هل تنتصر روسيا للفلسطينيين؟

2022.05.11 | 06:45 دمشق

-2012-.jpg
+A
حجم الخط
-A

تُلقي الحرب الروسية الأوكرانية بظلالها على العالم، وتَعِدُ الاصطفافاتُ الجديدة لبعض الدول، مِن طرفي الصراع، بتغيُّرات في المواقع والمواقف؛ فهل يشهد الموقف الروسي إزاء الصراع في فلسطين تحوُّلاتٍ مهمة، بعد أنْ ظهرت إسرائيل أكثر انحيازًا للدول الغربية وأوكرانيا؟  

لفتت دعوةُ موسكو وفدًا من حركة حماس، على رأسه عضو المكتب السياسي للحركة، موسى أبو مرزوق، الأنظار إلى إمكانية توظيف الروس للورقة الفلسطينية، في هذا المنعطف الدولي الاستراتيجي، حيث تحتشد أكثر الدول الغربية والولايات المتحدة لدعم الموقف العسكري والسياسي الأوكراني؛ لتلقين موسكو درسًا يعيدها إلى حجمها، قبل تنامي الطموحات الروسية الهادفة إلى الحدّ من الهيمنة الأميركية.

لكن العامل المهم في توجيه هذا التحوُّل الروسي؛ بدخولها على خط الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يكمن في المدى الذي تبلغه دولةُ الاحتلال في انحيازها إلى أوكرانيا، هل تصل إلى الدعم العسكري الفعلي والواسع؟ أم تقتصر، كما هي حتى الآن، على دعم أقرب إلى الرمزي؟ فما قدَّمته لا يتعدّى وسائل دفاعية بسيطة، مثل الخُوَذ والسُّترات الواقية، وسط تشديد مسؤولين إسرائيليين أنَّ دعمهم سيكون بمعدّات عسكرية غير مميتة، (وماذا يمثِّل هذا بالقياس للدعم الأميركي والأوروبي الضخم والفاعل؟) وبإصرارها على موقفها الرافض تزويد أوكرانيا بمنظومة الدفاع الصاروخي "القبة الحديدية"، ومع استمرارها حظْرَ بيع السلاح إلى أوكرانيا، وَفْق موقع  Breaking Defense بأن إسرائيل حظرت تصدير أيِّ أسلحة من إنتاجها إلى أوكرانيا، من قِبَل دول البلطيق الثلاث، إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، مع اقتناع الدولة العبرية بأن الحكومة الأوكرانية تسعى إلى الحصول على صواريخ "سبايك" المضادَّة للدبابات التي صمَّمتها شركات إسرائيلية وألمانية.

كما يتلو ذلك سؤال آخر، وذلك في حال قرَّرت موسكو أن الظرف والأسباب قد نضِجت لدخولها الجِدِّيّ على خط الصراع: كم حظوظ موسكو في التأثير والانخراط؟ وما خيارات التدخُّل، وأشكاله، هل يبقى سياسيًّا، أم يتطوَّر إلى دعم الخيار العسكري الفلسطيني ضد إسرائيل؟

لم يصل التعاطف مع الفلسطينيين وقضيتهم، إلى درجة القبول بالنَّيْلِ عسكريًّا من إسرائيل، كدولة، وحتى في روسيا نفسها، لم يتطوَّر الموقف إلى درجة القبول بتهديد أمن إسرائيل

ولْنبدأ بالخيار الأخير، وهو العسكري. لا تتوفَّر علامات على نضج مثل هذا التحوُّل، حتى الآن، على الأقل، وفي المنظور القريب، ذلك أن موسكو استفادت من موقعها في سوريا، واحتياج قادة الاحتلال إلى التنسيق معها، في تظهير دورٍ عالمي لها، في قضية حيوية، تشغل العالم الغربي، باستمرار؛ نظرًا لحساسية الأمن الإسرائيلي، لدى الدول الغربية، بصفة إجمالية، وحتى على مستوى الشعوب في الدول الغربية، لم يصل التعاطف مع الفلسطينيين وقضيتهم، إلى درجة القبول بالنَّيْلِ عسكريًّا من إسرائيل، كدولة، وحتى في روسيا نفسها، لم يتطوَّر الموقف إلى درجة القبول بتهديد أمن إسرائيل، إذ النفوذ اليهودي المالي، والتجاري، والإعلامي، يمنح اليهود، تأثيرًا أكبر من حجمهم العددي. ولعل مِن إشارات ذلك اضطرارُ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تقديم اعتذار إلى إسرائيل على تصريحات وزير الخارجية سيرغي لافروف حول أصل هتلر اليهودي. ولذلك فمِن المستبعَد، أن تغذِّي موسكو الخيار العسكري ضد دولة الاحتلال.

أما المرجَّح فهو الدعم السياسي، للفلسطينيين، كما ظهر في الإشارات التلويحيَّة في استقبال أبو مرزوق ووفد حماس، وكذلك في محاولة بوتين استمالة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بدعم سياسي، وبوعود اقتصادية، كما جاء في المكالمة الهاتفية بينهما،  أنّ بوتين "شدَّد على موقف روسيا الثابت الداعم لحقوق الشعب الفلسطيني، وستستمر في تقديم دعمها السياسي للقضية الفلسطينية في المحافل الدولية كلها، وما يحدث في القدس والمسجد الأقصى، وأن الرئيس الروسي رفض الممارسات الإسرائيلية التي تمنع المصلِّين من الوصول بحريَّة إلى المسجد الأقصى، مضيفًا أنه على إسرائيل احترام الوضع التاريخي القائم في الموقع المقدَّس". واقتصاديًّا، أكَّد بوتين أنّ موسكو، مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية، في العالم بسبب الحرب في أوكرانيا، ستزوِّد الفلسطينيين بالقمح والمواد والمحاصيل الروسية.

قد يكون لموسكو دور جزئي، ابتزازي، ضد قادة الاحتلال، بالضغط على قادة حماس والجهاد الإسلامي، بضبط مستوى التصعيد، مقابل انحياز إسرائيلي أكبر لصالح موسكو

 مع العلم أن هذه الإشارات من الصعب أن تتطور إلى مفاعيل سياسية مثمرة، على صعيد بلورة دور روسي في المسار السياسي التفاوضي، فلا موسكو تحظى بقبول إسرائيل، بديلًا عن الولايات المتحدة، ولا الظرف الميداني مناسب، هذه الفترة، ولا توجُّهات الإسرائيليين وأولوياتهم تنحو نحْو القبول بتنازلات لصالح حلول نهائية مع الفلسطينيين. بل العكس هو الذي يحدث؛ نحو مزيد من التعنُّت، ومزيد من المطالب المتطرِّفة، والأُحادية، والمتجاوِزة منطقَ التفاوض، بل منطق السياسة، باللِّياذ بالأُزعُومات الدينية العنصرية. فيما يتعلَّق بالقدس والمسجد الأقصى، والحق الكامل في فلسطين كلِّها. وحتى رئيس الحكومة الحالي نفتالي بينيت (على رفضه مجرَّد التفاوض السياسي مع الفلسطينيين) أصبح يشعر بالتهديد، على المستوى الشخصي، على حياته، بعد تلقِّيه رسائل تهديد بالقتل من متطرِّفين يهود، وعلى المستوى السياسي، على ائتلافه الذي أصبح أكثر هشاشة، بعد تصاعُد العمليات الفلسطينية، وارتفاع حصيلة القتلى الإسرائيليين، وتراجُع الأمن الداخلي للإسرائيليين، إلى مستويات مقلقة.    

نعم، قد يكون لموسكو دور جزئي، ابتزازي، ضد قادة الاحتلال، بالضغط على قادة حماس والجهاد الإسلامي، بضبط مستوى التصعيد، مقابل انحياز إسرائيلي أكبر لصالح موسكو، مع أن الطابع الفردي للعمليات الجارية في فلسطين، والتي تسبَّبت في رفع نسبة القتلى والجرحى في صفوف الإسرائيليين، في الفترة الأخيرة، لا يجعل من كلمة قادة فصائل المقاومة ضمانًا كافيًا، أو ورقة حاسمة؛ ذلك أن منفّذي تلك العمليات يندفعون تحت وطأة الاستفزازات الاحتلالية التي لا يبدو أنها ستتوقَّف، أو أن حكومة الاحتلال قادرة على ثني المتطرفين اليهود عن الانتهاكات المتواصلة في القدس والمسجد الأقصى، ومقاومة اتهاماتهم بالخضوع للإرهاب؛ وقدرة هذه الأحزاب الدينية على التأثير في الرأي العام الإسرائيلي، بالتحريض والتخوين، ولتأثيرها على مستقبل الائتلاف الحكومي.

ومن الصعب أن يتقبَّل الإسرائيليون حكومة بقيادة يسارية، أو حتى من أحزاب يمين الوسط، بالتحالف مع القوائم العربية، فالجاري هو تنافُس بين اليمين، ومَن على يمينهم. وطالما استقوى رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو الطامح بالعودة، بأنه الذي يمثِّل اليمين الحقيقي، مقابل بينيت المشكَّك (عند غُلاة اليمين) في وطنيَّته؛ بسبب تحالُفه مع "القائمة الموحَّدة للحركة الإسلامية"، برئاسة منصور عبّاس، أو استفادته من دعم أعضاء كنيست عرب.

وبعد، تبقى إسرائيل لاعبًا ثانويًا في هذه الحرب الدائرة، وفي حال زادت، نوعيًّا، من دعمها للحكومة الأوكرانية وللمعسكر الغربي وأميركا، (وهو خلاف موقفها الذي لا تزال تحافظ عليه، وخلاف توصيات معاهد بحثية إسرائيلية مهمَّة)، فإن موسكو قد يكون لها ردّاتُ فعْلٍ، في الساحة السورية، لجهة تضييق النطاق أمام التدخُّلات الإسرائيلية. ولكن انحيازًا أكبر واستراتيجياً للفلسطينيين يبقى أمرًا مستبعَدًا، لحساسية النزاع، وأبعاده العالمية العميقة والواسعة. فضلًا عن عمق النفوذ الذي تتمتَّع به إسرائيلُ في روسيا نفسها.