل الانتخابات الرئاسية التركية، ووصفه له بأنه الرجل الذي صنع الكثير لتركيا، وقبلها رفض الرئيس التركي وصف نظيره الروسي من قبل الأوروبيين بأنه ديكتاتوري وقاتل، إضافة إلى رفض تركيا العقوبات التي فُرضت على روسيا في بداية الحرب الروسية الأوكرانية.

هناك تنسيق واضح بين الطرفين في الملف الليبي القريب من مالي، وهذا التعاون لإخراج فرنسا من كلا الملفين فالعدو الاستراتيجي لكلا الطرفين هو فرنسا هنا

ولو نظرنا بعمق إلى العلاقات الاستراتيجية بين الطرفين بعيداً عن العلاقات الثنائية أو الشخصية فهناك ملفات كبيرة جداً أصبحت تركيا شريكا أو على الأقل لا بد من التعاون معها لكسب المزيد من النتائج الإيجابية على حساب الغرب ومنها ملف الساحل الغربي لإفريقيا، فالكل يعلم أن روسيا هي من دعمت الانقلاب العسكري في مالي واليوم نرى تعاوناً شبه عسكري بين مالي وتركيا التي باعت لها المسيرات واعترفت بشرعيتها في الحكم، (وإن أغضب ذلك الجزائر) وهذا إن دل على شيء يدل على الرؤية المشتركة لأنقرة وموسكو في تلك البقعة من إفريقيا، أضف إلى ذلك هناك تنسيق واضح بين الطرفين في الملف الليبي القريب من مالي، وهذا التعاون لإخراج فرنسا من كلا الملفين فالعدو الاستراتيجي لكلا الطرفين هو فرنسا هنا.

نفس هذا التعاون يمكن رؤيته في ملف القوقاز في الحرب الأذرية الأرمينية على منطقة قراباخ واسترجاع باكو تلك المنطقة بالقوة من أرمينيا، رغم أن هذا الأمر جاء على حساب المخاوف الإيرانية التي كانت تدعم أرمينيا إلا أن روسيا اصطفت مع تركيا في دعم أذربيجان نتيجة حسابات استراتيجية أوسع لها ضد فرنسا والولايات المتحدة الأميركية اللتين كانتا تدعمان أرمينيا، ومنعاً للتوسع الغربي في تلك المنطقة على حساب روسيا، فضلت الأخيرة التعاون التركي الأقل ضرراً ولعلمها أن تركيا لن تتحرك في تلك المنطقة التي لديها نفوذ كبير فيها أيضاً لحسابات استراتيجية مهمة مع روسيا.

الملف السوري ورغم كل التناقضات فيه بين الطرفين إلا أنه لا يمكن القول إنه لا يوجد تنسيق بينهما حتى وقت الصدام العسكري بين النظام والمعارضة المدعومة من تركيا، ورغم أن هذا الملف مرتبط بدولة واحدة، إلا أن أهميته ليست أقل من الملفين السابقين، فسوريا بالنسبة لروسيا حليفها الثابت وقاعدتها على البحر المتوسط الذي يمثل أهمية استراتيجية عظمى لكل دول العالم الكبرى، وهي نقطة وجود استراتيجي هام لموسكو على حساب بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، وفي هذا مصلحة لتركيا، فعدو عدوي صديقي وخاصة في منطقة شرق المتوسط التي أراد الغرب استبعاد تركيا منها عبر ملفي اليونان وقبرص، هذا على الناحية الاستراتيجية أما على الناحية الميدانية فالولايات المتحدة الأميركية تدعم قسد التي تعتبرها تركيا امتدادا لحزب العمال الكردستاني، وبهذا تكون واشنطن الخطر الحقيقي لكلا الطرفين التركي والروسي الذي يدعم النظام في سوريا.

تركيا عبر تاريخها السياسي براغماتية لأبعد الحدود وتبحث عن مصالحها أولاً، وهذا ينطبق على علاقاتها مع جميع الدول بما فيها حلفاؤها العسكريون في الناتو

هناك ملفات عديدة أخرى ولها أهمية كبرى مثل ملف البحر الأسود وملف الدول ذات الأصول التركية والتعاون الثنائي على الصعيد الاقتصادي وحتى العسكري، فتركيا التي اشترت صواريخ إس 400 ترفض كل التهديدات الغربية، ومن يعلم قد تشتري النسخة المتطورة منها لاحقاً إس 500 وهنا بيت القصيد أن تركيا عبر تاريخها السياسي براغماتية لأبعد الحدود وتبحث عن مصالحها أولاً، وهذا ينطبق على علاقاتها مع جميع الدول بما فيها حلفاؤها العسكريون في الناتو وما فعلته في ملف انضمام السويد وفلندا وقبلها إس 400 وعودة التفاهمات اليوم مع واشنطن من أجل صفقة إف 16 ومقايضتها بملف انضمام السويد، ورفع العقوبات العسكرية عن أنقرة، وهذا يدل على أن مسألة فتور العلاقات أو توهجها هي لعبة سياسية تُحسن أنقرة استخدامها حسب مصالحها السياسية والاستراتيجية، وبالتأكيد مثل هذا الأمر معلوم عند الجميع وعلى رأسهم الجار الروسي.