مَن يستفزّ الآخر.. طهران أم تل أبيب؟

2024.04.10 | 09:45 دمشق

471454245
+A
حجم الخط
-A

يعيش كيان الاحتلال الإسرائيلي أكثر لحظاته التّاريخية حنقاً لدرجة أنّ تل أبيب بدأت بكسر قواعدها السياسيّة ولم تعد بتعهدات أحد في حماية أمنها وحدودها المزعومة.

ومن هذه الزاوية تحاول إيران الدّخول للعبة جديدة تبدو فيها أكثر راحة من إسرائيل المضطربة نتيجة حربها على غزّة وهنا تعمل طهران على تحقيق مكاسب جديدة لم تكن متاحة سابقاً بالنسبة لها في المنطقة وتبدو أكثر تمرّداً في ظل المعطيات الجديدة.

استفزاز متبادل

دأبت إيران منذ بداية الحرب على غزّة على إثبات وجودها واستفزاز كل من الكيان الإسرائيلي وأميركا من خلال ضربات كثّفتها ميليشيات إيران ضد القواعد الأميركية في سوريا ومن خلال أعمال محدودة من حدود لبنان عبر ذراعها (حزب الله) وبعض القصف من سوريا باتجاه الجولان المحتل .

لكن يبدو أن كل هذه التحركات ليست هي ما بدأ يستفز تل أبيب التي كانت تقصف مواقع إيران في سوريا قبل حربها على غزّة وثمّة تحركات أخرى تقوم بها طهران وتراقبها تل أبيب عن كثب بدأت تتصاعد ولولا أنها تحركات جادّة لما تعاملت معها إسرائيل بهذا القدر من الجديّة أيضاً.

ترى تل أبيب أن إيران تعمل على تقوية وجودها العسكري في سوريا ولبنان بشكل غير مقبول بالنسبة لها فالميليشيات وحزب الله باتت جيشاً منظّماً يستطيع تشكيل ضغط عسكري فعلي متى شاءت طهران بذلك ولذا فإن جميع ضربات تل أبيب السابقة كانت رسائل لإظهار جديّتها في استعدادها لرفع السقف في مواجهة رغبة طهران في المنطقة.

تبدو رغبة إيران ظاهرة بفرض وجود عسكري خارج نطاق الميليشيات أو إبقاء الميليشيات مع تنظيمها وتزويدها بمقومات الجيوش أمّا العمل على ذلك فيمكن أن يظهر من خلال عمليات نقل وتصنيع الصواريخ التي تقوم بها طهران في سوريا رغم هدوء الجبهات مع فصائل المعارضة.

عملية استهداف القنصلية في دمشق هي محاولة لاستفزاز إيران ومعرفة سقفها.

لماذا تصعّد تل أبيب ضد إيران في سوريا؟

تبدو سوريا منطلق عمليات طهران في المنطقة الساحة الأبرز من حيث تشكيل البنية العسكريّة أو تشكيل خطوط إمداد لحزب الله في لبنان ولذا فإن وضع حد لإيران في سوريا سيقوّض كامل وجودها في المنطقة.

عطلت الطائرات الإسرائيلية مطارات سوريا عدّة مرات وكثّفت ضرباتها على مواقع تتبع لإيران بشكل غير مسبوق حتّى انتهى المطاف بقصف قنصلية إيران وهو تصعيد لا يستهدف البنية العسكرية بقدر استهداف المخططات التي يتم رسمها.

عملية استهداف القنصلية في دمشق هي محاولة لاستفزاز إيران ومعرفة سقفها فالركود الذي تبديه طهران يستفز إسرائيل أكثر من أي تحرك مباشر في المنطقة.

ترغب تل أبيب بمعرفة نوايا وجديّة طهران لذلك تستمر باستفزازها بينما تحاول إيران اعتبار خسائرها أمراً طبيعياً في مرحلة البناء لمشروع أكبر لن تعطله ضربة هنا وضربات هناك، ولكن هذا الأمر قد يختلف بعد الضربة الأخيرة التي تريد تل أبيب بالفعل من خلالها وصول طهران لاتخاذ قرار بالرد ولا سيما أن تل أبيب تحدثت عن رفع جاهزيتها لردٍّ إيرانيٍّ محتمل.

تل أبيب يبدو أنها غير آبهة بأخذ الموافقة من واشنطن إزاء قراراتها باستهداف إيران في المنطقة.

كيف سترد إيران على استهداف قنصليّتها في دمشق؟

إيران ورغم احتفاظها بحق الرد بشكل دائم إلا أنها تبدو ماضية في مشروعها أو مشاريعها في المنطقة وهو ما يعتبر ردّاً بالنسبة لها فهي ليست بصدد الانشغال وفتح مواجهة شاملة أو جزئية مع تل أبيب المستفزَّة.

الوجود الإيراني في سوريا ولبنان والتوجه الجديد نحو الأردن كل هذا يعتبر ردّاً كما أن خروج وجود إيران عن إطار الوجود المحدود إلى سيطرة شبه مطلقة يعتبر إنجازاً بالنسبة لها وليس رداً فقط.

موقف واشنطن

أمّا عن رؤية واشنطن التي تكرر تخوفها من اندلاع صراع إقليمي فهي تلعب دور الضابط لكلا الطرفين عوض أن تضع نفسها كندٍّ لإيران.

تصريحات نقلها موقع أكسيوس عن مسؤول أميركي أكدت أن واشنطن أبلغت طهران بعدم درايتها بالضربة الأخيرة بينما قال وزير خارجية إيران إن بلاده بعثت برسالة لواشنطن بصفتها الحامية لتل أبيب عقب استهداف القنصلية في دمشق.

تبدو الولايات المتّحدة من خلال تصريحاتها أكثر رغبة بالتهدئة من التصعيد لكنّها في ذات الوقت قد تفكّر بحلٍ يردع إيران عن تجاوز الحد المسموح أو المقبول لها في المنطقة.

على أية حال فإن تل أبيب يبدو أنها غير آبهة بأخذ الموافقة من واشنطن إزاء قراراتها في استهداف إيران في المنطقة حيث نقل موقع أكسيوس عن مسؤولين أميركيين أن تل أبيب أخطرت واشنطن بضربتها للسفارة وطائراتها في الجو وهو ما لا يتعارض مع نفي واشنطن لدرايتها أو عدم رغبتها بتنفيذ الضربة فالقرار حينها كان متّخذاً والإخطار مجرّد حركة إرضاء بين الحلفاء.

تبقى هذه الرواية محل شكّ فالتنسيق بين واشنطن وتل أبيب قد يكون أعمق بكثير من التصريحات الظاهرة وهنا أيضاً تضع الولايات المتحدة ضمن دائرة الرد الإيراني فترفع جاهزيتها لأي رد محتمل.

تظهر إيران كندٍّ حقيقي بالنسبة لتل أبيب التي لم تعد تتقبّل زيادة وجودها في المنطقة بينما تتقبل واشنطن ذلك بشكل أكبر وكذلك تتقبله روسيا ولذا فإن تل أبيب تحاول قلع شوكها بيدها مستخدمة أكثر أساليبها جنوناً.