icon
التغطية الحية

نفسية السجَان.. كيف يتحول إنسان إلى أداة للقتل؟

2018.08.03 | 22:08 دمشق

زنزانة المنفردة في سجن تدمر (أرشيف)
تلفزيون سوريا - ماهر الوكاع
+A
حجم الخط
-A

"الرقيب سامر.. -وكنت أراقبه دائماً- عندما حضر أول حفلة إعدام تقيأ بشدة حتى ظننت أن أمعاءه ستخرج، جلس على الأرض وقد غطى عينيه بيديه إلى نهاية الإعدامات ساعده اثنان من زملائه على النهوض وقاداه من تحت إبطيه إلى خارج الساحة".

هذا المقتطف من رواية القوقعة الشهيرة لمصطفى خليفة يصف كيف تحولت دفعة من السجانين وصلت حديثاً إلى معتقل تدمر إلى قتلة متمرسين في غضون أسابيع، ورغم أن الرواية لا تبحث بشكل معمق سيكولوجيا هذا الفئة من الكائنات لكنها وصفت بشكل دقيق تفاصيل علاقة غريبة، تجمع معتقل مسلوب الحياة وسجَان سادي.

على مدى العقود الماضية من حكم عائلة الأسد سمع السوريون قصصاً عن المعتقلات لايمكن لعقولهم تجرعها إلا إذا عدوها نسجاً من الخيال، وفي كل مرة نسمع فيها عن ضحايا تحت تعذيب، نتجاوز آلام الضحية ونسأل عن طريقة القتل، وأداتها، والقاتل، والأخير أكثر ما يستوقفنا، هل هو من الجنس البشري؟!.

الإجابة على هذا السؤال فتحت الباب لتجارب ودراسات مطولة قام بها علماء النفس، في القرن العشرين، بحثت في نفسية هذه الفئة من "بشر" وكيف يتحولون إلى مطية للقتل والتعذيب السادي.

 

تجربة الصعق الكهربائي

ومن أوائل الدراسات التي حاولت الحصول على إجابة وأشهرها هي تجربة عالم النفس الأميركي ستانلي ميلغرام (1933-1984)، والتي شرع بها بهدف وضع فهم دقيق للانصياع أو الإذعان للسلطة من قبل البشر. ويطلب ميلغرام من متطوعين -الذين يظنون أنفسهم مشاركين في دارسة عن الذاكرة والتعلم-، تلقين شخص آخر (تلميذ) في غرفة معزولة بعض الكلمات، وفي حال فشل التلميذ بحفظ الكلمات يسمح العالم للمتطوعين بتوجيه صدمات كهربائية عقاباً للمتلقي.

أراد ميلغرام من التجربة الحصول على إجابة عن سؤال إلى أي حد يستطيع إنسان بسيط تعذيب آخر بريء في حال رفعت عنه المسؤولية والعقاب. ولاحظ العالم إن 65% بالمئة من المتطوعين استمروا في توجيه الصدمات الكهربائية حتى وصلوا إلى أعلى مستوى وضعه ميلغرام، مع أن المتلقي (الذي كان عبارة عن تسجيلات صوتية تحاكي الواقع وضعها العالم)، كان يتوسل ويطلب من الطرف الآخر التوقف عن تعذيبه.

تابع ميلغرام تجاربه وحصل على نتائج مقاربة حتى بعد وضع متلقي ومتطوع في غرفة واحدة. ووضع العالم ملخص بحث في كتابه "الانصياع للسلطة" الذي قال فيه إن التوسّل أو استجداء والرحمة لن تخلص الضحية، وإنه إذا كرر تجربة معتقلات النازية، في الولايات المتحدة فإن الكثير من الأمريكيين سيتطوعون للتعذيب فيها.

 

سجن "ستانفور"

نتائج ميلغرام دفعت علماء آخرين لمتابعة أبحاثه، كالباحث النفسي فيليب زيمباردو، الذي أجرى تجربة مقاربة تحاكي وضع السجين والسجَان في جامعة ستانفورد الأميركية. فبعد مرور نحو عشرة أعوام على التجربة الأولى قام زيمباردو في العام 1971، بإحضار مجموعتين من المتطوعين، أخذت الأولى دور السجان والثانية دور المعتقل، وتم وضعهم في بناء يشابه السجن.

وتحت إشراف فريق من الباحثين وطلاب علم النفس بدأت التجربة التي خصص لها أسبوعان، وفي غضون أيام تحول المتطوعون الحراس إلى أشخاص مستبدين، بينما بات المعتقلين خاضعين لهم تماما، ووصلوا إلى حالة نفسية مأساوية ما اضطر الجامعة لإيقاف التجربة -التي تعرضت لانتقادات واسعة- بعد أسبوع.

وخلصت التجربة إلى أن خنوع السجناء شجع السجانين على إظهار تسلطهم، وممارسة سلوك غير إنساني فطلبوا من ضحاياهم أن ينظفوا المراحيض بأيديهم، وأن يقضوا حاجتهم في إناء وضع وسطهم، وأطلقوا العنان لأنفسهم في ابتكار أساليب إذلال فظيعة، كل ذلك لقناعتهم بعدم إنسانية الطرف الآخر.

تبع تجارب ميلغرام و زيمباردو تجارب مماثلة حاولت وضع تفسر لما جرى في معتقلات النازية أو مجازر الحروب الطائفية والعرقية، إلا أن ما حصل في معتقلات الأسد بعد الثورة السورية، يتطلب مئات التجارب والأبحاث لتحليل النفسية الدموية التي يحملها عشرات الآلاف ممن قاتلوا إلى جانب النظام، أو أشرفوا على سجونه.

"آخر حفلة إعدام حضرها (الرقيب سامر) كان نشيطاً جداً، بيده عصا طولها أكثر من متر، يمازح زملاءه وعلى وجهه ابتسامة دائمة، عند انتهائه من آخر وجبة إعدام، وقف أمام أحد المشنوقين وأخذ يؤرجحه، وضع العصا على الأرض وأخذ وضعية الملاكم جاعلاً من الجثة كيس رمل، أخذ يوجه لها اللكمات، صاح على الوحش – وحش ولا وحش.. تعال هون.. شوف هالكلب.. صار له ربع ساعة معلق من رقبته ولسى مامات شده من رجليه.. خليه يرتاح".

 

كلمات مفتاحية