من طهران إلى الجولان ودمشق.. نتنياهو يُطلّ برأسه

2022.12.20 | 06:21 دمشق

نتنياهو
+A
حجم الخط
-A

عادَ بنيامين نتنياهو إلى السّلطة في تل أبيب، ومعه القلق المُتصاعد في المنطقة من طهران إلى الجولان. عادَ هذه المرّة مُتسلّحاً بتحالفٍ يمينيّ عريضٍ. أساس التّحالف "حركة الصّهوينيّة الدّينيّة" التي نجحَت أخيراً في نيل 14 مقعداً جعلت يدها العُليا فوق يد نتنياهو الباحث عن الحماية من القضاء الإسرائيليّ.

ليسَ سِرّاً أنّ زعيم الليكود سيجعل مُكافحة البرنامج النّوويّ والنّفوذ الإيرانيّ في المنطقة على رأس سُلّم أولويّاته. فهو وقفَ يوماً يستعرِضُ ملفّات "أرشيف البرنامج النّوويّ الإيرانيّ"، التي استحوذ عليها الموساد بعمليّة خاصّة في الدّاخل الإيرانيّ، ويقول: "مُحسن فخري زاده احفظوا هذا الاسم جيّداً".

ما هي إلّا مسألة أشهرٍ قليلة حتّى وصلَت أيدي الموساد إلى رأس البرنامج النّوويّ محسن فخري زاده في قلب العاصمة طهران، وفي وضح النّهار.

مع الأيّام، باتت تل أبيب تواجه عدّة مصادر قلق إيرانيّة تُضاف إلى برنامجها النّوويّ. صارَ الحرس الثّوريّ الإيرانيّ مُتموضعاً مع الفصائل الموالية له في جنوب سوريا، أيّ على مقربة من هضبة الجولان السّوريّ المُحتلّ. كذلك أعلنَ أمين عام حزب الله حسن نصر الله صراحةً أنّ الحزبَ استطاع، على الرّغم من الغارات الإسرائيليّة المُكثّفة، أن يحصل على الصّواريخ الدّقيقة وصارَ يُصنّع الطّائرات المُسيّرة بمختلف أنواعها المُتاحة.

صارَت التّحديات الإيرانيّة تجاه تل أبيب تتلخّص بالّنقاط الرّئيسيّة الـ3: البرنامج النّوويّ، النّفوذ الإيرانيّ على الحدود مع إسرائيل، والصّواريخ الدّقيقة التي باتت في عهدة حزب الله.

على الرّغم من أنّ عهدَ نتنياهو لم ينطلق بشكلٍ رسميّ بعد، إلّا أنّه برزَت خلال الأيّام الماضية مؤشّرات تزامنت مع عمل نتنياهو على تشكيل فريقه الوزاريّ، تعكس مرحلة التّصعيد المُقبل ضدّ إيران أكانَ في أراضيها أم في سوريا وربّما لبنان.

أوّلاً: اغتيل العقيد في القوّة الجوفضائيّة في الحرس الثّوريّ الإيرانيّ داوود جعفري بعبوّة ناسفة استهدفت سيّارته قُربَ العاصمة السّوريّة دمشق. وإن كانت حكومة يائير لابيد ما تزال تُسيّر الأعمال، إلّا أنّ رئيس الموساد دافيد برنياع يُعتبَر من المُقرّبين من "بي بي"، كما أنّ نتنياهو حرصَ على تعيينه على رأس جهاز الاستخبارات الإسرائيليّ في أيّار 2021،ّ قبل أيّام من إسقاط حكومته حينذاك من قِبَل تحالف "يائير لابيد – بيني غانتس – نفتالي بينيت – منصور عبّاس".

جديرٌ بالذّكر أنّ برنياع كانَ قد لعبَ دوراً أساسيّاً في سرقة الأرشيف النّوويّ الإيرانيّ وعمليّة اغتيال مُحسن فخري زاده وعددٍ من العُلماء النّوويين الإيرانيين.

على الرّغم من أنّ عهدَ نتنياهو لم ينطلق بشكلٍ رسميّ بعد، إلّا أنّه برزَت خلال الأيّام الماضية مؤشّرات تزامنت مع عمل نتنياهو على تشكيل فريقه الوزاريّ، تعكس مرحلة التّصعيد المُقبل ضدّ إيران

ثانياً: قامَ الجيش الإسرائيليّ أواخر تشرين الثّاني المُنصرِم بالتّوغّل داخل المنطقة المُحرّرة من هضبة الجولان السّوريّ بعمق 2 كلم لمدّة 3 أيّام بحسب ماذكَرت القناة 11 الإسرائيليّة. شملَ التّوغّل البحث عن ألغامٍ مُحتملة وأجهزة مراقبة وعبوّات ناسفة.

بالطّبع لا يقلّ أهميّة خبر التّوغّل عن المُناورات العسكريّة الشّاملة التي سبقته في هضبة الجولان ومزارع شبعا.

يدلّ التّوغّل هذا، وعمق المنطقة أنّ تل أبيب قرّرَت إقامة منطقة أو حزامٍ أمنيّ مُتقدّم في الجولان لإبعاد أيّ مُحاولة إيرانيّة لاختراق الحدود وإقامة حزب الله 2 في المنطقة.

بين سطور التّوغّل، يظهر قرارٌ إسرائيليّ غير مُعلن، قد يكون إرادة تل أبيب التّوغّل بشكلٍ أعمَق في حال دعَت الحاجة إلى ذلك.

ثالثاً: أجرَى الجيشان الأميركيّ والإسرائيليّ مُناورةً عسكريّة مُشتركة، تُعدّ من الأكبر بين الجيشيْن، فوق مياه البحر الأبيض المُتوسّط، في 29 من الشهر الماضي واستمرّت 3 أيّام. حاكت المُناورة المُشتركة توجيه ضربةٍ للمنشآت النّوويّة الإيرانيّة والتحليق لمسافات بعيدة المدى والتزوّد بالوقود جوّاً.

عن المناورة هذه، ينبغي التّوقّف عند 3 نقاط مُهمّة:

  1. إنّها المرّة الأولى التي تُلوّح فيها أميركا بقيادة جو بايدن بالخيار العسكريّ بالفِعل بعيداً عن الأقوال.
  2. جاءت المناورة بعد أسابيع من الانتخابات الإسرائيليّة التي أعادت نتنياهو واليمين الإسرائيليّ إلى الأغلبيّة. هُنا ينبغي الإشارة إلى أنّ واشنطن تُعطي التزاماً واضحاً بأمن الكيان العبريّ بغضّ النّظر من يكون على رأس السّلطة، وكذلك يُمكن اعتبارها رسالة تودّد من البيت الأبيض إلى نتنياهو عبر منحه "ضوءاً أصفرَ" عن الخيار العسكريّ الذي يُفضّله "بي بي" منذ ما قبل توقيع الاتفاق النّوويّ 2015.
  3. كانت المياه الدّوليّة في البحر المُتوسّط هي مسرح المُناورة. بكلام آخر، فقد حملت المناورة العسكريّة المُشتركة رسالةً واضحة إلى البلديْن الرّاقديْن على ساحل مياه المُتوسّط، لبنان وسوريا، إذ تحملُ المناورة رسالة إلى حزب الله في لبنان والتّموضع الإيرانيّ في سوريا عن أنّ إمكانيّة اللجوء إلى الخيار العسكريّ ضدّ إيران ترتفع يوماً بعد يوم.

بالطّبع قد لا يكون خيار نتنياهو العسكريّ ضدّ إيران مُتاحاً بالرّاحة التي يظنّها البعض، لكنّ الأزمة التي يعيشها النّظام الإيرانيّ في الدّاخل قد تفتح شهيّة رئيس الوزراء العائد بدعمٍ يمينيّ قلّ نظيره في تاريخ الكيان.

يقول الواقع إنّ نتنياهو وإن أقدَم على ضربِ المُنشآت النّوويّة الإيرانيّة، فإنّه قد يكون في المُقابل يُقدّم للنّظام الإيرانيّ حبل خلاصٍ من الغرقِ في طوفان التّظاهرات ينتظره بفارغ الصّبر، عَلِمَ نتنياهو ذلك أم لم يعلم..