icon
التغطية الحية

"من يوميات مدير عام" إلى "الفصول الأربعة"... العبث بذاكرة الدراما السورية

2024.05.18 | 05:41 دمشق

الفصول الأربعة
ينتمي مسلسل "الفصول الأربعة" إلى فئة الدراما الاجتماعية السورية التي ظهرت مع نهاية التسعينيات
تلفزيون سوريا ـ وائل قيس
+A
حجم الخط
-A

أثارت تصريحات الكاتبة ريم حنا بشأن الإعداد لإنتاج جزء ثالث من مسلسل الدراما الاجتماعي "الفصول الأربعة" قبل نحو أسبوعين، موجة من ردود الفعل المتباينة بين المؤيد والمعارض لظهور جزء جديد بعد مرور نحو 25 عاما على عرض الجزء الأول. حديث حنا جاء في سياق الإجابة عن سؤال في برنامج "شو القصة" الذي تقدمه الإعلامية رابعة الزيات، مرجعةً سبب إنتاج الجزء الثالث إلى "رغبة المنتجين"، فيما يبقى السؤال الأهم: ماذا عن رغبة طاقم التمثيل أولًا.. والجمهور ثانيا؟

ينتمي مسلسل "الفصول الأربعة" (إخراج: الراحل حاتم علي، سيناريو: دلع الرحبي، ريم حنا) إلى فئة الدراما الاجتماعية السورية التي ظهرت مع نهاية التسعينيات، بالطبع ذلك لا ينفي ظهور مجموعة من الأعمال الدرامية التي تُصنف من كلاسيكيات الدراما السورية، لكن تبقى ميزة "الفصول الأربعة" أنه كان مسلسلًا اجتماعيًا معاصرًا في طرح القضايا التي يتناولها باختيار قصصه من الحياة الواقعية للطبقة الوسطى الدمشقية في سوريا.

التأسيس لنمط جديد من الدراما الاجتماعية

كانت الحياة الاجتماعية والسياسية تشهد تحوّلًا تدريجيًا في سوريا عندما عرض الجزء الأول لـ"الفصول الأربعة" في عام 1999، وكان من الطبيعي أن يؤثر هذا التحوّل على صناعة الدراما السورية مع بروز الراحل حاتم علي (1962 – 2020) على مستوى الإخراج بعد تقديمه لوحات متنوّعة اجتماعيًا في سلسلة الكوميديا "مرايا" لموسمي 1998 – 1999. هذا التحوّل الذي جاء جنبًا إلى جنب مع اقتحام البث الفضائي منازل السوريين – بعدما كان يقتصر على قناتين أرضيتين – ساعد صاحب "أحلام كبيرة" على التأسيس لنمط جديد من الدراما السورية تعكس الحياة الاجتماعية والتنوّع الطبقي في سوريا، مستفيدًا من مرحلة التحوّل في نظام الحكم في سوريا الذي حاول أن يكون أكثر انفتاحًا – ضمن حدود ثابتة – على مختلف المستويات، بما يشمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي. 

من هنا شكّل ظهور "الفصول الأربعة" نقطة تحوّل في صناعة الدراما السورية بروايته قصة اجتماعية معاصرة تدور حول عائلة دمشقية من الطبقة الوسطى، وبالطبع لن نعيد التذكير بالشخصيات الرئيسية للمسلسل نظرًا لأنه من أكثر الأعمال الدرامية متابعة لدى الجمهور. المميز في "الفصول الأربعة" أنه تم بناء قصة العائلة على التفاوت الطبقي بين الأصهرة، كون جميع أولاد العائلة إناثا، وهو ما عكس حالة التنوّع الطبقي الذي كانت تعيشه النسبة الأكبر من العائلات السورية في تلك المرحلة، يضاف إلى ذلك أن العمل كُتب بأصوات نسوية انعكست على العناوين نفسها، منها على سبيل المثال، لا الحصر، "حرملك" و"أوراق سرية"، ومنها ما كان يعكس الصراع الطبقي بين الأصهرة "أنا الذي"، ومنها ما حاول أن يكون سياسيًا إلى حد ما "الجبال لا تلتقي"، على الرغم من تجنّب العمل الغوص في السياسي بالتركيز على القضايا الاجتماعية المعاصرة، وأخيرًا منها ما كان محاكاة ساخرة لظواهر تشغل حديث الشارع السوري "من لا يحب كاساندرا".

تصريحات متناقضة

يمكننا ملاحظة أن معظم المقابلات التي أجرتها حنا تبدأ بالسؤال حول "الفصول الأربعة"، وذلك في جردة سريعة على مجموعة متنوّعة من المقابلات التي أجرتها سابقًا، وغالبًا ما كان يدور السؤال في إطار حنين السوريين إلى الماضي. في واحدة من المقابلات التي أجرتها حنا مع منصة "كيو ميديا" قبل نحو ثلاثة أعوام، أكدت على أن المسلسل كان يتحمّل جزءا ثالثا. ومع ذلك أشارت إلى أن إنتاج هذا الجزء كان يجب أن يكون في السابق، أما الآن فإن ذلك لم يعد ممكنًا، لكنها نوهت إلى إمكانية إنتاج مسلسل معاصر شبيه "بالفصول الأربعة". وعادت مرة أخرى إلى التأكيد على إمكانية إنتاج مسلسل يشبه "الفصول الأربعة" في مقابلة مع منصة "فوشيا".

تتقابل تصريحات حنا في مقابلة "كيو ميديا" مع تصريحات العديد من الأسماء التي شاركت في "الفصول الأربعة"، من بينها جمال سليمان الذي أكد على "تعذّر إنتاج جزء جديد" في مقابلة سابقة مع "النهار العربي" بسبب "مصير الشخصيات  التي بدورها ستحاكي مصير كل سوري حتى ولو لم يكن شخصية سياسية أو يملك رأيًا سياسيًا". لكن هذا التقابل تحوّل إلى تناقض في التصريحات عندما أعلنت صاحبة "رسائل الحب والحرب" عن عملها على كتابة جزء ثالث لـ"الفصول الأربعة" في مقابلتها مع رابعة الزيات في برنامج "شو القصة"، تصريح انتهى بالقول إن الجزء القادم قد يصل إلى الشاشة الصغير بعد نحو ثلاثة أعوام، وهو ما قوبل بموجة رفض من جمهور المسلسل.

ولاحقًا ظهرت ديما بياعة، التي أدت دور سوسو في المسلسل، في بث مباشر على تطبيق "تيك توك" مشككة بإمكانية نجاح جزء ثالث من "الفصول الأربعة" في حال أنتج في وقتنا الراهن، تشكيك بياعة جاء على ثلاثة مستويات، هي: تغييب الموت لأسماء كانت من الأعمدة الرئيسية التي ارتكز عليها نجاح الجزأين السابقين، عدم مشاركة دلع الرحبي في الكتابة، وأخيرًا وجود مجموعة من الأسماء خارج سوريا، وهو ما سيكون عائقًا أمام إنتاج جزء ثالث داخل سوريا.

ما يبدو ظاهرًا من طبيعة طرح الفكرة هو محاولة لـ"جس نبض" الجمهور، خاصة أن حنا نفسها أكدت سابقًا عدم إمكانية نجاح جزء ثالث من المسلسل في وقتنا الراهن، وذلك تبعًا لتغييب الموت مجموعة من الشخصيات الرئيسية في المسلسل، وتغيّر نمط الحياة الاجتماعية مع دخول التكنولوجيا الحديثة إلى حياتنا اليومية، فضلًا عن أزمة الشتات السورية التي انعكست على شخصيات المسلسل أنفسهم، ويمكننا إضافة الملف السوري المستعصي حله على المجتمع الدولي قبل السوريين أنفسهم الأمر الذي يمنع هذه الأسماء من العودة إلى سوريا، أو المشاركة في الأعمال التي يتم إنتاجها محليًا؛ كل هذه عوامل إلى جانب عوامل أخرى ستصب في خانة عدم نجاح أي جزء جديد، الذي كُتبت قصصه لتتناسب مع طبيعة التحوّلات الاجتماعية في سوريا نهاية الألفية الثانية، وإن صح القول أكثر كان "ابن زمانه".

تجارب سابقة.. تجارب فاشلة

يمكن لمحاولة حنا "جس نبض" الشارع السوري بشأن إنتاج جزء ثالث لـ"الفصول الأربعة" أن تعيد النظر بتجارب مماثلة أثبتت فشلها، قد يكون أبرزها المسلسلين الكوميديين "يوميات مدير عام" (إخراج، هشام شربتجي، سيناريو: زياد الريس، بطولة: أيمن زيدان، إنتاج: 1995)، و"دنيا" (إخراج: عبد الغني بلاط، سيناريو: أمل عرفة، عمار مصارع، بطولة: أمل عرفة، إنتاج: 1999)، وعلى التوالي أعيد إنتاج جزء ثانٍ لكلا المسلسلين بعد نحو 15 عامًا على عرضهما لأول مرة، الأول عرض بالتزامن مع موجة الربيع العربي في عام 2011، والثاني عرض في عام 2015، وكلا الجزأين أثبتا فشلهما جماهيريًا لأسباب مختلفة، قد يكون أحد أسباب فشل "يوميات مدير عام 2" استبدال بعض الأسماء التي ظهرت في الجزء الأول بأسماء جديدة، وهو ما ترك انطباعًا سلبيًا عند الجمهور الذي اعتاد عليها.

والحال أيضًا أن المسلسلين عندما ظهرا في فترة التسعينيات كان لكل مسلسل خاصيته المميزة، فتناول "يوميات مدير عام" لظاهرة الفساد في المؤسسات الحكومية لم يكن معتادًا بعد على الدراما السورية، على الرغم من أنه أنحى بأسباب انتشار هذه الظاهرة على الموظفين، وتجاهل دور المسؤولين في المناصب العليا بتعزيز انتشارها بالذهاب إلى تبرئتهم، كما أن زيدان نفسه كان قد بدأ يحظى بشهرة بين الجمهور بعد تقديمه شخصية "مفيد الوحش" في "نهاية رجل شجاع" (1994). أما "دنيا" الذي يدور في قالب اجتماعي – كوميدي فقد حاول الاستثمار في اسم عرفة التي اشتهرت في الشارع بشخصية "فضة/المطربة هنوف" في "خان الحرير" الذي صدر على جزأين (1996-1998)، وكان بمثابة مسلسل خاص لها.

المشكلة الرئيسية في الجزأين الجديدين للمسلسلين أن زيدان وعرفة ظهرا بالتصرفات والأفعال والسلوكيات ذاتها التي ساهمت بشهرتهما في الجزء الأول لـ"يوميات مدير عام" و"دنيا" على التوالي، فكلاهما تجاهل عن قصد أو غير قصد القفزة الزمنية الطويلة ما بين الجزأين، وللمفارقة فإن كلا الجزأين الجديدين كانا من إخراج زهير قنوع، إضافة إلى استبدال كتّابهما الأصليين بكتاب جدد، كما أنه سبق "يوميات مدير عام 2" العديد من الأعمال التي تناولت الفساد بقوالب مختلفة، بينما فقد "دنيا" عفوية عرفة التي عرفناها في الجزء الأول، وهو ما أثر على الروح الكوميدية للمسلسل، وهذا ما يدل على أن إعادة إنتاج أجزاء جديدة لأعمال كلاسيكية سيكون فاشلًا في وقتنا الراهن، لكنه بالتأكيد لن يؤثر على الحنين إلى الأعمال الأولى. 

وماذا بعد..؟

من السابق لأوانه توقع فشل الجزء الثالث من "الفصول الأربعة" في حال تم إنتاجه، مع أن ذلك لا يمنع من الإشارة إلى محاولة الاستثمار في النجاح الجماهيري الذي حققه المسلسل قبل نحو عقدين، لكن السؤال هل يمكنه المنافسة جماهيريًا في وقت أصبحت صناعة الدراما جزءا من السوق التنافسية لخدمات الفيديو حسب الطلب (VOD)؟ وهل فقدت الدراما السورية شهية التجديد لتحصر نفسها في إعادة إنتاج أعمال سابقة كما الحال مع الأعمال التركية المعربة؟ يمكننا قياس ذلك على أعمال الموسم الرمضاني الأخير التي كانت جميعها تدور ضمن بناء قصصي ثابت مقيّد بعدم الخروج عن المألوف.

كذلك، لا يمكننا تجاهل العديد من الأعمال الدرامية التي شكّلت نقلة في صناعة الدراما السورية على مستوى الإخراج، على الرغم من تقديمها قصصًا متشابهة، وهو ما ينطبق على الدراما المشتركة (السورية – اللبنانية) التي بنت شهرتها على قالب واحد غير قابل للتجديد، وحتى التركية المعربة، وعلى هذا الأساس لن يختلف كثيرًا إنتاج جزء ثالث من "الفصول الأربعة" عن غيره من الأعمال الدرامية التي أنتجت أجزاء جديدة منها بعد فترة زمنية طويلة، إلا من جانب واحد، وهو العبث بذاكرة الدراما السورية.