icon
التغطية الحية

نجها.. مقبرة الأسرار والأوبئة في ريف دمشق

2020.07.29 | 16:03 دمشق

0002918a.jpg
مقبرة نجها بريف دمشق (تلفزيون سوريا)
 تلفزيون سوريا ـ خاص
+A
حجم الخط
-A

عادت "نجها" البلدة الصغيرة في ريف دمشق، إلى تصدر حديث السوريين بعد استفحال وباء كورونا، ولم يكن سهلاً الوصول إليها فالميليشيات التي باتت تسيطر على المنطقة الجنوبية لدمشق تشكل عيناً خطرة على أي دخيل غريب، والبلدة الصغيرة يكاد سكانها القلائل يُعرفون بوجوههم.

في هذه البقعة الصغيرة المثيرة للرعب تتوزع المقابر بأسماء متعددة فبعضها جديد وأخرى ضاقت بضيوفها من قتلى الميليشيات التي استجلبها النظام، وأخذت أسماؤها منهم "الغرباء" و"الشهداء"، ومن يشرف عليها هم إيرانيون أو ممن يواليهم.

 

00029188.JPG

 

مقبرة "الشهداء"

تم تأسيسها لتضم رفات الجنود السوريين الذين قتلوا في حرب 1973 التي خاضها الجيش السوري مع إسرائيل، وأصبحت جزءا من احتفالات النظام السنوية بهذه الذكرى حيث تتبادل القيادة من حافظ الأسد إلى بقية الرموز طقوس الزيارة ووضع الزهور على النصب التذكاري الضخم.

الريف الفقير المحيط بالبلدة جعل المنطقة موحشة وأعطى انطباعاً غريباً بالخوف بعد أن أصبحت تحت سيطرة المخابرات التي تحكمها وتضع قوانينها، ومن ثم بعد الحرب تولاها حزب الله وميليشيات إيران، وفي هذا المربع الكبير الذي يصل بين قرى ببيلا والسيدة زينب والعادلية وصولاً إلى المطار تخدش ذعره أضواء قصر المؤتمرات الحديث، ومساكن الضباط فيها التي أعطت انطباعاً طائفياً عن نمط السكان هنا فيما يشبه كانتوناً مغلقاً.

خلال السنوات العشر الأخيرة أنشئت بجوار المقبرة القديمة مقابر جديدة نظراً لدفن آلاف الجثث من قتلى الميليشيات، وحسب مركز توثيق الانتهاكات فقد تم حفر خنادق كبيرة في مقبرة نجها لدفن جثث لمعتقلين قضوا تحت التعذيب بين عامي 2011-2012 بقبور جماعية، ونقلوا بواسطات برادات ضخمة بعد تصفيتهم في الفرع 215.

شهود المذابح الأولى

ناجون من الأحياء الجنوبية لدمشق التقينا بعدد منهم أكدوا أن مقابر نجها والبحدلية والسيدة زينب كانت في بداية الحراك السلمي مستودعات لدفن الجثث من مناطق عدة في العاصمة وريفها حيث كانت سياسة النظام الأمنية هي دفن جثث الضحايا خارج مكان قتلهم، وشهدت حينها مقابر كثيرة حركة ليلية واسعة للدفن بعد منتصف الليل لجثث لم يتضح أين قتلت عدا عن الجثث المرمية في الأحياء لأشخاص مجهولي الهوية.

محمود الجاسم وهو اسم حركي لأحد سكان السيدة زينب ومن نازحي الجولان قال لتلفزيون سوريا "مقبرة نجها والسيدة زينب كانت تُنقل إليها جثث من الغوطتين الغربية والشرقية، وبعد أن أصبح السلاح حاضراً أغلقت المنطقة عن بقية أحياء القرى الثائرة في المنطقة الجنوبية، ومُنعنا حتى من الاقتراب من المقابر والأحياء الطائفية".

خالد أيضاً من سكان المنطقة قال "كل هذه المقابر محشوة بالجثث، وبنيت مقبرة جديدة في نجها فيها ما بين 2000-3000 قبر لمقاتلي الميليشيات ومعظمهم من دول مختلفة وتقام لهم طقوس دفن شيعية وعندهم مكتب دفن خاص بهم".

هجرة القبور

أغلقت أيضاً أثناء الحرب مقابر كثيرة بدمشق بعد أن ضاقت بالموتى الجدد، وكذلك ارتفعت أسعارالقبور في العاصمة لتصل إلى ملايين الليرات في "باب الصغير" و"الدحداح"، وبات عليهم البحث عن قبور رخيصة بمئات الآلاف وهنا كانت توسعة "نجها" حيث مقبرة الغرباء أو "نجها الجديدة".

هنا يمكنك أن تشتري قبراً بتكلفة تقارب 100 ألف ليرة، ومع سيارة نقل الجثة وتكاليف الدفن والعزاء البسيطة قد يكلف الميت ما بين 500 ألف إلى مليون ليرة، وهو مبلغ أقل بكثير مما ستدفعه في العاصمة بشراء قبر طابقي أو فتح قبر بالواسطة يحتاج إلى رشاوي أمنية ومثلها لمكتب دفن الموتى.

مختار، أحد أبناء حي الميدان قال لموقع تلفزيون سوريا "منذ سنوات لم نعد قادرين على دفن موتانا في الشام، والخيارهو مقبرة نجها الجديدة، وموت والدتي كلفنا مليون ليرة قبل 4 سنوات اليوم مع الغلاء والأوضاع الجديدة بالتاكيد الكلفة تتجاوز خمسة أضعاف".

0002918B (1).JPG

 

فرع كورونا

استفحال وباء كورونا وعدم قدرة النظام على التستر على العدد الكبير للموتى بعد تصريحات لأطباء بأن عدد الوفيات في العاصمة حوالي 25 وفاة يومياً بسبب الفيروس فقد اعتمد النظام مقبرة نجها لدفن هؤلاء وذلك وفق تصريح لمدير مكتب دفن الموتى فراس إبراهيم الذي قال لإذاعة محلية "يُدفنون في مقبرة نجها بريف دمشق حصراً لمنع انتشار الفيروس في الأماكن السكنية، ولا يمكن دفن أي ميت دون تقرير طبي من طبيب مختص مع تصديق التقرير من نقابة الأطباء".

عمليات الدفن السرية لموتى كورونا تتم قبل إعلان النظام عن اعتمادها بشهور وفق ما قاله لنا أحد سكان العادلية القرية القريبة من نجها، نقلاً عن قريب له يعمل في المقبرة "تدخل جثث بأكياس سوداء وأكفان جلدية منذ شهور، ويمنع الحديث عنها بأوامر من المخابرات، وهؤلاء بالعشرات ومعظمهم يأتون مع شيوخ يرتدون عمامات سوداء".

"ريثما تُماط الحقيقة عن أسرار مقبرة نجها الكبرى والمستحدثة حولها وكذلك مقابر المنطقة الجنوبية سيكتشف السوريون كم تم قتلهم وتفتيتهم وترويعهم"، يقول أحد ناشطي العاصمة لتلفزيون سوريا، وختم "نجها شاهدة على طقوس الفظائع، وسيأتي يوم لتتكشف رويداً".