من قال إن الملف السوري مجمّد؟

2023.12.17 | 06:37 دمشق

الب
+A
حجم الخط
-A

توقيت تصريحات وزير الدفاع التركي يشار غولر الأخيرة حول تطورات المشهد في الملف السوري، وسط الحديث عن جمود في هذا المسار بعد انفجار الوضع على جبهات غزة في مطلع تشرين الأول المنصرم ملفت طبعا.

 يذكر الوزير غولر، قبل أيام بما أعلنه قبل 3 أشهر حول الموقف التركي من تطورات المشهد السوري ومسألة استئناف محادثات التطبيع مع النظام في دمشق، وبالشرطين الأساسيين لأنقرة قبل سحب القوات التركية من شمال سوريا وهما: وضع دستور جديد، وإجراء انتخابات حرة نزيهة في البلاد.

لا تريد أنقرة إغلاق أبواب التحرك الروسي الذي بدأ في مطلع العام أمام طاولة رباعية بمشاركة النظام وإيران، لكنها تذكر الجميع "أن لا فرص للأسد في مرحلة بناء سوريا الجديدة، فهو أمامه مسؤوليات لا يفي بها"، وأن الجيش التركي لن يغادر سوريا دون الوصول إلى ذلك وضمان أمن حدوده.

تحولت الأنظار باتجاه غزة منذ السابع من تشرين الأول المنصرم على حساب أكثر من ملف إقليمي ودولي. هل يعني لك أن نقاشات أو حراك الملف السوري قد جمدت بانتظار حسم الموضوع الفلسطيني وإيصاله إلى بر الأمان؟

ما الذي دفع الوزير التركي لطرح الموضوع من جديد على هذا النحو اليوم؟ وما الذي تعد له الأطراف أو تتوقعه في المرحلة القادمة أمام سيناريوهات تتقدم بأكثر من اتجاه في التعامل مع الملف السوري؟

مواصلة القوات التركية منذ أسابيع استهداف قيادات وكوادر حزب العمال وقسد برا وجوا رسالة واضحة إلى من يهمه الأمر أن أنقرة لن تتراجع عن أهدافها المعلنة في شرق الفرات

كان لعملية "طوفان الأقصى" التي جاءت بعد أسبوع من الهجوم الأرهابي لحزب العمال الكردستاني في قلب العاصمة التركية ارتداداتها شئنا أم أبينا، على سيناريو قيام أنقرة بعملية عسكرية واسعة في شرق الفرات دار الحديث حولها أكثر من مرة. تطورات الوضع العسكري والسياسي في غزة قد يكون تسبب بإرجاء العملية لتركيز تركيا جهودها السياسية والدبلوماسية على الملف الفلسطيني، ولقطع الطريق على محاولات البعض الاصطياد في الماء العكر من خلال محاولة الربط بين العمليتين. مواصلة القوات التركية منذ أسابيع استهداف قيادات وكوادر حزب العمال وقسد برا وجوا رسالة واضحة إلى من يهمه الأمر أن أنقرة لن تتراجع عن أهدافها المعلنة في شرق الفرات.

فشل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في مراجعة سياستها الفلسطينية وعدم إلزام حكومة بنيامين نتنياهو بوقف عدوانها على غزة ووضع حد للمجازر التي ترتكبها هناك، سيكون له حتما ارتداداته على مصالح واشنطن الإقليمية وبينها الملف السوري.

تواصل قوات النظام في دمشق استهداف المدنيين في منطقة إدلب ونواحيها. ويستمر التصعيد الميداني السياسي والأمني في شرق الفرا ت بين العشائر العربية وقوات سوريا الديمقراطية وسط حالة من الغليان التي تقلق واشنطن. وتمضي أنقرة في عملياتها الأمنية عبر المسيرات في استهداف قيادات ومواقع حزب العمال وكوادر قسد في شرق الفرات. ومع ذلك تتمسك واشنطن بإعلانها أن لا تحول في سياستها السورية رغم كل التصعيد من قبل أكثر من لاعب محلي وإقليمي ضدها في محاولة لإخراجها من المشهد السوري.

يقول المشهد من بعيد:

إن تمسك طهران بلعب أوراق حلفائها في سوريا والتلويح بتفجير جبهات جنوب لبنان والجولان إذا ما حاول البعض محاصرتها أو إضعاف نفوذها في سوريا.

وأن استهداف القوات الأميركية في سوريا من قبل الميليشيات الإيرانية وإعلان مظلوم عبدي أنهم لا يريدون "أن تتحول مناطقنا إلى ساحة مواجهة أميركية – إيرانية"، هي تطورات ترصدها تركيا عن قرب. لكن ذلك لن يعني بالضرورة إلتقاء المصالح التركية الإيرانية الروسية هنا، لأن حسابات كل طرف تختلف عما يقوله ويريده الآخر.

ينطبق الأمر أيضا على العصيان الثالث للعشائر العربية في شرق سوريا وإعلان شيخ قبيلة العكيدات إبراهيم جدعان الهفل، عن تشكيل "جيش قوات العشائر العربية"، على أن تكون مهمته القتال ضد مجموعات قسد. قد لا يخدم ذلك بالضرورة حسابات الرباعي الذي أرادت موسكو أن تراه موحدا أمام طاولة سورية مشتركة.

كانت واشنطن تعول على تراجع نفوذ طهران على أكثر من جبهة بعد التقارب الإيراني الخليجي. إنفجار غزة أطاح بحساباتها هذه. فمن له مصلحة في دعم اشتعال الجبهات في القطاع؟

كان الأسد يعد بمراجعة سياسته الإيرانية مقابل الانفتاح العربي الجديد على نظامه. انفجار الوضع في غزة ملفت هنا لأنه أطاح بحلم دمشق فمن هو المستفيد من ذلك؟ هل المتضرر والمستفيد هو الطرف نفسه أم أن تشابك الأهداف وتضاربها أوصل إلى تعقيد المشهد بأكمله على هذا النحو؟

شكل وحجم الرد الأميركي على ما قد يحدث ميدانيا وسياسيا مهم هنا. فهل سيكفي واشنطن التمسك بالتصلب في سياستها السورية ظهرت بوادره مع فشل مشروع قانون تقدم به السيناتور الجمهوري، راند بول، إلى الكونغرس ينص على سحب القوات الأميركية من سوريا. ورفضه بأغلبية 84 صوتاً مقابل 13 أيدت المشروع. ثم التلويح مجددا بأوراق العقوبات على أنقرة تحت ذريعة مواصلة دعمها لحماس وتغاضيها عن تحركات أفراد يعملون على استمرارية نشاطات الحركة وإدارة شؤونها المالية عبر الأراضي التركية. وطرح عقوبات أخرى من قبل وزارة الخزانة الأميركية على 5 شركات تركية بتهمة مساعدة روسيا على التهرب من العقوبات الغربية ودعم موسكو في حربها على أوكرانيا؟

تقول واشنطن إنه لا هدايا مجانية أميركية لأي كان في سوريا وغزة وتتمسك بحماية مصالحها ونفوذها في المكانين. لكنها تدرك أن المستفيد الأول والأكبر من كل هذا التداخل والتشابك في الملفات سيكون موسكو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين

تتعرض الإدارة الأميركية لضغوطات محلية ودولية بهدف دفعها لتغيير سياستها الإسرائيلية في غزة. مؤشرات تتحدث عن تباعد سياسي أميركي إسرائيلي في غزة بدأ يطفو إلى السطح بعد التحول الجزئي في السياسة الأميركية حيال الاعتداءات على غزة ورفض تل أبيب وقف عملياتها العسكرية. فهل تكون واشنطن قررت الدخول في عملية مقايضات ومساومات على خط غزة – سوريا. تأخذ ما تريده في مكان على حساب التنازل في مكان آخر؟

تقول واشنطن إنه لا هدايا مجانية أميركية لأي كان في سوريا وغزة وتتمسك بحماية مصالحها ونفوذها في المكانين. لكنها تدرك أن المستفيد الأول والأكبر من كل هذا التداخل والتشابك في الملفات سيكون موسكو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي أعلن أن لا خيار آخر لديه سوى الترشح للانتخابات الرئاسية المرتقبة في آذار المقبل.

من مصلحة موسكو أن ترى كل هذه التعقيدات في العلاقات الأميركية الإسرائيلية العربية الإيرانية التركية على خط غزة – سوريا، لأنها تخفف الأعباء عنها على أكثر من جبهة، لكن الغامض هو ما الذي يريده بوتين سياسيا؟ إجراء انتخابات رئاسية روسية بعيدة عن الاحتقان والتصعيد الإقليمي ضده حيث كل لاعب منشغل بهمومه؟ أم إقناع أردوغان أن الأجواء ملائمة لطبخة روسية تركية جديدة على أكثر من جبهة، يتقدمها المشهد السوري بعد سيطرة الجمود على محادثات الطاولة الرباعية رغم ثلاث محاولات دون إحراز أي تقدم بسبب تضارب المواقف بين أنقرة ودمشق فيما يتعلق ببقاء القوات التركية في شمال سوريا، وقدوم الرد التركي الذي سبق تصريحات غولر بتصويت البرلمان على تمديد عمل القوات التركية في شمال سوريا لعامين إضافيين.

أعلن المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديميتري بيسكوف عن نية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إجراء زيارة رسمية إلى العاصمة التركية أنقرة، مطلع شهر كانون الثاني المقبل، يلتقي خلالها نظيره التركي رجب طيب أردوغان لبحث العلاقات الثنائية وعددا من القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك. كما أشار بيسكوف إلى أن بوتين سيشارك نظيره التركي، في مراسم افتتاح مشروع خط أنابيب السيل التركي لنقل الغاز الروسي إلى القارة الأوروبية عبر الأراضي التركية.

ما سيغضب واشنطن أكثر هو ليس إعلان أردوغان عن انتقال تركيا إلى النادي النووي في العالم. بل أن تكون روسيا هي المساهم والداعم لأنقرة في هذه الخطوة الإستراتيجية. حيث يقترب يوما بعد يوم تفعيل أول محطة طاقة نووية في مدينة مرسين، بعدما منحت الحكومة موافقتها على البدء في الإنتاج بمشاركة "روس أتوم" الروسية.