نموذج عن المناضل الفلسطيني يصدره نظام الأسد إلى العالم

2023.03.04 | 05:44 دمشق

المجرم موفق دواه
+A
حجم الخط
-A

أصدرت المحكمة الإقليمية في برلين، يوم الخميس 23 من شباط/ فبراير الماضي، حكماً بالسجن المؤبد على المجرم "موفق دواه" لارتكابه جرائم ضد الإنسانية في سوريا عام 2014.

أُدين "دواه" بجريمة قتل 7 مدنيين في مخيم اليرموك جنوبي دمشق وإصابة العشرات، وذلك عندما استهدف بقذيفة "أر بي جي" تجمعاً للمدنيين، خلال تلقيهم مساعدات إنسانية من قبل وكالة الأونروا في آذار مارس عام 2014، إضافة إلى مشاركته بجريمة حصار وتجويع السكان، وذلك أثناء قتاله في صفوف حركة "فلسطين حرة" التي تقاتل هي الأخرى إلى جانب قوات الأسد.

بعد أشهر من الحصار الذي بدأه النظام تدريجيا على مخيم اليرموك مطلع كانون الثاني 2013، إثر سيطرة فصائل المعارضة، حيث شدد الخناق وأغلق منطقة جنوبي دمشق بشكل كامل منتصف شهر آب من العام نفسه، ومنع عنها كل أشكال الحياة، قاطعاً الماء والكهرباء والاتصالات والمواد الغذائية والطبية، الأمر الذي أدى إلى تدهور الأوضاع الإنسانية في مخيم اليرموك بشكل كبير، نتيجة نقص الغذاء والدواء والرعاية الصحية، إذ كان ما يزال يقيم في المخيم ما يزيد على خمسين ألفاً من سكانه، حيث وثقت "مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا" سقوط 204 لاجئين فلسطينيين نتيجة الجوع، غالبيتهم من الأطفال وكبار السن. أطلقت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" حينها حملة مساعدات غذائية للمحاصرين في المنطقة مطلع العام 2014، وبدأت توزع سلالاً غذائيةً على المحاصرين بشكل دوري.

وخلال وجوده على حاجز البطيخة سيء الصيت على مدخل مخيم اليرموك، ومشاركته في عمليات الاعتقال والتعذيب بصورة يومية، كان الدوّاه يقف على الحاجز أثناء توزيع المساعدات عندما استهدف بقذيفته الغادرة جموع المدنيين في منطقة ساحة الريجة الواقعة في شارع اليرموك وسط المخيم. حيث كانت تتعمد ميليشيات النظام والفصائل الفلسطينية الموالية لها افتعال اشتباكات بهدف وقف توزيع المساعدات على المدنيين المحاصرين.

النظام ظل منذ وصول حافظ إلى سدة الحكم بانقلابه العسكري عام 1970، ظل يتعامل مع القضية الفلسطينية كورقة تفيد في تعزيز فرص البقاء في السلطة

يفترض أن الفصائل والأحزاب الفلسطينية تنطلق وتؤسس وفق أجندة وطنية فلسطينية، وإرادة مستقلة إلى حد ما، وفي سياق النضال المشروع للشعب الفلسطيني ضد الاحتلال، باعتباره المسؤول الأول عن نكبة الفلسطينيين، إلا أن نشأة الجماعات والأحزاب السياسية في سوريا، حتى الفلسطينية منها، تخالف هذا المنطق، فالفصائل صارت تؤسس وفق الأجندة الأمنية والسياسية لنظام الأسد. النظام ظل منذ وصول حافظ إلى سدة الحكم بانقلابه العسكري عام 1970، ظل يتعامل مع القضية الفلسطينية كورقة تفيد في تعزيز فرص البقاء في السلطة.

وإذا كان نظام الأسد الأب يمارس الاستزلام ويدعم الانشقاقات داخل الفصائل الفلسطينية في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، فإنه وبسبب الضعف والترهل والتراجع السياسي الفلسطيني، الرسمي والفصائلي خلال السنوات القليلة الماضية، وفي غياب وجود قيادة فلسطينية مؤثرة، ومرجعية وطنية ترعى شؤون الفلسطينيين في الخارج، فإن نظام الأسد انتقل من محاولات شق الفصائل والجماعات السياسية الفلسطينية القائمة، كما فعل تاريخياً مع حركة فتح وجبهة النضال والجبهة الشعبية، واستخدم المنشقين في لبنان ضد منظمة التحرير وقوات الثورة الفلسطينية، فإنه بات يعمد اليوم عبر أذرعه الأمنية إلى إنشاء فصائل فلسطينية من الصفر، تتبع له كليا وتأتمر بأوامره، دون حاجة إلى الاستناد لأي شرعية شعبية أو نضالية، من ثم يزج بها في معاركه الخاصة ويفرضها كأمر واقع على الشعب الفلسطيني، لتصير جزءاً من المشهد السياسي والفصائلي الفلسطيني. فتعمل من خلال مشاركتها كقوة مرتزقة لصالح النظام في حربه المفتوحة ضد الشعب السوري، تعمل على تشويه صورة الفلسطينيين وتقويض شرعية النضال الفلسطيني، وإسقاط القضية الفلسطينية من ضمائر الناس والنيل من عدالتها.

وفق هذه الأجندة انطلقت من أقبية النظام في دمشق "حركة فلسطين حرة"، على يد المدعو "ياسر قشلق"، وهو فلسطيني سوري، من سكان منطقة ركن الدين في دمشق، لم يعرف عنه أي نشاط سياسي قبل عودته من الإمارات عام 2005.

هكذا ظهرت "فلسطين حرة" كالفطر في المشهد السياسي الفلسطيني في الخارج، دون أن يكون لها أي وجود في فلسطين، لكنها حظيت بطبيعة الحال بكرسي دائم خلال اجتماعات الفصائل الفلسطينية في دمشق وبيروت.

في العودة إلى سيرة الشبيح موفق الدواه فإنه معروف في أوساط أهالي مخيم اليرموك بأنه "أزعر" وصاحب سوابق، مثل معظم عناصر ما يسمى اللجان الشعبية الفلسطينية

وكان أعلن عن تأسيسها يوم 13 من تموز يوليو عام 2009، حيث أريد لها أن تنطلق بالتزامن مع نشاط متصاعد في مخيمات لبنان وسوريا والشتات، يطالب برفع الحصار عن قطاع غزة، مستفيدة من الزخم الشعبي المتضامن مع القطاع ذلك الحين. إذ زعمت نيتها إرسال سفن لكسر الحصار الإسرائيلي عن القطاع وعملت على جمع التبرعات وحشد الرأي العام، إلا أن أنشطتها عملياً لم تتجاوز الخطب والاستعراض والمؤتمرات الصحفية.

وفي العودة إلى سيرة الشبيح موفق الدواه فإنه معروف في أوساط أهالي مخيم اليرموك بأنه "أزعر" وصاحب سوابق، مثل معظم عناصر ما يسمى اللجان الشعبية الفلسطينية التي شكلها نظام الأسد والفصائل الفلسطينية الموالية له، منتصف عام 2011، للمشاركة في عمليات القمع التي كان يمارسها ضد سكان مخيم اليرموك والأحياء المحيطة، كحي التضامن والحجر الأسود وبلدة يلدا.

الدواه المعروف أيضا بـ"أبي عكر" ولد عام 67 في مخيم اليرموك، وكان ينتمي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة، قبل أن ينضم لما يسمى "قوات درع الأقصى" التي يقودها "سائد عبد العال" والتي تمثل الذراع العسكري لـ"حركة فلسطين حرة".

كانت هذه القوة، وقوامها بضع عشرات من العناصر، تتمركز بشكل رئيسي على مدخل مخيم اليرموك، إلى جانب قوات النظام وفصائل فلسطينية موالية، كالجبهة الشعبية القيادة العامة، وفتح الانتفاضة، وجبهة النضال الشعبي (جناح خالد عبد المجيد)، وتنظيم الصاعقة التابع لحزب البعث الفلسطيني. بالإضافة إلى مشاركتها بأعداد محدودة من المقاتلين في معارك ضد فصائل المعارضة السورية في بعض جبهات إدلب وريف اللاذقية.

وتوضح السيرة الشخصية لـ"أبي عكر" وأقرانه من عناصر هذه الميليشيات الإجرامية المحسوبة اسمياً على الشعب الفلسطيني، والتي شاركت بسفك دماء السوريين والفلسطينيين في المخيمات وارتكاب أفظع الجرائم بحقهم، أي صورة للمناضل الفلسطيني يريد أن يصدرها نظام الأسد إلى العالم.