اجتماعات عربية من أجل الأسد!

2022.04.05 | 06:14 دمشق

sirya-1.jpg
+A
حجم الخط
-A

ليس لزاماً على المجتمعين في شرم الشيخ خلال القمة الرباعية العربية العاجلة (مصر، الإمارات، العراق، الأردن) والتي سبقت انعقاد ما سمي قمة النقب، التي جمعت بشكل غير مسبوق وزراء خارجية كل من الولايات المتحدة، إسرائيل، الامارات، البحرين، مصر، والمغرب، أن يعلن المجتمعون في المكانين بأنَّ ما سيتبع الأهداف المتصلة بسبل مواجهة إيران في المنطقة هو تكريس وجود بشار الأسد على رأس سلطة الحكم في سوريا واحتمالية طي ملف العملية السياسية برمته، وهو الأمر الذي لم يكن متوقعا حتى مجرد التفكير فيه قبل سنوات ماضية.

ترفض المعارضة السياسية السورية منذ أكثر من 10 سنوات العمل بمبدأ الواقعية السياسية، ليس بسبب الضحالة السياسية لغالبية متصدري المشهد السياسي السوري المعارض، وإنما لأن البعض الآخر تغلبه مصالحه الخاصة

ترفض المعارضة السياسية السورية منذ أكثر من 10 سنوات العمل بمبدأ الواقعية السياسية، ليس بسبب الضحالة السياسية لغالبية متصدري المشهد السياسي السوري المعارض، وإنما لأن البعض الآخر تغلبه مصالحه الخاصة فتأخذه في نواحٍ متعددة خلال أوقات مختلفة ذلك بحسب سهم المصلحة الضيقة والإملاءات الخارجية، في ظل إصرار على إعادة إنتاج الفشل والدوران داخل حلقة مفرغة، في ظل عدم تقديم أية مشاريع سياسية حقيقية خلال عقد من الزمن، حتى فقدت أوراقها الرابحة على مرّ الوقت، وتخلت عنها قوى وأطراف متعددة.

لا يحتمل المقال تأويلات حول أي اتهام لغالبية أطراف المعارضة في مسؤوليتها عما وصل إليه واقع العملية السياسية في سوريا، أو حتى مسؤولية أي دولة إقليمية تدخلت في الملف السوري، بقدر ما يحمل من إشارات لضرورة دفع السوريين إلى تغليب الواقعية السياسية وإعادة قراءة المشهد السياسي والتبدلات التي طرأت على تموضع قوى الإقليم وكذلك الظروف التي أدت إلى تغير شكل العلاقة مع حلفائها.

يجدر بالمعارضة السورية النظر إلى زيارة ولي عهد أبو ظبي إلى دمشق بأنها بمثابة جرس إنذار يقرع للمرة الأخيرة من أجل استدراك المعارضة أخطاءها والابتعاد عن شراء أوقات إضافية من أجل تمديد المعاناة السورية من أجل بقاء البعض منهم في مناصبهم، فلا وجود لها إن قدمت مشروعا سياسيا حقيقيا ناضجا. ندوة "سوريا إلى أين" التي أقيمت في الدوحة مؤخرا، لاقت بعضا من الاستهجان والسخرية والتقليل من أهميتها، غير أنها للأسف جاءت كنصيحة لمن يريد أن يعمل من أجل سوريا ويستدرك قبل فوات الأوان.

يجدر بالمعارضة السورية النظر إلى زيارة ولي عهد أبو ظبي إلى دمشق بأنها بمثابة جرس إنذار يقرع للمرة الأخيرة من أجل استدراك المعارضة أخطائها والابتعاد عن شراء أوقات إضافية

لقد باتت دول خليجية تسعى إلى تصحيح علاقاتها الخارجية في ظل استمرار تهديدات الإيرانيين للمنطقة برمتها، ولن تجد ضيراً في أن تكون دمشق إحدى محطات ذلك الإصلاح ولو كان عبر الأسد. لا يمكن استبعاد أن يكون المشهد المقبل للقاء الأسد مع ولي عهد أبو ظبي أو وزير الخارجية الإماراتي في العاصمة المصرية بدلا من الإماراتية أو السورية، هذا لم يعد مستبعدا. التحركات أصدق من التحليلات والتمنيات المبنية على رغبات وأضغاث الأحلام، والتحركات الإماراتية وخصوصية الأطراف المجتمعة مع مسؤولي أبو ظبي أكبر من تحليلات تبدد من احتمالية تقارب الأسد مع أطراف عربية أخرى ومنها إلى إسرائيل التي باتت تمثل مركز ثقل سياسي في المنطقة تتجه بوصلته نحو واشنطن ومنها.

يبدو أن الرأي العربي الدبلوماسي يتجه للقول إن حضوراً عربياً في دمشق لا رجعة عنه سواء في ظل اتفاق نووي جديد مع إيران أم بعدمه، فهذا الاعتبار سينطلق من افتراض أن التهديد الإيراني لدول المنطقة لن يوقفه أي اتفاق نووي. وفي المقابل فإن المواجهة لهذا الخطر الذي يتهدد دولاً مثل الإمارات والسعودية بفعل تصعيد "الحوثيين" (ذراع إيران في اليمن) يجمع مصالح هذه الدول بشكل أو بآخر مع إسرائيل التي ترى في التهديد الإيراني لحدودها خطراً كبيراً يتوجب عليها مواجهته بمعزل عن الجانب الأميركي الذي يملك من خلال الإدارة الحالية رؤية خاصة به فيما يتعلق بالاتفاق النووي لاسيما بعد التصعيد الروسي في أوكرانيا.

يبدو أن الرأي العربي الدبلوماسي يتجه للقول إن حضوراً عربياً في دمشق لا رجعة عنه سواء في ظل اتفاق نووي جديد مع إيران أم بعدمه

في سياق مواز لا يمكن اعتبار أن العودة للأسد تعني العودة لرئيس قوي لدولة مستقلة بقرارها وتأثيرها، لكن ذلك لا يهم الأسد بقدر ما يهمه تثبيت بقائه في الحكم وهذا ما قد سيتحقق له سواء بحضور عربي أو اتفاقية تطبيع مع إسرائيل. فرغم صعوبة اجتثاث النفوذ الإيراني من سوريا، إلا أن الدور العربي المتسق مع الجهود الإسرائيلية المناوئة لإيران ستخلق حالة من الضغط المؤثر على النفوذ الإيراني، لا سيما وأن الحضور الخليجي بدأ بالعودة إلى لبنان، وهذه العودة لها من الدلالات الكثير التي تؤشر على تغير القناعات الخليجية بضرورة الاعتماد على تدخلها المباشر في سد الباب أمام التمدد الإيراني في المنطقة.