نقطة أميركية في نزاع الصين

2023.09.23 | 07:18 دمشق

آخر تحديث: 23.09.2023 | 07:18 دمشق

نقطة أميركية في نزاع الصين
+A
حجم الخط
-A

مرحلة جديدة رسمتها الولايات المتحدة ضمن مسار خارطة التوازنات الدولية على الصعيد الاستراتيجي، خطت من خلالها حدوداً جديدة لعلاقات الحلف المناوئ لها وزعزعت الثقة التي كان يمكن الاعتماد عليها لديهم في أوقات حرجة سابقة.

الرئيس الأميركي جو بايدن، أعلن مؤخراً إلى جانب زعماء السعودية والإمارات والهند، تأسيس مشروع طريق تجاري جديد يربط الهند بأوروبا من خلال منطقة الشرق الأوسط، عبر السكك الحديدية والموانئ، سُمي بطريق التوابل، وهو المشروع الذي تعتبره واشنطن بأنه "عصر جديد" في الاتصال الاستراتيجي بين الدول، وهو ضمنياً ضربة "تحت الحزام" لمشروع الصين المسمى بـ"الحزام والطريق".

مشروع طريق التوابل الهندي سيجمع أكبر الاقتصاديات المتقدمة والناشئة في مجموعة العشرين معاً، أي الولايات المتحدة والهند والسعودية والإمارات وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، بمقابل العمل على محاصرة النفوذ الاقتصادي المتمدد للصين، وهي خطوة لن تخرج عن نقطة إضافية تسجل في خانة مكاسب الولايات المتحدة ضمن صراعها مع الصين، وهي أيضاً ضربة لا يستهان بها للخصم الروسي الذي كان يعول كثيراً على قوة وجود مجموعة "بريكس"، والتي تمثل فيها الهند حضوراً وازناً، ما يعني زرع الخلاف والشقاق داخل مجموعة دول "بريكس"، والتقدم خطوة جديدة في طريق إضعاف الصين وروسيا معاً.

انطلاق مشروع طريق التوابل لا يمثل نجاحاً للسياسة الخارجية الأميركية فقط ضد مشاريع التمدد الصينية والروسية، بل هناك نجاحات متوقعة من خلال زيادة التدفقات التجارية والاستثمارية وخلق فرص عمل وأعمال جديدة

في مقام مواز، لا يمكن نسيان مبادرة "I2U2" (أميركا، الإمارات، الهند وإسرائيل) بما تشكله كمحطة داعمة للبنية التحتية الخاصة بمشروع طريق التوابل. الخطوة الأخيرة تؤسس لمرحلة هامة من أجل منافسة مشروع الحزام والطريق الصيني، فعند تقييم قوة الدول الحاضرة في مشروع طريق التوابل يمكن القول إن دعماً اقتصادياً جيداً سيصل للاقتصادات الناشئة المتأثرة بهذا المشروع؛ لا سيما من خلال تمويلات الاقتصادات المتقدمة المشاركة، كما سيسهم ذلك في توسيع أطر المشروع لتشمل مناطق شمال ووسط إفريقيا وجنوب شرق آسيا.

انطلاق مشروع طريق التوابل لا يمثل نجاحاً للسياسة الخارجية الأميركية فقط ضد مشاريع التمدد الصينية والروسية، بل هناك نجاحات متوقعة من خلال زيادة التدفقات التجارية والاستثمارية وخلق فرص عمل وأعمال جديدة، ورفع كفاءة سلاسل التوريد، عبر تمكين الأعمال واتخاذ خيارات جغرافية أميز.

عديدة هي التقارير التي أشارت لعلو كعب واشنطن على بكين من خلال إطلاق مشروع طريق التوابل، وهو ترجمة فعلية لمساعي إدارة بايدن من أجل تحجيم النفوذ الاقتصادي الصيني، وبات يمكن ترسيخ هذه الخطوة كمرحلة مفصلية في ملف الصراع الأميركي الصيني، فما قبل مشروع طريق التوابل ليس كما بعده. لقد توصلت الولايات المتحدة مع الهند؛ إلى آلية مناسبة لمواجهة الصين على نحو أكثر تأثيراً على الصعيد العالمي.

لا يمكن نكران أن بايدن رأى في الهند أفضل أمل لإدارته في عزل الصين وروسيا، وتوفير دفعة معززة للنظام العالمي، الذي تقوده الولايات المتحدة. كما أظهرت النتيجة أن واشنطن تتعلم أخيراً لغة ما يسمى بالجنوب العالمي، حيث تعتبر الهند مرشدها الرئيسي، وهي وجهة نظر لا بد من تأييدها؛ كانت أطلقتها مجلة "التايم" الأميركية.

الإعلان عن مشروع طريق التوابل يأتي في وقت ترتفع فيه حدة التنافس على النفوذ بين الصين والولايات المتحدة، في العديد من المجالات، خاصة في مجالي التكنولوجيا والتجارة. ذلك في الوقت الذي تواصل فيه الولايات المتحدة جهودها لتطوير علاقات التحالف والشراكة مع دول المنطقة، من أجل خلق توازن ضد نفوذ الصين المتزايد في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

إذا ما استمر المشروع كما هو مخطط له فإن الحزام والطريق لن يكون هو المشروع الوحيد الخاسر في ضفة خصوم الولايات المتحدة

إن آثار النزاع على السيادة خصوصاً في منطقة جنوب شرق آسيا، تحولت في عديد الأحيان إلى توترات بين الدول المطلة على بحر الصين الجنوبي، ما يدفع بالتالي للتأثير على مجموع الدول المتجاورة والتي تبدي انزعاجها من الدور العسكري والاقتصادي هناك للصين بطرق مختلفة ما يدفعها أكثر بحكم هذه الظروف للتقارب مع واشنطن على حساب محاولات بكين التوسعية.

من نافل القول بأن الإعلان عن مشروع طريق التوابل وفتح الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، يهدف بشكل رئيسي إلى كسب الهند إلى جانب الغرب، وإيجاد بديل مناسب وتنافسي لمشروع الحزام والطريق الصيني، وإذا ما استمر المشروع كما هو مخطط له فإن الحزام والطريق لن يكون هو المشروع الوحيد الخاسر في ضفة خصوم الولايات المتحدة.