نتنياهو.. حرب صعبة وتفويض مهزوز

2023.10.31 | 08:04 دمشق

آخر تحديث: 31.10.2023 | 08:04 دمشق

بنيامين نتنياهو ـ رويترز
+A
حجم الخط
-A

لم يحدث أنْ كانت مطالباتٌ شعبية بإسقاط، أو استقالة رئيس حكومة إسرائيلية، ودولة الاحتلال منخرطة في حالة الحرب، كما حدث مع رئيس الحكومة الحالي، بنيامين نتنياهو؛ ما يعكس ضعفَ ثقةٍ كبيرًا به، وبقيادته؛ إذ لم تقوَ الحالةُ الخطِرة، التي وُصِفت بالوجودية، على تأجيل التصدُّعات والخلافات؛ تلك الخلافات التي امتدَّت لتصل إلى نُخبة القيادة.

ولعلَّ السبب يعود إلى أمرين رئيسين، أوَّلُهما، أنَّ نتنياهو كان تسبَّب بانقسام عميقٍ لم يقف عند الشعب والمجتمع، بل طاولَ مؤسسات الدولة، والجيش، والقضاء، وذلك حين عمِلَ، وأصرَّ على المُضيِّ بما سمّاه الإصلاحات القضائية، دون وجود حدٍّ أدنى من الاتفاق على مثل تلك التغييرات الدستورية التي وصفَها معارضوه بأنها انقلاب.

والسبب الثاني ناجمٌ عن هَوْلِ الضربة التي أصابت موطنَ اعتزاز الشعب الأول، وهو الجيش، وقيادته، وكفاءته القتالية، حيث أثبتت عمليةُ طوفان الأقصى، في 7 أكتوبر، تشرين الأول، أن المؤسسة الأمنية فشلت فشلًا ذريعًا، استخباريًّا، وعسكريًّا، في حماية البلدات المحيطة بقطاع غزة، وسكَّانها، بل إن الضربة الموجعة ألمّت بالجنود أنفسهم، وقيادات عليا، فيما يُعرَف بكتيبة غزة، ما بين قتيل، ومعاق، وأسير. 

وقد طفت تلك الخلافاتُ على السطح، في عزّ افتقار دولة الاحتلال إلى التوحُّد، إذ تصاعدت حدَّة التلاوم، وَفْق ما نشر موقع "الجزيرة نت" في الأوساط السياسية والأمنية في إسرائيل بشأن المسؤولية عن الإخفاق الأمني وراء هجمات 7 أكتوبر، واضطر نتنياهو للاعتذار، بعدما نشر تغريدة يُلقي فيها اللائمة على أجهزة الأمن والمخابرات. وقال نتنياهو، في بيان "لقد أخطأت، وما قلتُه بعد المؤتمر الصحفي (لقادة مجلس الحرب) كان ينبغي ألا يقال، وأعتذر عنه".

قد يكون تأثيرُ هذه الحالة القيادية الضعيفة، أو المهتزَّة، ليس مباشرًا، أيْ أنه لا ينعكس على مجريات العمليات الميدانية القتالية؛ ذلك أنها تخضع للقادة العسكريين، ولكن تأثيرها يتجلَّى في الحالة المعنوية للجنود، إذ لا يستوي قتالُهم تحت قيادة سياسية ناجحة، وملهِمة، وبين قتالهم تحت قيادة مأزومة، هَمُّها درْءُ الأخطار عن شخصِها، والتنصُّل من المسؤولية، بل تحميل الجهات الأخرى، ومنها القيادات العسكرية والأمنية مسؤولية الفشل الكبير الذي أظهرته عمليةُ طوفان الأقصى.

هذا، وتشير استطلاعات الرأي إلى أن أربعة من كلِّ خمسة يتِّهمون الحكومة بالمسؤولية عن مذابح السابع من أكتوبر، وأكثر من نصفهم يريدون استقالة نتنياهو. وقد تعرَّض وزراء الأخير للصُّراخ من قبل أفراد غاضبين من الجمهور، أثناء زياراتهم للمستشفيات والمجتمعات المتضرِّرة.

ويزيد تأثير هذا العامل، مع الأخذ بعين الاعتبار الهزَّة العميقة التي اعترت جيش الاحتلال، بعد أن تمَّت المباغتة، وبانَ سوء ردِّ الفعل، وتأخُّره لساعات، قد تكون وصلتْ إلى عشْر، والذي وصل إلى ما يقارب الانهيارات؛ ما سهَّل سيطرة مقاتلي حماس والمقاومة على عددٍ كبير من القواعد العسكرية، بكامل معدّاتها القتالية، وآليَّاتها الثقيلة، هذا فضلًا عن السيطرة على تلك البلدات التي فشل الجيش في حمايتها، وكلُّ ذلك، جرى بثُّه، بالصورة والصوت للجمهور الإسرائيلي، وللعالم.

وتزيد من تأزُّم نتنياهو الاستحقاقاتُ الضاغطة عليه؛ مِن مطالب أهالي الرهائن، بتعجيل تخليص أبنائهم وذويهم من غزة، وهو الأمر الذي يتطلَّب أثمانًا مؤلمة، أقلّه تبييض السجون من الأسرى الفلسطينيين والعرب

وتزيد من تأزُّم نتنياهو الاستحقاقاتُ الضاغطة عليه؛ مِن مطالب أهالي الرهائن، بتعجيل تخليص أبنائهم وذويهم من غزة، وهو الأمر الذي يتطلَّب أثمانًا مؤلمة، أقلّه تبييض السجون من الأسرى الفلسطينيين والعرب، وهو الذي يحسم، بالتأكيد، من مكانة نتنياهو، هذا علاوة على الخسائر الكبيرة التي ما تزال تقع، في الجنود، والمتوقَّع أنْ تستمر، وتتفاقم، إذا استمرَّت العملية البرية؛ ما يقلق نتنياهو أن شعبه لا يقوى على استيعاب تلك ( التضحيات) الباهظة.

بل إن نتنياهو سمع بأذنيه شتائم من جنود يوبخونه، وينتقصون من نزاهته وقيادته، المشهد الذي تكرَّر حدوثُه، وتكرَّرت مشاهداتُه، كما جرى تعييره بابتعاد ابنه، يائير، عن المشاركة في الحرب، أسوةً بغيره، ممَّن التحقوا بقوَّات الاحتياط؛ إذ قالت زعيمة حزب العمل المعارض، ميراف ميخائيلي: "بينما يخوص أبناؤنا القتال بقطاع غزة، يقوم ابنه (يائير نتنياهو) بتمارين البطن في ميامي (بالولايات المتحدة)، ويجلس نتنياهو متجهِّمًا في مكتبه مع السيجار والشمبانيا، ويحمِّل قادة الجيش مسؤولية الكارثة".

ولا يقتصر تأثير اهتزاز القيادة السياسية على الجيش والجنود، إذ يتعدَّاهم إلى الجبهة الداخلية، التي إِمَّا أنْ تكون داعمة ومعزِّزة للجيش، وإِمَّا أنْ تكون مُخذِّلة، ومُوهِنة له؛ بالانفضاض عن التفويض لنتنياهو، وذلك في حال لم يتحمَّل الشعب وأُسَر القتلى والجرحى والأسرى تلك الخسائر، الموعودة.

وبهذا يظهر افتقادُ دولة الاحتلال، الآن، إلى ما سمّاه، سون تزو، في  كتاب " فنّ الحرب" القانون الأخلاقي، بوصفه ركيزةً من ركائز خمسٍ ثابتة، لا بدَّ منها، للانتصار في الحرب، و"القانون الأخلاقي هو الانسجام ما بين الحاكم والمحكومين؛ ما يدفع الأفراد إلى اتِّباع أوامر القائد العام دون تردُّد، ودون خوف من العواقب".

وتظهر هذه الحالة الراهنة لدولة الاحتلال، أيضًا الافتقار إلى ركيزة أخرى، وهي القائد، وهو الذي " يرمز [كما جاء في "فن الحرب"] إلى فضائل الحكمة والإخلاص وحُسْن الخلُق والشجاعة والحزم". ونتنياهو متَّهَمٌ بقضايا جِدِّية؛ بالفساد وسوء استغلال السلطة، وتلقِّي رُشاً، كما أنه متَّهَم بالجبن، فيما يتعلَّق بقرارات الحرب، وتحسُّبه من انعكاسات نتائجها على احتفاظه بمنصبه، مع أن مستقبله السياسي الآن، وبعد الحرب، في أسوأ حالاته، كما تشير استطلاعات الرأي.

يُضاف إلى ما سبق تفاعلاتُ شعوب العالم، والتظاهرات الحاشدة غير المسبوقة، في دعم فلسطين، والتضامُن مع أهالي القطاع، ولا سيّما في دول أوروبية مهمَّة، مثل بريطانيا وفرنسا، وغيرها، وكذلك الضغوط الشعبية، وحتى في أوساط يهودية، أميركية، ضجّت، وما تزال، من هول ما ترى من جرائم إنسانية بشعة؛ مشفوعة بتصريحات مسؤولين كبار في دولة الاحتلال، من أمثال رئيس الدولة الإسرائيلي إسحاق هرتزوغ، وقد مضى إلى حدِّ التلميح، ضمنًا، إلى أنه ما من فلسطيني في قطاع غزة بريء:" ليس صحيحًا هذا الخطاب القائل؛ بأنَّ المدنيين لا يعرفون، ولا علاقة لهم. هذا غير صحيح على الإطلاق. كان بوسعهم الانتفاض [ضد حماس]“. وترجم وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، هذه النظرة، عندما قال في 9 من أكتوبر، تشرين الأول: “لقد أمرتُ بفرْض حصارٍ كامل على قطاع غزة. لن يكون هناك ماء، ولا كهرباء، ولا غذاء، ولا وقود“. وأصدر وزير الطاقة إسرائيل كاتز، أمرًا بقطع إمدادات المياه عن قطاع غزة.

هذه التداعيات العالمية، بالتوازي مع تفاعُلات المحيط العربي والإسلامي؛ تقلق الولايات المتحدة، أنْ تتطوَّر تلك الاحتجاجات الغاضبة إلى ما يؤثِّر على (استقرار المنطقة).

 وكل هذه المعطيات مِن شأنها أنْ تزيد القيود، أمام نتنياهو، وأنْ تشغَل فكرَه، وتُربِك قرارتِه، وخُطَطَه، وهو يسير على هذه الأرضية المتحرِّكة، ويتحرَّك بين حقول ألغام، تُهدِّد ليس مستقبلَه السياسي، بل مستقبل دولته، أيضًا، وَفْق ما صرّح بأن " هذه الحرب الإسرائيلية الثانية من أجل الاستقلال".