icon
التغطية الحية

ناشيونال إنترست: سيحل الأمن في سوريا إن توحد شمالها

2021.12.27 | 12:37 دمشق

قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرقي سوريا
قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرقي سوريا
ناشيونال إنترست- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

عندما عقد الرئيسان الأميركي جو بايدن والتركي رجب طيب أردوغان قمة ثنائية في الـ31 من تشرين الأول 2021، كانت سوريا من بين المواضيع التي تناقشا حولها. وبالرغم من عدم توصل الرئيسين لاتفاق بشأن سوريا خاصة وحول الشرق الأوسط عموماً، إلا أن الولايات المتحدة وتركيا لا بد أن تستفيدا بشكل كبير عبر التعاون مع دول تشاطرهم الفكر ذاته وذلك بالنسبة لإعطاء الأولوية لسياسة تركز على الشعب السوري، وهذا التعاون يمكن أن يكون آخر الفرص المهمة في تلك الدولة التي دمرتها الحرب طوال عقد من الزمان.

ما يزال بشار الأسد حتى اليوم يسعى وبكل عنف لإيجاد سبل لإخضاع سوريا بأكملها تحت سيطرة نظامه، في الوقت الذي لا تساعد فيه روسيا في رسم معالم عملية سياسية ذات جدوى، وهذا ما يدفع بالشعب السوري نحو مراتب متدنية من حيث الأولوية خاصة بعد تدهور ظروفه المعاشية، ويضعف أي أمل بإحلال السلام في سوريا يوماً بعد يوم، كما أن المجتمع الدولي لا يمد يد العون في ذلك بعدما أصابه تعب وفتور، ولذلك أصبحت نظرة السوريين لبلدهم ولمستقبلهم فيه قاتمة.

وحالياً، يمكن في حال إصلاح ذات البين في المناطق الواقعة شمال غربي وشمال شرقي سوريا أن تلعب دور المحفز لعملية إصلاح حقيقية في البلاد، وذلك لأن ستة ملايين سوري ينتمون لبيئات مختلفة باتوا يعيشون خارج سيطرة النظام في الشمال السوري، وهؤلاء الذين يمثلون قرابة 40 بالمئة من الشعب السوري اليوم، يتحملون أقسى ظروف العيش، إلى جانب نزوحهم المتكرر في ظل ضعف حكم القانون. كما أن المساعي الدبلوماسية التي بذلت فيما مضى لحماية المدنيين وبنيتهم التحتية ذهبت أدراج الرياح، ولكن مايزال السوريون يبحثون عن حياة أفضل لهم ولأولادهم، ولهذا فإن إحلال الاستقرار في الشمال السوري لا بد أن يحسن المسار الذي تسير عليه تلك المجتمعات المحلية، ناهيك عن دعمه للمجتمع المدني وللحكم المحلي هنالك بمرور الزمن.

تدعي الجماعات المسلحة التي تسيطر على الشمال السوري، أي قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والجيش الوطني السوري بأنها تحارب تنظيم الدولة بالتعاون مع المجتمع الدولي، وبالرغم من أن ذلك يحمل شيئاً من الصحة، فإن هذا الهدف المشترك بات يترنح، وذلك لتحول هاتين المنطقتين أي شمال شرقي وشمال غربي سوريا إلى منطقتين متناحرتين ضمن النزاع السوري، إذ لا يكف أي منهما عن توجيه اللوم إلى الآخر، حيث تم توجيه اتهامات لقسد بالمشاركة في حصار حلب في عام 2016، والذي تسبب بأحد أكبر موجات النزوح داخل سوريا، بالإضافة إلى قيامها بأعمال عدائية أخرى تضمنت قصف أحياء مدنية. وبالمقابل، هنالك فصائل تابعة للجيش الوطني السوري متهمة بارتكاب انتهاكات ضد حقوق الإنسان في عفرين وذلك في أعقاب العمليتين العسكريتين اللتين شنتهما تركيا في عام 2018.

وأيضاً ثمة فروقات واضحة في نسب الاستقرار بين كلتا المنطقتين، وينطبق ذلك على قدرة المجتمع المدني على البناء وعلى حقوق الإنسان والخدمات العامة الأساسية، إذ تتمتع المنطقة الواقعة شمال شرقي سوريا بموارد مالية أكبر تضم النفط والمنتجات الزراعية، فضلاً عن تنوع السكان فيها، وامتدادها على رقعة جغرافية أوسع. وبالمقابل نجد ازدحاماً بالسكان في شمال غربي سوريا، ولكن تم تطوير إمكانيات قوية لتقديم الخدمات الأساسية، على الرغم من استهداف النظام الممنهج للمشافي والمدارس والموارد المائية.

ولكن بوسع كلتا المنطقتين الواقعتين شمالي البلاد أن تستفيدا من تجارب بعضهما ومن الموارد المتنوعة فيهما، إلا أن غياب حكم القانون والاستقطاب السياسي وعوامل أخرى خارج سوريا قد وقفت حجر عثرة في طريق هذا التعاون. بيد أن المنافع المترتبة على الخروج باستراتيجية موحدة للشمال السوري يمكن أن تكون كثيرة ومتعددة، بل إنها باتت مهمة أكثر من أي وقت مضى.

ولذلك يجب على الولايات المتحدة وتركيا أن تعقدا شراكة لدعم حالة التعاون بين هاتين المنطقتين وقياداتهما المدنية، وينبغي لتلك الشراكات أن تحدد أهدافها وأن تركز على محاربة العنف والتعاون والاحترام المتبادل لحقوق الإنسان الأساسية، وهذا التعاون من شأنه أيضاً تحييد النفوذ الروسي والإيراني، بما أن هذا التدخل الذي أتى لدعم الأسد لم يعمق سوى المعاناة الإنسانية، وكان عوناً للجماعات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم الدولة.

ومن المزايا طويلة الأمد الأخرى التي ستترتب على ذلك التعاون خلق منصة دبلوماسية موثوقة يمكنها أن تلعب دور الوسيط في حوار وطني سوري بناء، ويمكن لذلك أن يتيح للمجتمع في شمال شرقي وشمال غربي سوريا فرصة لإصلاح ذات البين والتي من المرجح أن تعزز رؤيتهما لمستقبل سوريا الذي يسوده السلام. كما يجب أن تتطرق المواضيع التي ستبحث في ذلك الحوار إلى التوتر الديني والإثني، وانتهاكات حقوق الإنسان، إلى جانب دعم حكم القانون. وبذلك سيبدأ الحوار بمناقشة النزاع الداخلي والمظالم المترتبة عليه، كما يجب أن يسعى جاهداً للخروج بآليات تضمن عدم تكرار حالات النزوح في المستقبل. وسيمكن هذا الحوار الزعماء والقادة من الدفاع عن مجتمعهم بطريقة قائمة على التعاون الذي يخدم مصالح كلتا المنطقتين سواء في الوقت الراهن أو مستقبلاً.

إن إنعدام الأمن على الصعيد الداخلي في سوريا أتى نتيجة لنزاع استمر لفترة طويلة في البلاد، ولهذا لابد من معالجة كل ذلك، وبدون دعم من الولايات المتحدة والدول التي تفكر مثلها، ستبقى المجتمعات والطوائف السورية المتنوعة في حالة تناحر مع انهيار حالة السلام في البلاد. ولن تغير تلك النتيجة شيئا سوى إصلاح ذات البين بين شمال شرقي وشمال غربي سوريا، بيد أن عدم التوصل إلى نهج استراتيجي حيال تلك المنطقة لا بد أن يعيد سوريا لقبضة نظام الأسد الطاحنة، وقد سبق لنا أن عشنا هذا الكابوس، ولا نرغب بتكراره مرة أخرى.

   المصدر: ناشيونال إنترست