icon
التغطية الحية

نيويورك تايمز: رد بايدن على إيران لن يكون غاية في القسوة ولا غاية في النعومة

2024.01.29 | 17:38 دمشق

آخر تحديث: 29.01.2024 | 17:38 دمشق

جو بايدن يتوعد بالانتقام للقتلى من جنوده
جو بايدن يتوعد بالانتقام للقتلى من جنوده
New York Times - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

هذا هو اليوم الذي بقي الرئيس بايدن وفريقه يخشونه منذ أكثر من ثلاثة أشهر، أي اليوم الذي ستصبح فيه الهجمات الضعيفة نسبياً التي تشنها أذرع أيران ضد القوات الأميركية في الشرق الأوسط هجمات فتاكة مما يزيد الضغط على الرئيس الأميركي حتى يرد بالطريقة نفسها.

بعد مقتل ثلاثة جنود أميركيين وإصابة أكثر من عشرين شخصاً بهجوم نفذته مسيرة في الأردن، صار لزاماً على بايدن أن يقرر إلى أي مدى بوسعه أن يصل في انتقامه، وهذا ما سينذر بخطر توسع الحرب التي لطالما سعى لتجنبها منذ هجوم حماس في السابع من تشرين الأول على إسرائيل، والذي فجر الأزمة الحالية التي تشعل الشرق الأوسط برمته.

إذ حتى الآن، بقي الرئيس الأميركي يدرس ردوده بعناية على أكثر من 150 هجمة نفذتها ميليشيات مدعومة إيرانية على القوات الأميركية في المنطقة في السابع من تشرين الأول، فقد اعتمد بالأساس على تجاهل أغلب تلك الغارات بما أنه تم اعتراضها بنجاح أو لم تتسبب بضرر كبير، في حين أجاز شن غارات أميركية محدودة تستهدف بصورة أساسية المباني والأسلحة والبنية التحتية، وذلك بعدما أصبحت الهجمات وقحة إلى أبعد الحدود، ولعل أهم الغارات الأميركية التي شنتها أميركا تلك التي استهدفت الحوثيين في اليمن بما أنهم صاروا يستهدفون السفن في البحر الأحمر.

كيف سيرد بايدن على مقتل الجنود في الأردن؟

بيد أن أوائل الضحايا من الجنود الأميركيين الذين أضحوا تحت النار لا بد أن يستدعوا رداً بدرجة مختلفة، بحسب ما ذكره مسؤولون أميركيون، وقرره مستشارو الرئيس بالإجماع بعد تشاورهم معه من خلال اجتماع تم عبر مكالمة فيديو يوم الأحد الماضي. غير أنه لم يتضح إن كان بايدن سيضرب أهدافاً داخل إيران نفسها، كما يريد منتقدوه من الحزب الجمهوري الذين وصفوه بأنه سيكون جباناً إن لم يفعل ذلك.

وعن ذلك يقول برايان كاتوليز، وهو عضر رفيع في معهد الشرق الأوسط شغل مناصب في الأمن القومي في عهد الرئيس السابق بيل كلينتون: "إن السؤال الذي يعترض بايدن اليوم هو: هل يرغب في الرد على الأحداث بالمنطقة فحسب أم أنه يريد أن يوجه رسالة أكبر يحاول من خلالها استرجاع حالة الردع التي كانت موجودة في المنطقة قبل أشهر من الآن؟".

ويضيف هذا الباحث: "إنني متأكد أنهم يبحثون عن شكل رد مساو تماماً لتلك الهجمة"، بحيث لا يكون هذا الرد غاية في القسوة بحيث يستدعي قيام حرب شاملة، ولا غاية في النعومة بحيث يطيل أمد النزاع، بل يجب أن يكون الرد مماثلاً تماماً ومساوياً للفعل.

لم يلمح الرئيس بايدن إلى ما يفكر به، واكتفى بالتوعد بالرد بطريقة ما، إذ قال في تصريح له: "كان الجنود الأميركيون الثلاثة الذين خسرناهم وطنيين إلى أبعد مدى"، وأضاف: "سنسعى جاهدين لنصبح جديرين بشرفهم وشجاعتهم، وسنبقى على التزامنا بمحاربة الإرهاب، ولا شك لدينا بأننا سنحاسب المسؤولين عن الحادثة في الوقت الذي نختاره وبالطريقة التي نريدها".

لم يختلف كثيراً الهجوم الذي وقع في الأردن عن الهجمات التي بقيت القوات الأميركية تتعرض لها طوال أكثر من ثلاثة أشهر، إلا في تحقيقه لنجاح أكبر. ولهذا حاول المسؤولون في الإدارة الأميركية ووكالات الاستخبارات يوم الأحد الماضي معرفة ما إذا كان هذا يمثل محاولة مقصودة من قبل إيران لتصعيد النزاع أم أن هذه الهجمة تشبه سابقاتها من الهجمات المحدودة التي بقي وكلاء إيران يشنونها، بيد أن هذه الغارة أسفرت عن مقتل أميركيين بالمصادفة.

طوال الشهور الماضية، بقي المسؤولون الأميركيون يصرحون بأنهم لا يعتقدون بأن إيران تريد أن تدخل مباشرة في حرب مع الولايات المتحدة، كما أعلنوا يوم الأحد الماضي بأنهم لم يغيروا تقييمهم، ولكن في الوقت ذاته، يرون بأن إيران استعانت بوكلائها لتواصل الضغط على الولايات المتحدة وإسرائيل، بما أن الأخيرة مستمرة في ضربها لحماس في غزة.

في حين ذكر مسؤول أميركي كبير رفض الكشف عن اسمه لأنه يتناول معلومات حساسة، بأن الولايات المتحدة لا تعتقد بأن إيران كانت تعتزم البدء بحرب أوسع من خلال الهجمة التي استهدفت الأردن، إلا أنه حذر من أن المحللين ما يزالون يجمعون المعلومات المتوفرة ويقيمونها ليعرفوا إن كانت إيران قد أمرت بشن هجمة أعنف أم أن إحدى الميليشيات هي من قررت وحدها تنفيذ تلك الضربة.

هل يخدم توسع النزاع إيران؟

في الوقت الذي يمكن لنزاع أوسع أن يخدم أغراض إيران، بقي المسؤولون الأميركيون طوال ردح طويل من الزمن يعتقدون بأن طهران أدركت بأن الدخول في حرب مباشرة مع الولايات المتحدة سيكون مدمراً للغاية، بيد أن الهجوم على الأردن أتى في وقت كان بعض المسؤولين الأميركيين يبحثون في أمر إيران وبأنها أوشكت في مساعيها على كبح جماح بعض قواتها الوكيلة، غير أن الهجوم الذي استهدف الأردن قد يبدد هذه النظرية تماماً.

ومما يعقد قرار بايدن أن احتمال تصعيد القتال مع إيران قد يصعب أمر إنهاء القتال الدائر في غزة. فقد التقى مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، ويليام بيرنز مسؤولين إسرائيليين ومصريين وقطريين في باريس يوم الأحد الماضي، وذلك خلال سعيه للتوسط في عقد اتفاق توقف بموجبه إسرائيل حملتها العسكرية ضد حماس خلال شهرين تقريباً، مقابل إطلاق سراح أكثر من 100 رهينة محتجزين منذ السابع من تشرين الأول. وبالطريقة ذاتها، تحاول إدارة بايدن التفاوض على اتفاقية منفصلة تتجنب من خلالها قيام نزاع أوسع بين إسرائيل وميليشيا أخرى تدعمها إيران، ألا وهي حزب الله في لبنان.

لم يبدد الجمهوريون أي وقت حول هذا الموضوع، بل سارعوا يوم الأحد الماضي إلى تحميل بايدن المسؤولية بسبب مقتل ثلاثة جنود أميركيين في الأردن، وأكدوا بأن عدم اتخاذه لإجراء أشد فتكاً وتدميراً خلال الشهور الثلاثة الماضية جعل إيران ووكلاءها على ثقة أن بإمكانهم أن يتصرفوا كما يحلو لهم مع تمتعهم بحصانة كاملة.

وعن ذلك علق السيناتور ميتش ماكونيل زعيم الجمهوريين في ولاية كنتاكي: "يراقب العالم بأسره اليوم أي إشارة تدل على أن الرئيس بات مستعداً في النهاية لممارسة القوة الأميركية لإجبار إيران على تغيير سلوكها".

في حين حسم السيناتور ليندسي غراهام الأمر بقوله: "اضرب إيران الآن! اضربهم بقسوة!".

انتقادات لبايدن: إيران تجرأت على ضرب القوات الأميركية

يرى الجمهوريون بأن بايدن هو الذي جعل إيران تجترئ على الولايات المتحدة وذلك عندما أخذ يسترضي النظام في طهران، واستشهد هؤلاء بمساعي بايدن للتفاوض على اتفاقية جديدة مع إيران للحد من برنامج أسلحتها النووية، مع سعيه لعقد صفقة تضمن تحرير الأسرى الأميركيين البالغ عددهم خمسة مقابل مساعدة إيران في الوصول إلى مبلغ قدره ستة مليارات دولار من عائدات النفط لديها، وقد وعدت طهران بالحصول على هذا المبلغ لأغراض إنسانية بموجب السياسة التي صادق عليها الرئيس السابق دونالد ترامب، بيد أن هذا المبلغ جمد عقب هجوم حماس في السابع من تشرين الأول، بما أن إيران دعمت حماس في هذا الهجوم.

يقول السيناتور الجمهوري توم كوتون من ولاية أركنساس: "لقد جعل من جنودنا هدفاً سهلاً والآن قتل ثلاثة منهم وجرح العشرات للأسف كما توقعت أن يحدث قبل شهور... لذا يجب أن يكون الرد الوحيد على تلك الهجمات انتقاماً عسكرياً مزلزلاً من قوات إيران الإرهابية سواء في إيران أو في عموم الشرق الأوسط، لأن كل ما يأتي دون ذلك يؤكد بأن جو بايدن ما هو إلا جبان وغير جدير بتبوؤ منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة".

أما ترامب الذي يتصدر قائمة المرشحين من الحزب الجمهوري ليقف أمام بايدن ويعود لمنصبه القديم، فقد أعلن عبر وسائل التواصل الاجتماعي يوم الأحد بأن: "هذا الهجوم ما كان ليحدث لو كنت رئيساً، ولا حتى أي فرصة لقيامه"، ولكن في الحقيقة، هاجمت إيران ووكلاؤها المصالح الأميركية ومن تحالف معها خلال عهد ترامب، وفي مرحلة من المراحل ألغى ترامب ضربة انتقامية ضد إيران لأنه اعتبرها مفرطة، ثم أمر بعد ذلك بضربة قتلت أهم جنرال في إيران، ولكن عندما ردت إيران بغارات صاروخية أسفرت عن تعرض جنود أميركيين لجروح، من دون أن تقتل أياً منهم، قرر ترامب الكف عن تلك الضربات.

يذكر أن بايدن أمر بشن ضربات عسكرية في عدة مناسبات خلال الأشهر القليلة الماضية، نفذ بعضها يوم عيد الميلاد، وبعد مرور ساعات قليلة على الغارة التي نفذها مقاتلون مدعومون إيرانياً بمسيرة أصيب فيها ثلاثة جنود أميركيين، أحدهم في حالة حرجة، أمر بايدن بشن غارات جوية رداً على ذلك في العراق، كما أمر الجيش الأميركي باستهداف قائد الميليشيا المسؤول عن الهجوم، فنفذت القوات الأميركية أوامره في الرابع من كانون الثاني وذلك عبر غارة بمسيرة استهدفت بغداد وقتلت القائد العسكري الموالي لإيران مشتاق جواد كاظم الجواري.

وحتى الآن، لم يقتل من الجيش الأميركي في المنطقة منذ السابع من تشرين الأول أي جندي بسبب غارة أو هجمة، بل خلال عملية جرت في بحر العرب هدفها اعتراض الأسلحة الإيرانية التي تصل إلى الحوثيين، إذ أعلن عن مقتل عسكريين من البحرية الأميركية خلال الأسبوع الماضي بعد سقوط أحدهم من على ظهر المركب في حين غاص الثاني خلفه محاولاً إنقاذه، كما توفي متعهد مدني أميركي في العراق في تشرين الأول الماضي بعد تعرضه لأزمة قلبية في أثناء محاولته الاختباء من مسيرة خشية أن تنفذ غارة، لكنها لم تفعل.

أبلغ بايدن بأمر الغارة التي استهدفت الأردن صباح يوم الأحد عندما كان في جنوبي كاليفورنيا حيث كان يمضي عطلة نهاية الأسبوع في حملته الانتخابية قبل الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي. إذ تحدث وزير الدفاع لويد أوستن إلى الرئيس وإلى جيك سوليفان مستشار الأمن القومي لديه ونائبه جون فاينر.

وفي مساء ذلك اليوم، انضم الرئيس بايدن ونائبته كامالا هاريس إلى اجتماع أمني افتراضي جمعهما بأوستن وسوليفان وفاينر وغيرهما من المستشارين، ووزير الخارجية أنطوني بلينكن، والجنرال تشارلز براون، رئيس هيئة الأركان المشتركة، وآفريل هاينز مدير الاستخبارات القومية.

وتحدث الرئيس عن الحادثة بعد ذلك في مركز مدني بغربي كولومبيا فقال: "كانت ليلة البارحة عصيبة علينا في الشرق الأوسط، فقد خسرنا ثلاثة أرواح جسورة في هجوم على إحدى قواعدنا"، وبعد دقيقة صمت، أضاف: "وإننا سنرد على هذا الهجوم".

 

المصدر: New York Times