هل أصبح السوريون رقيق القرن الحادي والعشرين؟

2020.10.25 | 00:04 دمشق

_103141310_28162e27-ebf6-4679-beac-70eadaba8638.jpg
+A
حجم الخط
-A

تسبّب التدخل الإيراني المباشر أولاً، ومن ثم الروسي بعده بتدمير سوريا، نعم تدميرها بكل ما للكلمة من معنى، وما كان لهذا التدخل أن يكون كارثياً إلى هذا الحد، لو أن هناك صوتاً وطنياً فاعلاً، يُمكنه أن يضبط حدود هذا التدخل، لو فرضنا جدلاً أنه لا مجال لمنعه.

ارتكز هذان التدخلان على اعتبار مصالح الطرفين، وهذا الأمر تفهمه السياسة وتبرره، وترتكز عليه في كل قصص التدخلات المشابهة تاريخياً، لكن ثمة عامل آخر يُضاف إلى اعتبارات المصلحة والسيطرة، وأقصد طريقة التدخل ورؤيته للشعب السوري ولسوريا، بعبارة أخرى: لم يحدث في تاريخ التدخلات الخارجية أن توافقت عدة دول على التدخل معا، وأن انتهجت منهجية تدخل واحدة، وأن اتسمت الجهات المتدخلة بسمة أساسية، وهي أنها أنظمة متوحشة، لا تقيم أي أهمية لشعوبها، أو للشعب المتدخل في بلده.

النظامان القائمان في إيران وروسيا لا تعني لهما مفردات الشعب، وحقوق الانسان، والديمقراطية، وكل هذه المصطلحات... أي شيء، وليس غريباً أن يُصرّح شخص مثل "بوتين"، وهو تلميذ نجيب لنظام شمولي شديد السطوة: (إن زمن الديمقراطية انتهى)، وليس غريباً أيضاً أن تعتبر مرجعية الولي الفقيه، إن الشعوب وموتها وتشريدها، هي مقدمة حتمية لعودة مهديها المنتظر.

إذا لم يكن للمواطن في إيران وروسيا أي كرامة، أو أهمية بنظر حكامه، فهل سيكون للمواطن السوري أي أهمية وكرامة بنظر هؤلاء الحكام؟ سيما وأن من استدعاهم للتدخل بصفته المسؤول عن سوريا وعن مواطنيها لا يقيم أي اعتبار للسوريين ولا تهمه كرامتهم ومصيرهم!

لم يخجل القادة الروس من تصريحاتهم بالغة الوقاحة، حول مئات أنواع الأسلحة التي جربوها في سوريا وعلى شعبها، لكأنّ قيام محتل بتجريب حي لأسلحته في لحم السوريين وممتلكاتهم هو أمر عادي، ولم يخجل الإيرانيون من قولهم إن حماية مقاماتهم الشيعية تبرر لهم تدمير سوريا وتهجير شعبها، وأن يُصرّح بعض رجالاتهم الدينية والسياسية، بأن سوريا هي المحافظة الخامسة والثلاثين في إيران، لكن العار كله يكمن في عدم خجل الطرف السوري من هذه التصريحات.

تتقاطع الأنظمة الحاكمة في سوريا وإيران وروسيا، في طريقة معالجتها للأزمات الخطيرة التي تواجهها داخل مجتمعاتها، بحصر خياراتها في كيفية البحث عن آليات تعزيز سيطرة السلطة، وزيادة معدل

اجتمعت ثلاث قيادات فاشية وفاسدة لتدمير سوريا، وما تشهده سوريا اليوم من انهيار شامل لكل مقومات الدولة والمجتمع، ما هو إلا نتيجة حتمية لاستلام هذه القيادات قرار مصير السوريين

القمع فقط، ولا تفكر أبداً في البحث عن سُبل أخرى، لحل المشكلات الناشئة بعيداً عن القمع، فإفقار المواطن أكثر، وتقييد حريته، وامتهان كرامته، واخضاعه، وإذلاله هي المنهجية الوحيدة المجدية بنظر هذه الأنظمة، هل هناك شرط أقسى وأشنع من أن يُزج بلد عاش عقود طويلة تحت نير استبداد غشيم تحت رحمة ثلاثة أطراف فاشية؟!

إذاً، اجتمعت ثلاث قيادات فاشية وفاسدة لتدمير سوريا، وما تشهده سوريا اليوم من انهيار شامل لكل مقومات الدولة والمجتمع، ما هو إلا نتيجة حتمية لاستلام هذه القيادات قرار مصير السوريين، لكن الأفظع من كل هذا، هو ما ترتب على انهيار الدولة السورية الكامل، وانهيار إمكانات السوريين وتجويعهم، وتشريدهم، وقتلهم، هو ما يحدث اليوم من تحويل ممنهج للسوريين إلى رقيق، ومرتزقة للأطراف الثلاثة وغيرهم.

لقد تحول السوريون إلى عبيد في نظر هذه الأطراف، عبيد يُساقون إلى ساحات القتال، في كل جبهات هذه الأطراف داخل سوريا وخارجها، فالسوريون اليوم هم الجنود الذين يُساقوا للقتال بأبخس الأثمان.

السوريون اليوم هم الأعداد التي لا أهمية لمقتلها على هذه الجبهة أو تلك، وهم الذين يرغمون على خوض معارك الآخرين، وسوريا اليوم هي الأرض المستباحة، بكل ما فيها من حجر وشجر وبشر.

اليوم يقاتل السوريون في ليبيا وعلى جهتي الصراع فيها، ويقاتلون في أذربيجان، وها هي جبهة أخرى تضاف إلى الجبهات التي يساق لها السوريون للدفاع عن مصالح الآخرين، إنها فنزويلا التي تتصارع فيها الآن أميركا وروسيا، والتي تحاول روسيا أن تبسط سيطرتها الكاملة فيها، فقد وقع البلدان – روسيا وفنزويلا- خلال السنوات العشر الماضية 264 اتفاقية في 20 قطاعا استراتيجياً، مثل الطاقة، والتعاون العسكري – التقني، وصناعة التعدين، والقطاع الزراعي.

الرئيس الفنزويلي "مادورو" صرّح عقب اجتماعه مع نائب رئيس الوزراء الروسي "يوري بوريسوف" في 2019:

(لقد جدّدنا كلّ عقود الدّعم والمشورة، والتطوير في المجال التقني العسكري).

اليوم تنشط في سوريا شركات، وجهات رسمية روسية لتجنيد السوريين - تساعدهم جهات سورية رسمية وغير رسمية في ذلك - وإرسالهم لحماية المصالح الروسية، ولاسيما المنشآت النفطية الروسية في فنزويلا، فالمصالح الروسية وبسبب الأوضاع السياسية غير المستقرة في فنزويلا أصبحت في خطر، وهم يحاولون حمايتها عبر مرتزقة يستقدمونهم من خارج روسيا، ولا يكون لانكشاف أمرهم أو موتهم تبعات سياسية أو قانونية.

ليس هناك أي طرف سوري يتصدى لهذه المتاجرة الصفيقة بالسوريين، والذين لم يعد أمامهم لمواجهة هذا التجويع الممنهج، والحصار الخانق، إلا القبول بهذا الاستعباد المذل لكرامتهم، وكرامة وطنهم، فمن لا يجد لقمة خبز لأطفاله، لن يتردد طويلاً أمام استعباد مغلف بعقود وهمية، وبإغراء دخل يسد رمق أطفاله، ويقيهم ذل التسول.

ربما يكون الأقسى في كل ما واجهه السوريون، هو أجيالهم التي حرمت من التعليم، وهذه العبودية التي يساقون لها عنوة، بعد أن أصبحت حياتهم جحيماً لا يُطاق، والأفظع هو موتهم المجاني - كما لو أنهم عبيد- في بلاد ليست بلادهم، وحرب لا ناقة لهم بها ولا جمل، وهذا اللامبالاة الصادمة بمصيرهم وحقوقهم كبشر.

إن تجنيد السوريين من قبل كل الأطراف التي تجندهم، يُعتبر وصمة عار في جبين هذه الأطراف أولاً، لكنّه أولاً وأخيراً هو عار، وخيانة، وجريمة كبرى يرتكبها "بشار الأسد" وعصابته، بحق سوريا وكرامة ومصير السوريين.